يؤلمنى تزايد عدد الراغبين فى ترك بلدهم من المسيحيين.. بعضهم يحاول وبعضهم يحلم والبعض وضع قدمه على أول الطريق.. مؤلم جدا شعور أن أهلهم يطردونهم، ومؤلم أكثر شعور أنهم لا يقاومون.. أما شعورى أنا فهو الأكثر إيلاما.. أنا «فزعانة».. لا أستطيع تحمل مشهد الرحيل الجماعى ولا حتى الفردى. ذهبت إلى شارع شبرا أمس، فى موعد حدده ناشطون لا أعرف من هم لتأبين الشهداء. وكنت طوال الطريق أستعد عقليا ونفسيا لأن أطلب من كل من أستطيع أن أتكلم معه ألا يترك مصر ويسافر، وأن يمنع أهله وأصدقاءه من الرحيل، وأتخيل نفسى أصرخ وسط مجموعات من المسيحيين الطيبين، (ماينفعش تسيبوا بلدكم.. ماحدش يقدر يعيش بعيد عن بلده.. وتبقى إيه لازمتها العيشة أصلا.. حتى لو كنا فى بلدنا مهددين بالقتل أو بالسجن)، وأجد أن منطقى ضعيف، فلا أنا مهددة بالقتل ولا بالسجن، ولا حتى بالاضطهاد. وقفت بجوار محطة مترو روض الفرج أتأمل الشباب يهتفون ويصفقون، لم أكن أهتف معهم كنت مشغولة بتسجيل الهتافات كتابة، على هوامش أوراق النشرات التى وزعها الشباب الاشتراكيون علينا (مينا دانيال يا ولد دمك بيحرك بلد)، (مينا دانيال البطل بيد العسكر اتقتل)، (بالإنجيل ويّا القرآن يسقط يسقط الطغيان)، (مينا دانيال مات مقتول والمشير هو المسؤول). (يا طنطاوى ليه مش سامع الكنيسة زى الجامع)، (قولوا فى كل جرس وأدان لن يحكمنا رئيس أركان)، و(نام يا مينا جنب بلال أصل الثورة صليب وهلال). ليس المقصود مينا دانيال فقط، لكن كل شهيد قبطى، وليس سيد بلال فقط وإنما كل مقهور ومظلوم ومقتول. كان العدد أقل من توقعاتى، وكان من الصعب التمييز بين الأقباط والمسلمين بخلاف طبعا عدد من المحجبات يهتفن بنفس الشعارات. كان الواضح على كل المشاركين أنهم لن يتركوا بلدهم مهما حدث. هؤلاء الواقفون أمام جراج روض الفرج يهتفون (إحنا ولاد البلد دية والأقباط مش بلطجية ومش هنضيع القضية). لن يرحلوا، ولن يختبئوا فى الكنائس. هؤلاء -إن شاء الله يارب- سيتحدون المطاطى (مش هنخاف مش هنطاطى إحنا أخدنا ع المطاطى)، ويتحدون الرصاص الحى ومدرعات الجيش، هؤلاء الذين يتبادلون الأسماء محمد ومينا.. وعلى وجورج سيموتون هنا أو يعيشون هنا وأحدهم يحمل الآخر فى مسيرة، يحمله ليهتف ويحمله لو أصيب. كان العدد أقل من توقعاتى وأقل من أمنياتى، لكنه كان كافيا لأن يطمئن قلبى فيطمئننى أننى لن أعيش لحظات رحيل مؤلمة.