منذ وقوع مذبحة ماسبيرو يوم الأحد 9 أكتوبر، ونحن جميعا نلفّ حول أنفسنا، والكلام يدور بنا فى جميع الاتجاهات، كما تنطلق الاتهامات الخطيرة إلى كل ناحية، إذ تجد من يهاجم المسيرة السلمية، فى حين أن دماء الشهداء ما زالت ماثلة أمامنا جميعا! كما تجد من يلقى بالتهم على طبيعة شعبنا وأخلاقياته ومستوى تعليمه وتحضره! وثمة من يلقى باللوم على آلاف البلطجية، ومن يستخدمهم لأغراضه الخاصة، ومن يطلقهم علينا كل حين! وهناك من يوجه التهم جميعا إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فهو المسؤول الآن عن تأمين المواطنين، وإدارة شؤون البلاد فى هذه المرحلة الانتقالية. وكما ذكرتُ أول أمس، فنحن فى عصر السماوات المفتوحة، وانتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكل الأحداث المهمة تُنقل على الهواء مباشرة، ويمكنك أن تشاهدها مسجَّلة بالصوت والصورة، ورغم كل هذا الوضوح فى متابعة تفاصيل الوقائع، ها نحن أولاء نختلف كثيرا حول حقيقة ما حدث يوم المذبحة التى جرت أحداثها الفاجعة أمام أعيننا جميعا! ومن ثم فلنتوقف أمام الجريمة الأخرى، التى ارتكبها وزير إعلام العسكر أسامة هيكل، وأجهزة إعلامه الكاذب، فقد حرّض تليفزيون الدولة وإذاعاتها المصريين بعضهم على بعض، وأشاعوا فى أنحاء الوطن مشاعر عدائية بين أفراد الشعب! وهذه جريمة كبرى تستحق عقوبة تناسب حجمها الهائل. إذ كيف يدّعى إعلام هيكل أن المسيحيين يهاجمون القوات المسلحة، ويطلقون عليها الرصاص الحى، ويقتلون جنودا ويصيبون آخرين! ثم يطلب الإعلام الكاذب من الجماهير (المسلمة) أن تخرج من بيوتها لتدافع عن الجيش المصرى؟! ما كل هذا العبث، والحماقة، والغباء؟! لكن ما زاد الطين بلة، هو كلام اللواء إسماعيل عتمان، الذى خرج علينا فجأة لكى يدافع عن أداء التليفزيون المصرى فى وقت المذبحة، فقد قال سيادته «إن التليفزيون المصرى نقل الحقائق كاملة فى أحداث ماسبيرو دون رتوش، وعلى الهواء مباشرة»، فسيادة اللواء يثنى على التليفزيون الذى يطلب من الشعب أن ينقسم على ذاته، ويحارب نفسه! إنها ليست مجرد دعوة خبيثة تؤجج الفتنة الطائفية، ولكنها تشجع المواطنين على إشعال حرب أهلية فى البلد كله! ففى هذا اليوم الأسود، كان يمكن لمصر كلها أن تشتعل نارا حارقة، لولا أن المولى عز وجل رحمنا جميعا من حماقات الإعلام المصرى. بينما سيادة اللواء إسماعيل عتمان يضيف «إن القوات المسلحة ليس لها أى تأثير على التليفزيون أو الإعلام المصرى. ولا تقوم بتوجيهه يمينا أو يسارا، وإن الإعلام المصرى يقول ما يشاء وقتما يشاء، وإن الإعلام مرآة الحقيقة». ولا أدرى عن أى حقيقة يتحدث سيادة اللواء! إن أول ما يتبادر إلى ذهن من استمع إلى كلمات سيادته، عبارة: يا ليته ما تكلم! فصمته كان أفضل كثيرا من كلماته التى تؤكد لنا عكس ما قاله، فشعبنا الواعى يعلم أن وزارة الإعلام بعدما تم إلغاؤها، عادت لكى تتم السيطرة على الإعلام، ومن ثم منع إعطاء أى تصاريح للفضائيات، وأغلقت قناة «الجزيرة مباشر-مصر»، ووضع شخص كأسامة هيكل على رأس الوزارة لينفذ تعليمات المجلس العسكرى.