قال له ساخرا «على فكرة أنا صاحب الضربة الجوية ما حدش قال لك قبل كده؟»، أجابه مرتجفا «طبعا يا فندم كلنا عارفين». الذى قال هو حسنى مبارك والذى ارتجف عادل حسنى، وكان فى ذلك الوقت (2001) يشغل، على حد قوله، موقع المستشار السياحى فى رئاسة الجمهورية، والمكان هو قصر الإليزيه فى فرنسا، وبحضور كثيرين مثل إبراهيم سعدة وسمير رجب وزكريا عزمى وآخرين. اكتشف عادل بعد ذلك أن سر الغضب هو فيلم «حائط البطولات» الذى تكفل به قطاع الإنتاج التابع لاتحاد الإذاعة والتليفزيون وتولى هو مسؤولية المنتج المنفذ. كان المعروف أن حسنى مبارك غاضب من الفيلم الذى يروى بطولة سلاح الدفاع الجوى، ولهذا بعد أن بدأ الاستعداد لعرضه كانت هناك تدخلات وعراقيل تشير إلى أن جهات سيادية تحول دون عرض الفيلم! كان مبارك يشعر بأنه يساوى انتصار أكتوبر وعلى الجميع أن يعلنوا أن مبارك هو الضربة الجوية والضربة الجوية تساوى مبارك! قبل أيام من إجبار مبارك على التنحى كان جهاز السينما التابع لوزارة الإعلام يعد فيلما عنوانه «الضربة الجوية»، وبديهى أن الكل أراد أن يحظى برضائه بعد أن عرفوا مفتاحه وهو شخصنة انتصار أكتوبر. البعض وجد فى احتفالات أكتوبر بعد إزاحة مبارك فرصة لكى يرى حائط البطولات النور. كان قد أتيح لى مشاهدة الفيلم ربما قبل نحو عشر سنوات من خلال لجنة اشتركت فيها مع الدكتورة درية شرف الدين وآخرين، وكان رأينا أن الفيلم لا يصلح للعرض الجماهيرى لضعف مستواه الفنى. نعم كان لدى مبارك أسبابه التى تحركها الغيرة، ولكن كانت لنا زاوية أخرى، فهو كعمل فنى متواضع، ولن يؤدى التخلص من مبارك إلى إضفاء أى أهمية فنية على الفيلم! آخر أخبار حائط البطولات أن وزير الإعلام أسامة هيكل ارتكب حماقة أخرى عندما تقدم للقوات المسلحة بطلب رسمى لكى تدعم الفيلم ببعض مشاهد توثيقية تضاف إلى الشريط السينمائى من أجل تحلية البضاعة. لا أتصور أن من الممكن إنقاذ حائط البطولات بإضافة أو حذف شىء.. الفيلم يحتاج إلى فيلم! ***** كلنا غنينا مع عليا التونسية وموسيقى حلمى بكر وكلمات مصطفى الضمرانى «ما تقولش إيه ادتنا مصر.. قول حندِّى إيه لمصر».. كانت هذه الأغنية واحدة من اللآلئ القليلة فى المكتبة الغنائية التى جاءت بعد هزيمة 67 لتبعث فى داخلنا الأمل فى الانتصار. كان الرئيس أنور السادات فى واحدة من خطبه قد قالها بنفس الكلمات.. مثلما قال الزعيم الوطنى مصطفى كامل «بلادى بلادى لك حبى وفؤادى» فأخذها الشيخ يونس القاضى وأكملها ثم لحنها سيد درويش لتصبح هى الآن سلامنا الوطنى. فى الذكرى الثمانين لرحيل أحد أيقونات الأدب الإنسانى، جبران خليل جبران، الذى احتفل به العالم قبل أيام قليلة على الموقع الشهير «جوجل»، اكتشفت أن السادات لم يكن هو صاحب تلك العبارة، ولكنه أخذها من الرئيس الأمريكى جون كنيدى الذى قال حرفيا «لا تسألنى ماذا يفعل لك وطنك، اسأل ماذا فعلت أنت لوطنك».. ثم كان الاكتشاف الأهم وهو أن الكاتب الأصلى لهذه العبارة هو جبران الذى قال «هل أنت سياسى تسأل ماذا يفعل لك وطنك، أم أنت غيور تسأل ماذا تفعل لوطنك؟!». الله عليك يا جبران! استطاع فيلسوف الإنسانية أن ينحت العديد من المعانى التى صارت دستورا لحياة البشر مع اختلاف الأديان والأعراق بتلك النظرة الكلية التى تستطيع أن تصل إلى الحقيقة وتعبر حدود التاريخ وتخوم الجغرافيا بأقل عدد من الكلمات وتترك بعدها بداخلك فيضا من المعانى.. ولا يزال جبران يشكّل على الخريطة الإنسانية للإبداع أعلى المعدلات فى التوزيع ويقارَن فى تداول أعماله بالكبار أمثال شكسبير.. هل كان السادات يدرك أنه أخذ العبارة من جون كيندى؟ أعتقد ذلك.. هل كان يعرف أنها لجبران؟ لا أعتقد ذلك! ***** لحضورى فى مهرجان أبو ظبى السينمائى لن أستطيع أن أمنح صوتى اليوم له نقيبا فى انتخابات نقابة الصحفيين.. هذا الرجل كان أحد الأصوات التى لعبت دورها بإخلاص وتفانٍ فى الحفاظ على استقلال وحرية النقابة.. أتحدث عن الزميل الكاتب الصحفى يحيى قلاش.