اعتلت اللافتة سماء الشارع بلونها الأصفر الزاهى.. تقول كلماتها: «مشروع سد بلاعات الشارع بالجهود الذاتية.. حزب الحرية والعدالة».. كان واضحا أن الحملة جزء من نشاط اجتماعى يسبق انتخابات البرلمان، يضاف إلى أنشطة اجتماعية أصبحت عريقة من بينها «شنطة رمضان»، التى توزع على فقراء الأحياء والقرى، وتدريجيا يتحول المستفيدون من الشنطة إلى أصوات مؤيدة للجماعة فى الصناديق.. يخرج السؤال يشاكس السطح.. ولماذا يتبرع الناس لإنجاز أعمال لم تنجزها السلطة على الوجه الأكمل؟ ألم تخصم تكاليف البنية الأساسية من الموازنة العامة؟ الأجدى للسياسى أن يحشد ناخبى الدائرة لفضح المسؤولين عن المحليات.. فهم إما أهملوا فى وظائفهم، أو استخدموا خامات رديئة أو تجاهلوا الصيانة.. ومن ثم إجبار السلطة التنفيذية على الرضوخ لحقوق المواطن وخدماته، لا أن يعيد دفع مقابلها بنفسه، ثم تروج الأحزاب لنفسها باعتبارها حثت على الخير، بالكلمة الطيبة والدعوة إلى سد «ذرائع البلاعات»! تصرف يفوق ما كان يفعله الحزب الوطنى، فى عهد الوطنى تحولت مشروعات البنية التحتية من مرافق ورصف ومستشفيات إلى رشاوى انتخابية لممثليه فى الريف.. هذه المرة يدفع ثمنها المواطن بالجهد الذاتى.. بينما تظل الدولة غائبة. كلا الفريقين «الإخوان والوطنى» يتمنى دولة غائبة وضعيفة.. الأول يسخر قدراتها لصالح ممثليه، فيما يستثمر الثانى غيابها، ويحصل على أصوات لاعنيها، وحنينهم للشعور بالرضا الناتج عن التبرعات. بالعودة إلى تجربة أردوجان سنجد وعودا كبرى.. استثمر موارد الدولة لتحويل شوارع إسنطبول إلى ما يفوق شوارع اليابان.. قمامة تتحول إلى كهرباء.. إعادة بناء كل البنايات الهالكة وتحويلها إلى ناطحات.. حلول وتعويضات.. وفرص لمستثمرين.. تمناها دولة حاضرة وقوية فكانت.. لم يستثمر الضعف والفقر ليبقى وحيدا فى وطن خرب، يتسول أبناؤه من عائد مشروعاته. ربما المقارنة بين النهجين ظالمة.. فأردوجان سياسى فى وطن مستقر وصل إلى الحكم، بينما الإخوان ظهروا للعلن بعد فترات قمع وملاحقة.. هذا صحيح.. لكننا نتحدث عن النهج والفلسفة. هناك تقف الدولة على مسافة واحدة من كل الفرق.. وهنا ما زلنا أسرى لمنطق الفرقة الناجية التى يدخل مؤيدوها الجنة، هناك يقدم إسلاميوهم برامجا واضحة بالأرقام وأوراق البنكنوت، وهنا لا يزال الشعار الدينى مقدما على أعمال الدنيا.. لأن الأخيرة سريعة الحساب وقابلة للتقصى.. هناك تحدد الأهداف وتنجز ولا يوجد صبحى صالح! وهنا تعوم الأهداف وتضيع فى صخب الوعد بتكرار الخلافة.. ومغازلة يوتوبيا الشعور الدينى. سد البلاعات هو بصورة أو أخرى إعادة إنتاج لنهج نظام مبارك، ففيما كان نائب الوطنى يقدم تأشيرة وظيفة لناخبه، ويرصف الطرق ويقيم مكاتب البريد فى قريته بأموال الدولة، يسد نائب الإخوان المنتظر ما أهمله نظام الأخير من بلاعات فى قرى منافسيه.. بأموال الشعب الخير، الراغب فى أن يبقى الإسلام هو الحل. مشهد الدعوة إلى سد البلاعات فى المدينة الدلتاوية الصغيرة يتوازى مع مشهد آخر لداعية محسوب على الجماعة.. تضايق الرجل من اتهام شباب للقوى الدينية بالنفعية، وبأنها ركبت ثورة يناير، قرر أن يخرج سلاحه الحاسم وهددهم بالفضيحة، لأن متهميه تركوا الميدان وذهبوا وقت الثورة لركوب أجساد بغايا فى شقة بالعجوزة! فى حين كان الشباب الركع يحمى الثورة. مشهد يعيد إنتاج منطق أجهزة مبارك.. فالخلاف السياسى لا علاقة له بشقة العجوزة.. ومن يشرب الخمر أو يزنى يتحمل فعلته وحده، ولا علاقة لما فعله بالثورة، أو بتيار يمثله، ولم يقل أحد إن من نزل إلى الشارع للثورة ضد مبارك كانوا ملائكة.. بل كانوا شبابا ثائرا متدينا وحانقا وفاشلا وناجحا.. إنهم الشعب المصرى بكل طوائفه. نسب نجاح الثورات لتصور إيمانى نوع من الهزل.. لأن من يعتبرهم كفرة وملاحدة فى الغرب والشرق نجحوا فى إشعال ثورات أكثر حدة ونجاحا من ثورة يناير. الشيخ الثورى الذى نزل الميدان بعد انهيار الجهاز الأمنى يوم 29 يناير، لم يخبرنا كيف عرف بأخبار شقة العجوزة.. هل ترك الميدان ليسجل ما فعله الشباب على «سى دى»؟!.. أم أرسل عسسا ليتتبعوا الزناة؟ وهنا لا يعتبر الرجل شاهدا لأنه لم ير أحدهم يلج ويغيب كما يغيب المرود فى المكحلة والرشا فى البئر!! لم يضع الشيخ بنفسه خيطا ليتبين هل يستحقون حد الزنى أم لا!! هنا قد يتحول إلى قاذف يستحق الجلد ما لم يأت بالبينة!! الأهم من تفاصيل الخطيئة أن الرجل تقمص دور صفوت الشريف صاحب الاسم الحركى موافى.. مسؤول الكنترول فى جهاز استخبارات صلاح نصر.. كانت مهمة الشريف تسجيل أفلام للمشاهير للسيطرة عليهم وإجبارهم على العمل لصالح الجهاز.. تخلع النساء ملابسهن ويوثق الرجل اللحظات الحميمية.. يكررن الخلع مع معارضين فتتحول الوثيقة إلى أداة ضغط.. وينحنى الجميع للسلطة وأجهزتها. يجرب موافى التحرير الأسلوب القديم، وهو لم يقفز إلى السلطة بعد.. ربما قفز أسفل السرير فى العجوزة ليسجل ويستمتع.