كلنا تحت المراقبة.. هذه حقيقة، عين الآخرين قد تترصد لك وأنت تأكل مثلا، فتشعر بقدر من الانزعاج بسبب تلك النظرات، فلا تستطيع أن تبتلع اللقمة.. مهرجان الإسكندرية أراه هذه الدورة وقد وقفت اللقمة فى زوره! وزارة الثقافة من خلال المركز القومى للسينما الذى أصبح هو المهيمن على كل أنشطة الدولة السينمائية تتولى المراقبة.. فى البداية لم أصدق تلك الحكاية واعتبرتها مجرد تشنيعة وأن الخيال شطح بعيدا لنشاهد هذا المخبر التقليدى بجلبابه المخطط وشنبه الذى يترعرع على شفتيه ممسكا بجريدته المخرومة، وهو يتابع من خلال الثقب الذى أحدثه بها ما يجرى أمامه.. أكد لى خالد عبد الجليل، رئيس المركز القومى للسينما، أن الأمر ليس على هذا النحو، ولكنه مع أعضاء المركز الذين اختاروا المخرج مجدى أحمد على لمتابعة الفعاليات وأنه -أقصد مجدى- لم يتلق دعوة من المهرجان، ولكنه يقيم على نفقة المركز، والكل يعلم أنه يراقب المهرجان، فهو ليس مراقبا سريا كما أن هناك مع المراقب الفنى مراقبا ماليا ليحدد أوجه الإنفاق ليعرف على وجه الدقة كل التفاصيل التى كانت فى العادة تبدو فقط من صلاحيات منظمى المهرجان، حيث يتبدد الكثير من الميزانية فى ما لا طائل من ورائه ونشاهدها بعد نهاية المهرجان، فضائح على صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات! ارتبط مهرجان الإسكندرية طوال تاريخه، الذى بدأ عام 1978، بأنه مهرجان الفضائح والخواطر والكوسة وكان فى أحيان عديدة يبدو أن الهدف منه هو تصييف مجانى للعائلة.. وأتصور أن المراقب المالى سوف يحد كثيرا من ذلك، إلا أننى أتخيل أيضا إحساس القائمين على المهرجان بأنهم مراقبون فنيا وماليا بقدر ما يشعرنا باطمئنان على أن أبواب الفساد موصدة أو على أقل تقدير مواربة بقدر ما يجعل صناع المهرجان على الجانب الآخر مثل تلميذ بليد فى امتحان راسب فيه لا محالة، لأنه لم يذاكر ولن يسمح له المراقب بالغش من ورقة اللى جنبه! الانطباع المبدئى عن المهرجان هو أن البعض يعتقد عن يقين لا يقبل الشك أن مجرد إقامته فى ظل هذه الظروف الاقتصادية والأمنية بطولة ما بعدها بطولة، وأنا أرى أنه ينبغى أن نقيم مهرجانا عفيا وقويا أو لا نقيمه، وليست بطولة أن تصنع مهرجانا لتملأ خانة، ولكن أن تقدم مهرجانا يضيف شيئا للحياة الثقافية فى بلادنا، هذا هو المطلوب أما أن تعرض أفلاما ولا يشاهدها أحد أو تقيم ندوات يعوزها الإعداد الجيد فهذا لا يمكن أن يصنع حدثا ثقافيا! مثلا عدد الضيوف العرب والأجانب محدود جدا والأفلام المشاركة قليلة، ورغم ذلك فإن المخرج التونسى عبد اللطيف بن عمار يقاتل حتى كتابة هذه السطور من أجل أن يقيم الندوة لفيلمه المشارك فى المسابقة الرسمية «النخيل الجريح» بعد عرض الفيلم.. بينما إدارة المهرجان برمجت العرض لاحقا للندوة، فكيف يناقش الصحفيون والجمهور فيلما لم يشاهدوه؟ وكيف يتم برمجة فيلم بعد إقامة ندوته؟! لماذا لا يُقبل الجمهور السكندرى على المهرجان؟ ربما كان السؤال الأهم هل يشعر جمهور الإسكندرية بأن هناك بالفعل مهرجانا؟ إجابتى هى أن الناس لم تدرك أصلا أن بالإسكندرية مهرجانا، فهو بالنسبة لهم حدث لم يحدث! من المؤكد أن ندوة السينما والثورة والعلاقة بينهما كانت تستحق أن تحظى باهتمام ومتابعة ودراسة عميقة تتناسب مع قيمة الفكرة، خصوصا أن «بوستر» المهرجان رغم رداءته الفنية فإنه كان يجمع بين السينما والثورة. لماذا لم تتم إقامة ندوة علمية تتناسب مع ثورات الربيع العربى ولم يعرض فى الافتتاح فيلم أو أكثر عن ثورة 25 يناير.. صحيح أن منتجى فيلمى «الطيب والشرس والسياسى» الذى عرض فى فينسيا و«18يوما» الذى عرض فى مهرجان «كان» رفضا العرض بالإسكندرية لارتباطهما بمهرجان أبو ظبى الذى يفتتح بعد بضعة أيام، إلا أن الدنيا لم تتوقف عند هذين الفيلمين، بل إن المهرجان كان ينبغى أن يتحول إلى قوة جاذبة لعرض أفلام أخرى تناولت ثورة يناير ليحسب للمهرجان اكتشافها. المهرجان حتى كتابة هذه السطور مجرد تجميع لعدد من الأصدقاء والوجوه التى نسعد بأن نراها ولكن ينقصه شىء واحد، وهو أن يشعرك بأنه مهرجان!