استيقظت مندهشا على رنين الموبايل الذى كانت شاشته خالية من أى أسماء أو أرقام أو كلمات.. منورة بس.. فركت عينى قبل أن أدوس على زرار الرد بتوجس وشك وريبة.. «ألو».. جاءنى صوته مميزا.. «ألو.. إزيك يا خالد».. «مين»؟.. «دانا أكتر حاجة مميزة فيا صوتى.. إزاى مش عارفنى».. تنحت واعتدلت فى جلستى.. «مش معقول».. «يااااه.. مش معقول.. آخر جملة مفيدة قلتها فى حياتى.. روح يا شيخ.. قلبت عليا المواجع.. ياللا.. المهم.. عايزك تعدى عليه حالا».. اعتدلت فى جلستى أكثر حتى أستوعب ما يحدث.. «أعدى على حضرتك فين وإزاى؟! ثم إنه مش حضرتك أساسا اغتالوك من 25 سنة».. «بلاش رغى.. مستنيك»! كان الجو ضبابيا.. والهواء ثقيلا.. والتنفس صعبا.. وكنت أرى بصعوبة.. كنت واقفا فى مدخل حجرة مكتب ضخمة وفخمة.. أخذت أتقدم للأمام ببطء.. حتى أبصرت على مرمى البصر فى عمق الغرفة مكتبا بنيا فخما.. أطره محلاة بالزخارف الذهبية الأنيقة.. وكان يجلس خلف المكتب.. يبدو على وجهه الشحوب والهدوء والسكينة.. مستندا بذقنه على يديه.. ومستندا بيديه على عصاه الأبنوس المميزة.. تقدمت أكثر حتى أصبحت فى مواجهته تماما.. الرئيس الراحل «السادات»! أشار لى بيده علامة الجلوس على الكرسى المقابل لمكتبه.. جلست.. ونظرت أمامى.. لأفاجأ بأن الجالسة على الكرسى المقابل لى – مش حتصدقوا – الفنانة القديرة «أمينة رزق».. ترتدى فستان أسود.. وعلى رأسها طرحة سوداء.. تنظر لى نظرتها المعهودة بمزيج من الحزن والعتاب والحسرة! قبل أن أفيق من كل هذه المفاجآت.. كان «السادات» قد بدأ حديثه معى.. «عاجبك اللى بيحصل فى البلد اليومين دول»؟!.. فأجبته.. «ما هو فيه حاجات كتير حضرتك بتحصل.. قصد حضرتك على إيه بالظبط».. أجابنى بعصبية.. «قصدى على الشعب.. ماكانتش عاجباهم أيامى.. مع إنى جبتلهم سينا.. وهزمتلهم إسرائيل.. وعملتلهم انفتاح اقتصادى.. دا غير إنه على أيامى البلد كان فيها أنضف وأرخص حشيش.. وفى الآخر عملوا إيه.. إغتالونى.. ودلوقت مش عاجباهم أيام حسنى.. وبكره مش حيعجبهم اللى حييجى بعده.. دى طبيعة الشعب.. مايعجبوش العجب.. ولا الصيام فى رجب».. «بس يعنى حضرتك..».. «إنت لسه حتبسبسلى.. تعال يا فالح.. أقعد ع الكرسى.. وورينى حتعمل إيه».. تنحت لمجرد تخيل الفكرة.. آل إيه.. أنا باحكم مصر.. وبينما أنا غارق فى تأملاتى الرئاسية.. هب الرئيس «السادات» واقفا.. وبدأ يتحرك تجاه الباب وتبعته «أمينة رزق» التى لم أسمع صوتها طوال القعدة.. وتبعتهم أنا أيضا.. وعند الباب توقفا.. ونظر السادات لى مشيرا بيده إلى كرسى مكتبه.. «روح.. أقعد».. فتح بعدها الباب لتظهر السماء فى الخارج.. وتندفع رياح شديدة داخل الغرفة زى أفلام الخيال العلمى.. ويخرج السادات إلى السحاب.. تتبعه أمينة رزق وهى تودعنى بابتسامة حزينة قبل أن تغلق الباب وراءها وتتركنى لصمتى ووحدتى.. بدأت أتحرك تجاه المكتب.. جلست على كرسيه الفخم.. أسندت ظهرى.. أغمضت عينى محاولا تخيل الواحد بيكون إحساسه إيه وهو رئيس جمهورية.. وفجأة انطلق رنين المنبه المزعج.. خبطته بيدى.. صمت.. فتحت عينى.. وجدت نفسى فى غرفتى.. على سريرى.. نظرت حولى.. كل شىء كما هو.. «جنيفر لوبيز» تبتسم لى بإثارة من على الحائط.. «جيفارا» يدخن سيجاره الضخم وينظر إلى المطلق.. «بوب مارلى» مغمضا أعينه ويغنى باندماج وحزن! شفتوا بقى.. آدى أخرة الديمقراطية وهوجة انتخابات الرئاسة والأجواء السياسية اللى البلد عايشاها اليومين دول.. حتى الأحلام بقت هرتلة.. ولكن يبقى فى النهاية تساؤل أخير.. «أمينة رزق كانت بتعمل إيه فى الحلم»؟! منذ 6 سنوات بالظبط حلمت هذا الحلم.. ولما تكرر أكثر من مره قررت أن أكتبه عله يحمل رساله قد تكون غير مفهومه وقت كتابته ونشره (اللى هو من 6 سنين) وقد يحين وقت فهمها فيما بعد (اللى هو اليومين دول).. وهذا ما قد حدث بالفعل.. الآن والآن فقط إتضحت الأمور وفهمت الحلم.. وعرفت إجابة السؤال الأخير الذى أنهيت به المقاله وقتها.. «أمينه رزق كانت بتعمل إيه فى الحلم؟!».. الآن فقط فهمت سر نظرتها لى فى الحلم بحزن وحسره وعتاب بعد عرض السادات لى بأن أجلس على كرسيه.. الآن فقط فهمت سر إنتهاء الحلم دائما عند تلك اللحظه الحاسمه التى أتجه فيها للكرسى ويا دوبك أجلس عليه من هنا فأستيقظ من هنا.. الآن فقط بات واضحا تماما ومنطقيا جدا أن تكون ملكة الأحزان والمآسى والبكاء فى مصر العظيمه أمينه رزق متواجده فى الحلم بملابسها السوداء أثناء عرض السادات لى بأن أجلس على كرسيه.. الآن فقط فهمت سر نظرتها لى بحزن وعتاب وحسره.. الآن فقط فهمت سر الابتسامة الحزينة التى ودعتنى بها على باب السماء قبل أن تغادر المكان بصحبة السادات.. ويتركاننى وحدى للخدعه الكبيره.. خدعة الحلم!