ثمة واجب وطني على كل مصري ومصرية، وهو واجب له الأولوية الأولى في هذه اللحظة التاريخية، واجب المشاركة فيما يجري الآن على أرض المحروسة، ففي هذه الموجة الجديدة من ثورة يناير النبيلة مطلوب منا جميعا أن نشارك بفاعلية، وبغض النظر عن مواقفنا السياسية، واتجاهاتنا الفكرية، ومواقعنا الاجتماعية. ولننظر إلى الغالبية العظمى من المصريين بعد الثورة، سنجدهم غير راضين عما تحقق -أو على الأصح لم يتحقق- بعد رحيل الطاغية، إذن فلينزل الجميع إلى ميادين مصر وشوارعها، المؤيدون للثورة، والمعارضون لها أيضا، فليخرج الكل إلى حيث الناس يعتصمون، ويتناقشون معا بصراحة فيما جرى في الشهور الماضية، وفيما يجب أن يحدث لإنقاذ الوطن، فهذه مسؤوليتنا جميعا، ونحن أصحاب البلد، وأصحاب الكلمة العليا فيه. ولنتأمل هذه الروح الثورية المصرية المتجذرة بمنتهى القوة والروعة والجمال، في بعض النفوس البشرية المحلقة بنا عاليا نحو السماء، في حين ثمة نفوس أخرى ملتصقة جدا بالأرض، لا تحلق أبدا، ولا تشارك فيما يجري، بأكثر من متابعة الأحداث -أحيانا- في التليفزيون! وهؤلاء أطلق عليهم الشباب تعبير«حزب الكنبة»! وهناك مجموعة ثالثة، غالبيتها العظمى لا تشارك في الأحداث، ولكنها تهاجم الثورة بمنتهى القسوة، وتهاجم الثوار بمنتهى العنف، وهذه الفئة شاهدناها كثيرا على شاشات التليفزيون الحكومي والخاص أيضا، بعضهم أذناب للنظام الساقط، وبعضهم منتفعون من تفشي الفساد، وبعضهم إمعات، سذج وجهلاء، لا يعلمون حقيقة ما يجري في بلادهم منذ عقود، إذ كثيرا ما يرددون ببغائية «والله ما حد فاهم حاجة»! ومن المفارقات المدهشة التي أراها كثيرا منذ بداية ثورتنا العظيمة، هؤلاء المصريون البسطاء، غير المتعلمين، والمعتصمون في ميدان التحرير، يدركون بوضوح حقيقة الوضع، وعلى وعي عميق باللحظة التاريخية، ومستعدون للتضحية بأنفسهم في سبيل حرية الوطن وكرامته، إذ يهتفون بمنتهى الإخلاص والتحضر «حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية»، في حين إنني أشاهد شبابا جميلا ومتعلما ووطنيا، ولكن أغلبهم -مع الأسف الشديد- لا يفهمون حقيقة مراحل ثورتنا العظيمة! فبعضهم كان ضد الثورة في بدايتها، وبعضهم ما زال ضد الثورة حتى الآن !! فرجل -أو سيدة- غير متعلم، يترك بيته وأهله وعمله، ويعتصم في ميدان التحرير من أجل الحرية والعدالة والكرامة، بينما بعض شبابنا الذين علمناهم في الجامعات -أو على الأصح لم نعلمهم- يقول لي إنه لا يفهم حقيقة ما يحدث في البلد، وأن الإعلام يقول له أشياء مختلفة تماما، وغير ما أقوله! هذه المفارقات تدعونا إلى الانتباه إلى ما يمكن أن نطلق عليه تعبير «البصيرة السياسية»، فالثوار أصحاب بصيرة كاشفة، وإرادة صلبة، ومن ثم فواجبنا جميعا أن ننضم فورا إلى «الورد اللي فتح فى جناين مصر».