في أعظم أيام حياتي وحياة الوطن، في أيام الثورة، كنت التقي الدكتور محمد أبو الغار في ميدان التحرير، وكثيرا ما كنت أجده جالسا على الرصيف بجوار د.عبد الجليل مصطفى، وم.يحيى حسين، وغيرهما من الكبار، فكان وجودهم مع الشباب يدفع في النفس الثقة والاطمئنان على مصير ثورتنا النبيلة. وقد تابعت إنجازات د.أبو الغار العلمية، ومواقفه السياسية من سنوات طويلة، فهو من القلة النادرة من أساتذة الجامعة الذين واصلوا بحوثهم العلمية، ووصلوا في تخصصهم إلى المستوى العالمي، وفي الوقت نفسه لم ينعزل عن الحياة العامة وشؤون الوطن، فأسس حركة «9 مارس لاستقلال الجامعات». وأسهم بكتابته في كشف الفساد، والدفاع عن مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان. ومن ثم كان أول كتاب أتمكن من قراءته بعد الثورة، التي أخذتنا من أنفسنا هو كتابه «على هامش الرحلة»، فجذبتني صفحات الكتاب، وقادتني بسلاسة إلى مختلف جوانب حياة المؤلف الثرية، متشابكة مع مراحل شتى من حياة الوطن. إذ يرصد المؤلف حركة التطور داخل المجتمع المصري بداية من جيل جده وجدته، ثم جيل أبيه وأمه، ثم إخوته وأخواته. ومفارقات زواجه في عز النكسة، إلى أن يصل إلى جيل ابنتيه. ونظرا لتنوع خبرات الكاتب فهو يشير في كتابه إلى مختلف الثقافات والآداب والفنون من أدب ومسرح وموسيقى وفن تشكيلي إلى أنشطة رياضية وفنية واجتماعية وفكرية، مع اهتمام خاص بحياتنا السياسية عبر مراحل ناصر والسادات ومبارك. وأعترف أنني لم أختلف كثيرا مع رؤية المؤلف للرؤساء الثلاثة، فقد تعرض لإيجابياتهم وسلبياتهم بطريقة متوازنة، وعلى قدر كبير من الموضوعية، وقد أشار كاتبنا إلى عدد كبير من المفكرين والكتاب الذين تعلم منهم، وتأثر بأفكارهم، ولكني أرى أن سلامة موسى هو صاحب التأثير الأكبر في فكر أبو الغار ورؤيته. وتحدث المؤلف عن رحلاته المتعددة إلى كثير من بلاد العالم، وزياراته للهند مرات عدة، إذ يقول: «انشغلت لفترة بالفلسفة الهندية، التي هي قريبة من فلسفة غلاة الصوفيين الإسلاميين، وبعد زياراتي الأولى في السبعينيات توقفت عن أكل اللحوم والطيور اقتناعا بأفكار هذه الفلسفة»، وأذكر أنني التقيت د.أبو الغار لأول مرة في السبعينيات في أثناء حضورنا معا لجلسة مع أحد المعلمين الروحانيين الهنود! ولكني لم أر في الكتاب أي شرح لهذه الفلسفة الصوفية، ولا حتى إشارة للبعد الروحي في حياة المؤلف! وقد سبق للدكتور أن أصدر كتابا عن «استقلال الجامعات» وآخر عن «يهود مصر» إلا أنني أنتظر منه كتابا عن الثورة التي مهد لها بكتاباته الثورية، وشارك فيها بجهده وفكره، وعمل من أجلها في «الجمعية الوطنية للتغيير»، ثم قيامه أخيرا بتأسيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ورعايته لمؤسسة «مصابي الثورة»، كل هذه النشاطات الوطنية، نشكره عليها مع رجاء أن يضيف لها كتابا جديدا عن ثورة يناير. فكل من شارك في هذه الثورة عليه أن يقدم شهادته للتاريخ.