هل نحن ضد الجيش؟ السؤال صعب وطريقته فى الصياغة مستفزة، وأكثر من ذلك هو أحد الأسئلة الخاطئة التى تُقال لكى نحصل بها على إجابات مضللة. الجيش ليس موضوعنا، ولا هو طرف فى الخلاف بين المجلس العسكرى والقوى السياسية الثورية. الجيش ليس طرفا لأن هذا هو المفروض فى الدول الديمقراطية، ولأنه محل اعتزاز وتقدير باعتباره مؤسسة من مؤسسات الدولة الحديثة فى مصر. مؤسسة من مؤسسات الدولة الحديثة، أكررها لأقف أمام المعنى الكبير بأن الجيش المصرى ومنذ نشأته أيام محمد على هو جيش المصريين لا جيش الحاكم ولا جيش طائفة (مثل سوريا) ولا مرتزقة (مثل ليبيا). الجيش هو تقريبا المؤسسة الحديثة الأكثر استقرارا فى الدولة المصرية، ويضم مجندين مصريين لهم عائلات ومصالح اجتماعية مع شرائح المجتمع المصرى، ليسوا طبقة منفصلة، ولا تشكيلة سياسية. الجيش إذن ليس طرفا فى الحوار حول مستقبل مصر، والسؤال حول الموقف من الجيش لا يهدف إلا إلى تفريغ الحوار من معناه أو وضعه فى طريق مسدود. المجلس العسكرى قيادة الجيش، اختاره الثوار بعد إجبار مبارك على مغادرة مقعد الرئاسة. إجبار.. أكررها، لا رغبة شخصية فى التنحى، أو نقلا للسلطة. لم يغادر مبارك الكرسى لأنه أراد مصلحة مصر، ولكن لأن تصميم القوى الثورية أكبر من قدرة نظامه المفكك على التحمل. القوى الثورية راهنت بحياتها لصالح المستقبل. دفع الثمن مباشرة شهداء ومصابون، وكان كل من فى ميدان التحرير لا يعرف هل سيعود إلى بيته أم سيُعلَّق على المشانق. فاتورة دفعها الثوار، ومن أجلها تستحق مصر مستقبلا أفضل من فتات الموائد الذى يقدم الآن وبشكل فيه استهانة كبيرة بالمعنى الكبير لثورة شعبية دافع فيها ملايين المصريين عن حقهم فى دولة محترمة، ونجحوا بأيديهم العارية وبسلميتهم فى انتزاع الحق. هناك التفاف الآن على هذا الحق.. ومحاولة لتجاهل الثورة، وهذا سر الغضب من أحزاب المهرولين إلى عنان. بعضهم ذهب بحسن النية المفترض فى أصحاب التجارب الأولى فى السياسة. وبعضهم ذهب وفى نيته إخضاع الثورة لرؤيته المحافِظة أو لحساباته الباحثة عن الغنائم أو لتصوراته أن هذه هى اللحظة المناسبة لخطف الدولة. المجلس يعرف ما يريد، والأحزاب التقليدية بعقلها القديم تعرف ما تريد. الارتباك الأساسى فى موقف القوى الثورية، التى حركت المياه الراكدة وأخرجت مصر من مستنقع الرمال المتحركة الذى دفعها إليه نظام مبارك. كنا فى نفس هذه اللحظة من العام الماضى ننتظر إلهام مبارك وطبخة نظامه فى مستقبل مصر، ننتظر ماذا ستسفر عنه وصفات الغرف المغلقة، ننتظر ونحاول التفسير هل سيأتى جمال مبارك أم عمر سليمان أم سيستمر مبارك السادس... كانت السياسة تُصنع كأنها طبخة أقدار تنزل إلينا من الباب العالى. الثورة أنهت هذا الوضع، لكن القوى الثورية لم تعرف بعد فخاخ وألاعيب السياسة القديمة. العيب فى اجتماع الهرولة إلى عنان، يتعلق بالقبول بالفتات فى حين دفعت الثورة فاتورتها الكبيرة. كيف يكون الهدف من اجتماع طويل عريض التوقيع على بيان تأييد للمجلس العسكرى، وليس تأييدا عاديا، بل تأييد كامل، أى مبايعة، ومتى؟ بعد ساعات قليلة من هتافات جمعة الاسترداد «يسقط حكم العسكر»! هل تريدون إلغاء صوت الثورة لأن سكرتارية المجلس العسكرى يعرفون أرقام تليفوناتكم؟ الثورة ترفض حكم العسكر، لا ترفض الجيش، وهذا للعلم، إذا كنتم تذهبون إلى اجتماعات لا تعرفون رأسها من أغراضها، وتسقطون فيها فى فخاخ الأسئلة الخاطئة. الموضوع الآن ليس محبتنا للجيش، ولكن فى عدم السماح لقطّاع الطرق بمنعنا من الوصول إلى جمهورية ديمقراطية جديدة... مَن يقطع الطريق على الثورة؟ مَن يريد أن تكون الانتخابات هى كلمة النهاية للثورة؟ هذا هو السؤال.