عندما افتتح التلفاز بثه فى 21 يوليو 1960، حدث تطور نوعى فى الحياة الاجتماعية للفئات الوسطى التى استطاعت شراء جهاز التليفزيون، وزاد ارتباط أبناء الأسر بالجهاز وما يبثه من نشرات الأخبار الرسمية، والأفلام والمسلسلات الأجنبية، والتى كان يتم اختيارها، وفق معايير رقابية وأيديولوجية، على الرغم من أن غالبها من الإنتاج الأمريكى، ومعها الأفلام السينمائية المصرية، ثم المسلسلات التلفازية. كان طقس المشاهدة اليومى للتلفاز جزءاً من طقوس الحياة اليومية، وسرعان ما ساعد التلفاز على إحداث بعض من التغير فى الوعى الاجتماعى، إلا أنه ساعد على توزيع السلع الإعلامية والثقافية والأيديولوجية للنظام، وعلى الرغم من القيود السياسية المفروضة على البرامج ونشرات الأخبار والمسلسلات، فإن دخول التليفزيون إلى حياة المصريين أسهم فى تطور قدرات الجماعة الفنية المصرية، من خلال فتح دائرة جديدة، وهى الدراما التليفزيونية، وأشكالها كالمسلسلات، أو التمثيلية التلفازية الواحدة، فضلا عن مسرح التليفزيون. محاولة تنشيط الذاكرة البصرية لمن شهدوا هذه البدايات وتطورها ربما يستطيعوا أن يقارنوا بين حالة ومستويات هذه الأشكال، وبين الأوضاع الراهنة للمسلسلات التلفازية، من حيث الإبداع والجودة الفنية. عندما افتتح التلفاز بثه فى 21 يوليو 1960، حدث تطور نوعى فى الحياة الاجتماعية للفئات الوسطى التى استطاعت شراء جهاز التليفزيون، وزاد ارتباط أبناء الأسر بالجهاز وما يبثه من نشرات الأخبار الرسمية، والأفلام والمسلسلات الأجنبية، والتى كان يتم اختيارها، وفق معايير رقابية وأيديولوجية، على الرغم من أن غالبها من الإنتاج الأمريكى، ومعها الأفلام السينمائية المصرية، ثم المسلسلات التلفازية. كان طقس المشاهدة اليومى للتلفاز جزءاً من طقوس الحياة اليومية، وسرعان ما ساعد التلفاز على إحداث بعض من التغير فى الوعى الاجتماعى، إلا أنه ساعد على توزيع السلع الإعلامية والثقافية والأيديولوجية للنظام، وعلى الرغم من القيود السياسية المفروضة على البرامج ونشرات الأخبار والمسلسلات، فإن دخول التليفزيون إلى حياة المصريين أسهم فى تطور قدرات الجماعة الفنية المصرية، من خلال فتح دائرة جديدة، وهى الدراما التليفزيونية، وأشكالها كالمسلسلات، أو التمثيلية التلفازية الواحدة، فضلا عن مسرح التليفزيون. محاولة تنشيط الذاكرة البصرية لمن شهدوا هذه البدايات وتطورها ربما يستطيعوا أن يقارنوا بين حالة ومستويات هذه الأشكال، وبين الأوضاع الراهنة للمسلسلات التلفازية، من حيث الإبداع والجودة الفنية. البدايات كانت تنطوى على معنى التمرينات والمحاولات والتجريب، وعدم القدرة على التمييز الواضح بين التأليف والتمثيل والتصوير والإخراج التلفازى، وبين التأليف والعمل فى إطار المسرح، والتمايز بين زمن المسرح وفضائه، وبين اللغة التلفازية التى تعتمد على زمن أسرع وحركية فى الصور والمشاهد والحيز. كانت البدايات البدايات كانت تنطوى على معنى التمرينات والمحاولات والتجريب، وعدم القدرة على التمييز الواضح بين التأليف والتمثيل والتصوير والإخراج التلفازى، وبين التأليف والعمل فى إطار المسرح، والتمايز بين زمن المسرح وفضائه، وبين اللغة التلفازية التى تعتمد على زمن أسرع وحركية فى الصور والمشاهد والحيز. كانت البدايات ومعها التمرينات ومحاولات فهم اللغة البصرية والمشهدية الجديدة التى تختلف عن المسرح وحيزه وأداءاته التمثيلية والإخراجية. ثمة خلط بين عالمى المسرح والتلفاز ساد ولا يزال بعد أكثر من خمسة عقود، لكن ما يميز التمثيلية التلفازية، والمسلسل، يتمثل فى ارتفاع مستويات الكتابة للتلفاز الفعل التمثيلى، وجدية الإخراج بقطع النظر عن أن الأصول الأساسية لهذه الأعمال هى قصص أو روايات لكبار الروائيين والقصاصين المصريين، ويتم تحويلها إلى سيناريوهات وحوارات تلفازية، وساعد على وهج وحضور بعض هذه النصوص، يتمثل فى قيمتها وارتباطها بالواقع الاجتماعى المصرى فى المدينة، أو القرية، والمستويات الاجتماعية المتعددة التى تتناولها هذه الأعمال التلفازية. ظلت الأعمال الروائية والقصصية هى الأساس، إلى حين ظهور بعض الكتاب الذين أعدوا أعمالهم خصيصا للتليفزيون، وهو ما شكل نقلة فى التمييز بين لغة السرد الروائى والقصصى ولغة الدراما التلفازية، على الرغم من التداخل الذى برز ولا يزال بين لغة كل من العالمين السرديين، القرائى والبصرى. ساعدت النصوص السردية التى تم تحويلها إلى سرديات تلفازية فى جذب اهتمامات، وعيون، وأوقات فئات اجتماعية عديدة على رأسها الفئات الوسطى، وخاصة أن موضوع هذه السرديات، وحكاياتها تمس هذه الفئات والشرائح الاجتماعية فى المدن، أساساً، وفى الأرياف، وبرزت من خلالها عمليات التغير والتحول الاجتماعى التى شهدتها مصر آنذاك، وبرزت من خلال بعض المسلسلات الأوضاع الاجتماعية للفئات الوسطى فى حلقات مستقلة، كل واحدة منها تحملُ حالة ما داخل الأسرة، أو فى الجامعة أو العمل عام 1972 وقبل حرب أكتوبر، وتشكل حلقات القاهرة والناس واحدة من أهم أعمال الدراما التلفازية بالأبيض والأسود، وبعض المسلسلات الأخرى المأخوذة عن بعض الأعمال الأدبية لعبد المنعم الصاوى – الضحية والرحيل، إلخ.. والتى تناولت بنيان القوة والعلاقات الاجتماعية بين الفئات المختلفة فى الريف.. إلخ، فى ظل بعض من المبالغات الميلودرامية، إلا أن هذه الأعمال وغيرها ظلت جزءاً من تاريخ الدراما التلفازية، وأحدث أسامة أنور عكاشة نقلة نوعية فى الكتابة السردية التلفازية فى أعماله المختلفة مثل على أبواب المدينة، والمشربية، والحب وأشياء أخرى، وأدرك شهريار الصباح، وأنا وأنت وبابا فى المشمش، والراية البيضاء، وقال البحر، ولما التعلب فات، ورحلة أبو العلا البشرى 90، وما زال النيل يجرى، وضمير أبلة حكمت، والشهد والدموع، جزءين، وليالى الحلمية فى خمسة أجزاء، وأرابيسك، وزيزينيا فى جزءين، وامرأة من زمن الحب، وأميرة فى عابدين وكناريا وشركاه، وعفاريت السيالة، وأحلام فى البوابة، والمصراوية فى جزءين، والقاهرة 2000، والنوة. شكلت هذه الأعمال نقلة فى الكتابة التلفازية الدرامية، وتناولت التحولات الاجتماعية فى بنية المجتمع المصرى، وذلك على الرغم من التوجهات السياسية الناصرية لكاتب هذه الأعمال، إلا أنها استطاعت أن تلمس عمق التغيرات فى البنيان الاجتماعى، والقيمى والأخلاقى، لا سيما فى المدنية المصرية، ومن ثم ظلت هذه الأعمال جزءاً هاما من التاريخ البصرى والتلفازى المصرى والعربى، وأسهمت فى دعم وتنشيط المكانة والدور المصرى البارز فى مجال الدراما التلفازية فى العالم العربى. هذا الدور البارز ظل مستمراً من خلال بعض الأعمال النوعية التى قدمتها الدراما التفازية المصرية، وذلك على الرغم من استيعاب ممولى ثقافة النفط عديدين إلى المسلسلات التلفازية التافهة التى انصاعت إلى القيود والمحرمات الدينية والأخلاقية والعرفية والسياسية للممولين النفطيين، الذين حاولوا السيطرة على سوق الدراما التلفازية، وسعيهم إلى تحجيم الدور المصرى البارز فى هذا المجال، وفى إنتاج أفلام سينمائية أقرب إلى سينما المقاولات التافهة التى انتشرت وأثرت سلباً على صورة ومكانة مصر الثقافية فى الإقليم منذ نهاية عقد السبعينيات وما بعد.. إلخ. إن النظرة الآن إلى موروث الدراما التلفازية المصرية، تشير إلى عديد من مثالبها على عديد المحاور، على الرغم من بعض أعمالها المتميزة، والتى تشكل جزءاً هاماً من ذاكرتنا البصرية والمشهدية، إلا أن تدهور مستويات الأعمال الدرامية المتلفزة فى السنوات الأخيرة، تشير إلى بعض من السطحية والتفاهة فى سردياتها، وأداءاتها على نحو لا يقارن بتاريخ تطور هذا النمط من الأعمال الدرامية المتلفزة. من هنا تزايدت حدة النقد الموجه لهذه الأعمال التى تتسم بالبطء الشديد، فى الأداء التمثيلى، والإخراجى، وفى ركاكة السردية التمثيلية التلفازية، ونمطية الحكايات التى تتناولها هذه الأعمال وفضاءاتها، وعدم التجديد فى الخيال الدرامى أو فى اللغة أو الأداء. على سبيل المثال لجوء بعض الكتاب والمخرجين إلى التركيز فى بعض السرديات التلفازية على حكايات واهتمامات الطبقة الجديدة لرجال الأعمال وأسرهم وعائلاتهم وعلاقاتهم القرابية، واهتماماتهم الاستهلاكية الوحشية والمترفة وأذواقهم، وخياناتهم وشرورهم، وذلك على نحو قد يخالف فى عديد من الأحيان عوالم هذه "الطبقة الاجتماعية المترفة"، وتعتمد بعض هذه السرديات فيما يبدو على بعض حكايات النميمة حول بعض أصول بعضهم المتواضعة وصعودهم الاجتماعى منذ عقود الانفتاح الاقتصادى والخصخصة، ومن خلال شبكات وآليات الفساد. هذا النمط من النميمة حول رجال الأعمال والنساء وأشكال البلطجة وعالم الحراس الخصوصيين body guards والعنف خارج القانون يتم فى سطحية، دونما عمق فى تحليل هذه الأنماط والعلاقات فى بناء القوة المرتبط برجال الأعمال. هذا النوع من السرديات المتكررة، أدى إلى تنميط صور عالم رجال الأعمال، وتسطيح الوعى الاجتماعى بهذا العالم وعلاقاته وشبكاته. بعض سرديات التفاهة التلفازية لا تزال تدور فى قرى الصعيد، وعالم العائلات التقليدية وصراعاتها المستمرة، فى ظل أداءات نمطية لأبناء الصعيد، وكأن التحولات الاجتماعية للريف لم تحدث، من الهجرة إلى النفط وإلى المدن، والتعليم والثورة الرقمية لم تؤد إلى تحولات فى بنية القوة والنظام القيمى فى القرى الصعيدية. امتدت النمطية إلى حكايات التفاهة عن انفجارات المناطق العشوائية حول المدن وعوالمها، وتحولها إلى بؤر إجرامية، وفساد وفحش وابتذال وعنف فى اللغة، وأنماط من البلطجة، وتحول البلطجى وعصبته الإجرامية إلى بطل، يخفى بعضا من القيم والسلوك الخير فيما وراء لغة العنف والدم والسنج والجنازير والمسدسات والرشاشات، والقتل والحرائق.. إلخ. مادة درامية هامة فى ذاتها، ولكنها تحتاج إلى تحويلها إلى سرد بصرى خلاق، إلا أن المعالجات التلفازية يبدو غالبها بالغ السطحية، ويجعل من البلطجة ونهب المال العام، والخروج على القانون هى أنماط الحياة السائدة فى هذه المناطق الهامشية، ويا ليت ذلك يتم وفق لغة فنية إبداعية، وخيال درامى خلاق ومتميز، وأداءات تمثيلية وإخراجية متميزة، لكن وا أسفاه يتم من خلال لغة مبتذلة وخشبية محدودة الأفق وفقيرة جماليا وتصويريا وتمثيلياً. هذا الفقر فى الخيال والسرديات والأداءات، يبدو واضحا عاما بعد الآخر، فى ظل تراجع الدراما التلفازية المصرية، التى تواجه تحدى الدراما التلفازية السورية، والدعم المتنامى للدراما الخليجية، وذلك لتحجيم الدراما المصرية ومسلسلاتها. ثمة محاولات لوضع أسقف لإنتاج الدراما المصرية من حيث فرض القيود على السرديات واللغة والموضوعات، وعدد المسلسلات كما يبدو فى هذا الموسم، وهو ما يشير إلى محاولة لوضع حدود للخيال السردى والتمثيلى والإخراجى، الذى أدى إلى تراجع مستويات غالب الأعمال الدرامية التلفازية التى قدمت هذا العام من حيث النوعية والكم، على نحو يكرس ويدعم محاولات بعضهم فى ثقافة النفط فى وضع حدود على دور مصر ومكانتها الفنية فى الإقليم.