لسان العندليب عبد الحليم حافظ، وغيرته الفنية، دفعاه في عدة مواقف للتخلي عن ذكائه الفني المعتاد عنه الذي كان سببًا في وصوله إلى قمة مجده في القرن الماضي كان العندليب عبد الحليم حافظ، المولود في 21 يونيو 1929، يمتلك صوتًا حنونًا يبوح بإحساس صادق وبأداء سلس، كان قادرًا على الحضور بقوة والاستحواذ على إعجاب الناس واهتمامهم به من قرن إلى آخر، وكل هذا ليس من فراغ، ولكن لامتلاكه قبل كل شيء عقلًا ذكيًا عرف من أين تؤكل الكتف، بالإضافة لذكائه الاجتماعي ومهاراته المدهشة في الترويج لنفسه وفنه، إلا أن ذكاءه هذا خانه في عدة مواقف بارزة، لا يزال لها صداها، تارة في خلافاته مع نجوم عصره، وتارة أخرى في سلوكيات يُقدم عليها فتضره. الجمهور الفنان الراحل عبد الحليم حافظ عُرف بقوة شخصيته، حيث كان يتمتع بحضور قوي، وقد ظهر ذلك في مواقف عديدة، أبرزها حين قام بالرد على الجمهور بعد أن أصدروا هتافات استهجان أزعجته وهو يغني رائعته "قارئة الفنجان"، فحين بدأ بعض الجماهير الموجودة استخدام صافرات بلاستيكية للتعبير عن غضبهم من عدم وضوح صوته الجمهور الفنان الراحل عبد الحليم حافظ عُرف بقوة شخصيته، حيث كان يتمتع بحضور قوي، وقد ظهر ذلك في مواقف عديدة، أبرزها حين قام بالرد على الجمهور بعد أن أصدروا هتافات استهجان أزعجته وهو يغني رائعته "قارئة الفنجان"، فحين بدأ بعض الجماهير الموجودة استخدام صافرات بلاستيكية للتعبير عن غضبهم من عدم وضوح صوته وهو يغني، طلب منهم العندليب الكف عما يفعلونه، انتظارًا لأن يتم إصلاح الصوت، ولكن الجمهور لم يستجب لذلك، فما كان من العندليب إلا أن قال لهم: "على فكرة أنا باعرف أصفر، وباعرف أتكلم وباعرف أزعق"، ثم قام بإطلاق صافرات باستخدام يده. أم كلثوم في مساء 23 يوليو 1964 بدأ حفل يحييه أشهر نجوم الوطن العربي وتنقله موجات الإذاعة، بغناء السيدة أم كلثوم التي أجادت كالعادة، لكنها أطالت وتأخرت عن موعدها، ما أثار غضب العندليب الذي كان من المقرر أن يغني بعدها، وفور صعوده على المسرح وقبل أن يبدأ وصلته الغنائية قال هذه الكلمات: "طبعًا منتهى الجرأة إن واحد يغني بعد أم كلثوم أو يختم حفلة غنّت فيها، خصوصًا بعد ما غنت اللحن العظيم (إنت عمري)، أنا ماعرفش الأستاذ عبد الوهاب والست أم كلثوم أصروا إن أنا أختم الحفلة ليه، أنا ماعرفش هو شرف ولا مقلب". وهنا انطلقت ضحكات الجمهور التي أشعلت بين أم كلثوم وحليم خلافًا استمر لسنوات، وكانت وجهة نظر حليم كما جاءت على لسان الإعلامي مفيد فوزي أنه "بعد غناء أم كلثوم بدأ خروج الجمهور، مما أغضب حليم، فوقف وبتلقائية غير معهودة وشديدة قال ما قاله وانقلبت الدنيا، وقد طلب بعض المشاهير أن يقوم حليم بالاعتذار للست، ولكنه رفض"، واستمرت القطيعة حتى جاءت نكسة 1967، حينها تحدث حليم مع أم كلثوم لينهي الخلاف ويجتمعا على مصلحة مصر، وهو ما رحبت به الست، فقبّل حليم يدها لينهي صفحة الخلاف. حليم وفريد وبسبب متعهد الحفلات الشهير آنذاك أحمد الحاروفي، حيث منح عبد الحليم 1500 جنيه ليكون الأعلى أجرًا في حفلات المطربين العرب عام 1959، ولكنه وقع عقدا بعدها مع متعهدين آخرين، ما أدى إلى اتجاه الحاروفي لفريد الأطرش وأعطاه نفس المقابل، وفي أول حفل لفريد حقق نجاحًا كبيرًا، وشكّل ذلك بداية حدوث أزمة في العلاقة بين حليم وفريد، ازدادت حدتها عقب التنافس بينهما على حفلات الربيع، واشتُهر خلافهما عبر صفحات الجرائد آنذاك بعبارة "اشتباك الفن"، حتى وصلا إلى ليلة الأحد 27 إبريل عام 1970 عندما عُرضت عليهما حفلتان في شم النسيم بتوقيت واحد في سابقة لم تحدث من قبل، حيث كان فريد يحتكر إحياء حفلة ليلة عيد شم النسيم قبلها ولمدة 25 عاما، حيث اعتاد أن يقدّمها كل ربيع، غير أنه عندما غادر مصر، واستقرّ في بيروت منذ 1966، انفرد حليم بإحياء الحفل، وحينما عاد في إبريل 1970 إلى القاهرة، حدث الخلاف الذي استدعى تدخل الرئيس جمال عبد الناصر الذي انتصر لفريد، حيث أمر أن يذيع التليفزيون وإذاعة البرنامج العام حفلة "فريد" على الهواء، ويُنقل حفل عبد الحليم على الهواء عبر إذاعة "صوت العرب"، ثم تُذاع حفلته في التليفزيون في اليوم التالي مسجلة. وظل الأمر كذلك، حتى جمع بينهما الحوار الشهير عبر شاشة التليفزيون اللبناني في نفس العام، وتصالحا وأكد كل منهما أن اللقاء الفني قريب، ولكن حليم قال في اللقاء إن فريد في عُمر والده، فعاتبه فريد بعدها فجاء رده: "خلاص ما تزعلش إنت قد جدي"، وعاش بعدها فريد 4 سنوات، ولم يغنِّ له عبد الحليم، رغم الاتفاق المسبق، والمعلن على الهواء بأن الأغنية القادمة لا محالة ستجمع بين أوتار فريد وحنجرة حليم، كان يسارع فريد بالتلحين ويُسمع عبد الحليم المذهب، ويبدي حليم إعجابًا منقطع النظير، وبعدها تتعطل لغة الكلام، حيث لا يلتزم عبد الحليم بالموعد المتفق عليه للبروفة، وينتهي الأمر بزيادة مساحة الغضب، ومن بين الأغنيات التي لحنها فريد ليرددها حليم "يا ويلي من حبه يا ويلي" و"يا واحشني ردّ عليه إزّيك سلامات"، الأولى غناها فريد بصوته، والثانية أسندها إلى محرم فؤاد. السب والقذف وقع عبد الحليم حافظ في مشكلة كبيرة مع الفنان الراحل صلاح نظمي، وصلت إلى أروقة المحاكم، وكاد يُسجن العندليب على يد نظمي، القصة بدأت عندما حل العندليب عبد الحليم حافظ ضيفًا على الإعلامية سناء منصور ببرنامجها "أوافق.. أمتنع" على إذاعة "الشرق الأوسط"، ومن ضمن الأسئلة التي وُجهت له: "من هو صاحب أثقل دم في السينما المصرية؟"، فكانت إجابته: "صلاح نظمي"، ووصل الأمر لنظمي الذي استشاط غضبًا، وقرر رفع قضية سب وقذف على حليم، وفي أثناء الجلسة التي كان سينطق بها بالحكم، قال عبد الحليم ليبرئ نفسه إنه لم يقصد إهانته ولم يتحدث بشكل شخصي، ولكن قصد الأدوار التي يؤديها الرجل ثقيل الدم بنجاح، وتمت تبرئة العندليب من القضية، وبالخارج انتظر حليم، نظمي خارج قاعة المحكمة، وذهب واعتذر له. هاني شاكر رحلة الفنان هاني شاكر كانت مليئة ب"الكواليس"، خاصة في مرحلة البداية، التي جاءت في وقت يتنافس فيه الكبار، أمثال العندليب ومحمد عبد الوهاب وكوكب الشرق أم كلثوم، وكانت الأخيرة تدعمه نكاية في العندليب، وأنها قامت بالاتصال بالملحن خالد الأمير من أجل تلحين أغنية "كده برضوا يا قمر" لهاني، وطلبت من شادية أن تصطحبه معها في الحفلات، وهو ما كان يفعله عبد الوهاب أيضًا، حيث كلف الموسيقار محمد سلطان بتلحين أغنية أيضًا لشاكر، وحينما وجد حليم الأمر كذلك تحدث إلى إحسان عبد القدوس الذي نصحه بألا يدخل المعركة، وقال له "خلي عيل هو اللي يخش المعركة"، لذلك قدّم العندليب المطرب عماد عبد الحليم ومنحه اسمه، رغبة في أن تكون المنافسة بينه وبين هاني شاكر. وفي حوار للعندليب مع التليفزيون السوري عام 1976، سُئل عما يتردد من قول بعض المطربين الجدد: "عبد الحليم بيحاربنا؟"، فرد عليها العندليب: "أحاربهم إزاي؟ قصدهم عن طريق الإذاعة، أو الأسطوانات، لا الإذاعة بتاعتي ولا ملكي دي ملك الدولة، وأسطوانات كل المطربين موجودة في الأسواق، مافيش حرب وكل فنان له قيمة فنية ربنا منحها له ومش ممكن يتخطاها، واللي بيتقال ده تبرير للفشل".. ووجهت له المذيعة سؤالًا: "عندما ظهر هاني شاكر قالوا نسخة من عبد الحليم لذلك بيحاول يعرقل مسيرته؟"، رد العندليب: "كفاية إنه يتقال نسخة من عبد الحليم ده مش كويس في حقه، أنا لما طلعت ماحدش قال عليّ نسخة من عبد الوهاب". محمد رشدي يبدو أن غيرة عبد الحليم دفعته إلى عرقلة مسيرة المطرب محمد رشدي، وكانت أبرز المحطات في هذه العلاقة المشتعلة عندما غنى رشدي ملحمة "أدهم الشرقاوي" التي انتشرت كالنار في الهشيم، مما جعل عبد الحليم ينزعج لسببين: الأول نجاح الأغنية، والثاني أنه من محافظة الشرقية، فكان يرى نفسه أولى بالغناء للبطل الشعبي، فطلب من الملحن محمد الموجي تلحين ملحمة أخرى لإنتاجها في فيلم "أدهم الشرقاوي" بصوته، كما أنه أفسد العلاقة بين رشدي ومحرم فؤاد، بعدما دفع كليهما لغناء مطلع أغنية فولكلورية تقول: "ميتى أشوفك أشوفك يا غايب عن عيني" حتى لا يستطيعا تحقيق نجاح كامل، ولم يكن أحدهما يعلم بما فعله عبد الحليم فتبادلا الاتهامات. ورغم كل شيء، يبقى حليم أهم مطرب جاء حتى الآن في تاريخ مصر، وظل الأنجح حتى رحل في 30 مارس 1977.