هشام يونس: لا بد من توسيع هامش الحريات ودعم صناعة وطنية للورق والأحبار.. القارئ لم يعد يقبل على الصحافة الورقية لأنها لا تقدم له صوتا مختلفا يطرح الصحفي هشام يونس، رئيس التحرير الأسبق لبوابة الأهرام الإلكترونية وعضو مجلس نقابة الصحفيين رؤية جديدة لمواجهة أزمة الصحافة الورقية وقدرتها على المنافسة مع الصحافة الإلكترونية، التي أصبحت تمتلك آليات السرعة في نقل الخبر، فضلا عن مزايا أخرى. "التحرير" التقت يونس للتعرف على رؤيته الخاصة بتطوير الصحافة الورقية، وكذلك أزمات الصحافة القومية، التي تعاني تضخما إداريا وزيادة في أعداد العاملين بها، كما تعاني أزمات الديون المتراكمة عليها منذ سنوات، فضلا عن تقلص هامش الحريات الصحفية بها، وإلى نص الحوار: - كيف ترى حل الأزمات التي تعاني منها الصحافة الورقية؟ أزمة الصحف الورقية تتلخص في أمرين، الأول صناعة الصحافة واقتصادياتها، وثانيا محتوى الصحف الورقية، وفيما يتعلق باقتصاديات صناعة الصحافة فإن صناعة الصحف تعتمد على الاستيراد بنسبة 100% أوراقا و100% أحبارا، وليس لدينا صناعة وطنية تسهم في قيام صناعة الصحافة - كيف ترى حل الأزمات التي تعاني منها الصحافة الورقية؟ أزمة الصحف الورقية تتلخص في أمرين، الأول صناعة الصحافة واقتصادياتها، وثانيا محتوى الصحف الورقية، وفيما يتعلق باقتصاديات صناعة الصحافة فإن صناعة الصحف تعتمد على الاستيراد بنسبة 100% أوراقا و100% أحبارا، وليس لدينا صناعة وطنية تسهم في قيام صناعة الصحافة بشكل يخفض التكاليف. - كيف ترى الحل إذن؟ الحل يكمن في ضرورة دعم الدولة لهذه الصناعة من خلال إنشاء مصانع للأوراق أو الأحبار، أو لكليهما، وثانيا إن لم يحدث ذلك لا بد أن تتدخل الدولة لدعم هذه الصناعة دعمًا مباشرًا، كما كانت خلال سنوات قليلة مضت تقدم دعمًا مباشرًا لصناعة الدخان والتبغ والسجائر، أو تسهم في قيام الصناعة من خلال تخفيض نسبة 20% دمغة الإعلانات بالصحف لجذب المعلنين للإعلان في الصحافة الورقية، وكحوافز لهم خلال مدة تتراوح من 3 إلى 5 سنوات. - وماذا عن رؤيتك لتطوير محتوى الصحف الورقية؟ لدينا مشكلة في محتوى الصحافة الورقية، لأن القارئ لم يعد يقبل على الصحافة الورقية لأسباب كثيرة، منها أنها لم تعد تشبع احتياجاته، ولا تقدم له مادة مختلفة أو صوتا مختلفا، وهذه المسألة تتطلب توسيع هامش الحريات الصحفية بهذه الصحف وتوسيع المجال العام أمام الصحفيين والصحافة، لأن هذه القضية بالذات "قضية هامش الحريات" هى قضية أمن قومي، لأن القارئ الذي لا يجد ما يشبع احتياجاته فإنه يجلس في المساء أمام قنوات تخرج من تركيا وقطر، وأحيانا إسرائيل لها توجهات مختلفة وغير وطنية، وبالتالي فهذه النقطة تحديدًا تحتاج إلى إعادة نظر. - كيف ترى شدة المنافسة بين الصحافة الورقية والإلكترونية؟ الصحف الورقية تقع في خطأ فادح بمجاراتها الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات فيما يتعلق بالأخبار، فالمشكلة ليست في تقديم الخبر في الصحافة الورقية، لأن الصحافة الإلكترونية تقدمه أسرع من الصحف الورقية، والأمر هنا يحتاج إلى أن تقوم الصحف الورقية بتقديم مادة صحفية تنافس في التقرير الصحفي، الذي يعتمد على التحليل، وكذلك التحقيقات والرأي والحوار الصحفي، وهو ما لا تستطيع أن تقدمه الصحافة اللاهثة وراء الخبر وهذا سيجذب القارئ مرة أخرى لشراء الصحف الورقية، خاصة أننا لدينا شريحة عمرية من 18 إلى 30 عاما لديها إمكانية أن تقرأ وتشتري الكتب، وتبحث عن كُتاب جدد بالصحف الورقية وتدفع مبالغ لشراء المجلات والجرائد، والمشكلة هنا لا تتمثل في عدم القدرة الاقتصادية على الشراء، بل في ضرورة تقديم محتوى مميز ومختلف بالصحف الورقية عن الصحف الإلكترونية. - تتراكم الديون بالصحف القومية والتضخم الإداري في أعداد العاملين بها كيف ترى حل هذه الأزمات؟ الصحافة القومية أزمتها أنها تقوم على أهل الثقة وليس أهل الخبرة، وبها عمالة زائدة، ونقص في التدريب والكفاءات التي بها إما سافرت خارج مصر أو هاجرت إلى الصحافة الخاصة والقنوات التليفزيونية أو إلى مواقع جديدة تقدر كفاءتها، وعدم وجود مبدأ للثواب والعقاب وإعلاء قيمة المهنية أو التعبير عن الدولة بشكل فيه الكثير من المصداقية والمهنية، ونحن هنا لا نقصد التحدث عن صحافة معارضة، بل صحافة متنوعة تقبل الاختلاف والآراء الأخرى، فالأهرام مثلا في وقت من الأوقات كانت تضم الأستاذ سلامة أحمد سلامة المعروف باستقلاليته وتوازنه، والأستاذ فهمي هويدي والمعروف بتوجهه الإسلامي، والكاتب الكبير الراحل صلاح الدين حافظ والمعروف بتوجهه اليميني، والأستاذ لطفي الخولي، والمعروف بتوجهه الشيوعي، والمفكر محمد سيد أحمد والمعروف بتوجهه الماركسي، وهذه الخلطة والتركيبة المتنوعة، التي كانت في مؤسسة الأهرام، كانت تشبع احتياجات أصحاب التوجهات المختلفة من الجمهور، أصبحنا نفتقدها الآن. - ما الذي سيجعل الدولة تقيم صناعة للورق والأحبار للصحف القومية في الوقت الذي لا توزع فيه هذه الصحف أعدادا كبيرة؟ لا بد من إنقاذ هذه الصناعة من خلال دعمها مع السماح بهامش للحريات مع محتوى جيد مع سعي الحكومة، لأن تأخذ بنماذج دول أخرى في دعم منظومة الصحافة مثل الحكومة الفرنسية، التي تقوم بتقديم دعم مباشر للصحف بنحو 800 مليون يورو، فدعم صناعة وطنية للورق والأحبار سيكون مفيدا جدا بدلا من استيراد متطلبات صناعة الصحف بنحو 4 مليارات دولار، حيث تستورد مصر 100 ألف طن ورق لطباعة الصحف سنويا وعشرات الأطنان من الأحبار. - بماذا تفسر تقلص أعداد المواقع الصحفية الإلكترونية وهو ما قلل فرص العمل للصحفيين؟ أرى أنه من مصلحة الدولة والنظام توسيع هامش الحريات حتى يمكن ملء الفراغ الموجود بدلا من أن يذهب إلى قنوات ومواقع تشبع حاجاته من خلال وسائل إعلامية غير وطنية، ولا تخلو من دعوة خفية إلى العنف. كما أرى أن غابة التشريعات التي تحكم العمل الصحفي تستلزم انتخاب مجلس نقابة للصحفيين من المقاتلين في مواجهة برلمان لا تساعد تركيبته على تمرير ما نتطلع إليه من قوانين جديدة، وسيحتاج ذلك إلى صلابة وقدرة على المواجهة والحوار دون تطلع إلى منصب أو خشية من إقصاء.