على خطى الأزمات الكبرى التي تلاحق إعلام النظام وفضائياته؛ على خلفية التراجع الحاد في نسب المشاهدة بعد أن سيطرت شركة إعلام المصريين التابعة لشركة “إيجيل كابيتال” المملوكة لجهاز المخابرات العامة على جميع الفضائيات والصحف والمواقع؛ أكد خبراء وصحافيون موالون للنظام العسكري أن صناعة الصحافة الورقية مهددة بالانقراض في أعقاب قرارات التعويم نوفمبر 2016م والتي أضرت بالصناعة بشكل حاد ينذر بتوقفها وعدم قدرتها على الصمود. وفي 5 مارس الجاري 2019م، اجتمع رئيس وزراء حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي بكرم جبر؛ رئيس ما تسمى بالهيئة الوطنية للصحافة، حضره وزراء: التضامن الاجتماعي، والتخطيط، والمالية، وقطاع الأعمال، وهو اللقاء الذي أثار القلق في أروقة وصالات المؤسسات الصحفية القومية؛ فما أن انتهى اللقاء حتى تسربت أخبار عن خطة حكومية لتصفية مؤسسات صحفية ودمجها مع أخرى والتصرف في أصولها، فضلًا عن إلغاء إصدارات بعضها خرج للنور قبل قرن من الزمان؛ وذلك في محاولة للحد من خسائر هذه المؤسسات حتى إن ديونها للحكومة والبنوك والضرائب والتأمينات وصلت إلى أكثر من 20 مليار جنيه!ويتردد في أوساط صالات التحرير بهذه الصحف أن ثمة خطة حكومية أعدت لبيع أصول بعض المؤسسات؛ لسداد ديون الحكومة المستحقة ووقف الخسائر المالية الكبيرة التي تتعرض لها تلك الصحف خلال العقد الأخير. أزمة ثلاثية الأبعاد يقول الكاتب الصحفي الموالي للانقلاب عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة «الشروق»، إن هناك أزمة ثلاثية تهدد صناعة الصحافة في مصر؛ تتمثل في ارتفاع تكلفة مستلزماتها من أوراق وأحبار، وقلة عائد الإعلانات، وتراجع الحريات. ويفجر رئيس تحرير الشروق ذو التوجهات الناصرية الداعمة لاستبداد العسكر؛ خلال لقائه ببرنامج «الحياة اليوم»، المذاع عبر فضائية «الحياة»، مساء أمس الثلاثاء 12 مارس 2019م، مفاجأة مدوية بالتأكيد على أن هناك بالفعل أزمات اقتصادية أجبرت بعض الصحف الخاصة على منح موظفيها نصف الرواتب المتفق عليها، وبعضها يتأخر حتى منتصف الشهر. ورهن رئيس تحرير «الشروق»، تحقيق الصحف الحكومية لمكاسب مادية بتوافر كل المتطلبات اللازمة لذلك، مستطردًا: «لابد من تحديد هل تعمل على نموذج اقتصادي فقط أم تحريري فقط أم بين هذا وذاك؟ وبالتالي أراعي ذلك». وفي محاولة لإقناع النظام بدعم صناعة الصحافة؛ أضاف حسين أن صناعة الصحافة والإعلام في مصر تعد قوى ناعمة عظيمة، ومعروف أنها تشكل رمزًا في الوطن العربي حتى في أسوء الأحوال، مؤكدًا أن الأخطار التي تهددها لا تمس الإعلاميين والصحفيين فقط، وإنما تعود على الدولة بكل جهاتها ومؤسساتها. مطالبا سلطات العسكر بوجوب البحث عن حلول لأزمات الصحافة ليس من خلال الدعم النقدي فقط، مضيفًا: “القصة ليست مكسب وخسارة فقط، فهناك أكثر من وجه يمكن من خلاله علاج الأزمة، ولكن يجب على الدولة أن تحدد أهدافها من تلك المؤسسات أولًا”. أزمة المحتوى وتراجع التوزيع وفق تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن عدد النسخ الموزعة للصحف العامة محلياً وخارجياً بلغ 534 .6 مليون نسخة عام 2016، مقابل 7.560 مليون نسخة عام 2015، بانخفاض 4.6 في المئة، وبمعدل يومي حوالى نصف مليون نسخة. لكن هذا الرقم يبدو مبالغاً فيه، لأن هناك تقديرات أخرى غير رسمية “بحسب صحيفة الحياة اللندنية”، تؤكد أن معدل توزيع الصحف لا يزيد على 300 ألف نسخة يومياً، وهو ما يمثل عُشر توزيع الصحف المصرية عام 2000، حيث كان آنذاك 3.5 مليون نسخة. وتعاني مصر من مشكلة عدم وجود تقديرات دقيقة ومعلنة عن توزيع الصحف أو نسب مشاهدة قنوات التلفزيون، حيت لا توجد شركات مستقلة للتثبت والتدقيق في ما يتم إعلانه من أرقام، وتعتبر الصحف أن أعداد النسخ المطبوعة وأرقام التوزيع سر حربي خاص بها، ما أدى إلى غياب الشفافية والإفصاح، وفتح المجال أمام ادعاءات ومبالغات كل صحيفة أو قناة تلفزيونية! ويرى الكاتب محمد سعد عبدالحفيظ عضو نقابة الصحافيين، في مقاله المنشور أمس على موقع “مدى مصر” بعنوان « هل تعلن الحكومة وفاة «صاحبة الجلالة» لتبيع أصولها؟»، أن الأزمة التي لا تدركها السلطة ليست في تعدد المؤسسات الصحفية التي تراكمت عليها الخسائر والديون؛ فالأصل في العمل الصحفي هو التعدد والتنوع، الأزمة الحقيقية المسكوت عنها في المحتوى الذي تقدمه الصحف سواء في نسخها المطبوعة أو الإلكترونية. فالحكومة والهيئة الوطنية للصحافة، كلتاهما بحسب عبدالحفيظ تعرف أن أعداد توزيع الصحف المصرية هبطت إلى رقم غير مسبوق، حيث وصل إلى 250 ألف نسخة يومية توزعها كل الصحف المطبوعة عام 2019، بعد أن كانت الصحف توزع نحو 3.5 مليون نسخة عام 2000، وتراجع العدد حتى وصل إلى مليون نسخة قبل ثورة يناير 2011، ثم عاود الارتفاع (في عهد الرئيس محمد مرسي ) ليقترب من 2 مليون حتى عام 2012، ليهبط بالتدريج منذ عام 2014 ويصل عام 2016 إلى 400 ألف نسخة. ويضيف عبدالحفيظ أن الحكومة والهيئات المعنية بصناعة الصحافة لم تناقش السبب الرئيس لتدهور أعداد توزيع الصحف وهجر الجمهور لها خلال السنوات الثلاث الماضية، فالمحتوى الذي تقدمه الإصدارات الورقية والإلكترونية لما تسمى بالصحف القومية، ومعها الخاصة، بات أقرب إلى النشرات الحكومية، وهو ما دفع الجمهور لاتخاذ قرار بعقابها والبحث عن منصات أخرى تشبع شغفه بمعرفة خبر جديد أو تحليل مختلف. ويمضي عبدالحفيظ في تشخيص الأزمة بدقة محاولا وضع علاج مر على النظام السلطوي؛ لأنه يطالب بمنح الصحف حريات واسعة في التناول والمعالجة؛وهو ما لن يقبل به العسكر مطلقا وفق المعطيات الراهنة؛ حيث يضيف عضو مجلس نقابة الصحفيين: «الآن، تم تجريد الصحف من مصداقيتها عند الجمهور بفعل فاعل، بعد أن فُرض عليها عدم الاشتباك مع أي قضية تقترب فقط من هموم الناس، ناهيك عن الاشتباك مع نظام الحكم وأركانه وسياساته، فتحولت إلى نشرات حكومية تفيض بالبيانات والرؤى الرسمية، دون النظر إلى ما يهم المواطن، بداية من رفع أسعار الوقود، مرورًا بأزمة جزيرة الوراق، وصولًا إلى التعديلات الدستورية التي يناقشها البرلمان سرًا، حتى أزمات الرياضة وكرة القدم، والتي صار السعودي تركي آل الشيخ طرفًا في معظمها، صارت ممنوعة من النشر أو التحليل». ويتابع «الأزمة التي تواجه الصحف القومية والخاصة والإعلام بكل منصاته، هي أزمة صناعة محتوى قادر على إقناع وجذب الجمهور مرة أخرى، ومع عودة الجمهور تعود المساحات الإعلانات فتنتعش ميزانيات الصحف ذاتيًا، أما التخطيط لدمج وإلغاء مؤسسات وبيع أصول فلن يحل المشكلة، فمقابل بيع الأصول سينفد لو بقيت الصحف على حالها نشرات تنقل إلى جمهورها المحدود صوت واحد ورأي واحد وموقف واحد، ومن يخرج عن هذا الواحد، يحجب أو يمنع من الطبع»