الكل يعرف أن الصحافة الورقية أو المطبوعة في أزمة. ضع تحت كلمة أزمة عدة خطوط. الصحافة لا تواجه مشكلة ، لكنها تتعرض لأزمة. النقاش بشأن أزمة الصحافة الورقية صار علنيا. وبينما الجميع يتحدث ويناقش ويقلق ، لا نجد مسئولا له علاقة بالصحافة خطا خطوة لمناقشة الأزمة بشكل جاد للوصول إلي حل أو طرح سيناريو للخروج من هذه الأزمة. من الصعب أن نفكر في أن عالما عشناه لقرون يمكن أن ينتهي ، ونستسلم لاختفائه بعدما عرفناه طويلا وتربينا عليه. لكن تكرارنا التفكير عن عالم بدون صحف أمر يمكن تخيله إذا لم نعالج الأزمة. تواجه الصحف المصرية في الفترة الأخيرة انحدارا مستمرا في إيراداتها ، وهذا الانحدار يتسارع خاصة بعدما ارتفعت الأسعار مؤخرا بسبب تعويم الجنيه وزيادة سعر الدولار. أسعار الطبع تضاعفت لأن سعر الورق تضاعف وتتحمل المؤسسات هذا العبء الذي سيمتد إلي النشاط التجاري للمؤسسات في مجال التشغيل لصالح الغير وهو ما سيؤثر بالسالب علي السوق الصحفية ككل ويؤدي إلي انهيار العديد من الصحف وتغيير خريطة الصحافة بعد قليل. الحكومة ساعدت المؤسسات الصحفية القومية. بملايين الجنيهات ، استهدفت من خلالها استمرار الصحف وبث روح الاستثمار فيها. ما حدث أن هذه الأموال ذهبت إلي مرتبات العاملين لأن المؤسسات جميعها بلا استثناء حققت خسائر في موازناتها وتضاعفت هذه الخسائر في ميزانياتها. عوامل انحدار إيرادات المؤسسات الصحفية وتدهور أوضاعها تشابهت ، نجد أن الإعلانات تراجعت بشكل كبير في الصحف بسبب الأزمات الاقتصادية والركود في الأسواق كما أن توزيع الصحف تراجع لدرجة أن شركات أو قطاعات التوزيع في الصحف الكبري تعاونت لإرسال الصحف إلي المحافظات البعيدة بوسيلة نقل واحدة وليست بثلاث وسائل توفيرا للنفقات وهذا التراجع من أسبابه جمود هذا القطاع وعدم ابتكار أشكال جديدة لزيادة التوزيع والاشتراكات فتراجعت إيراداته ، أما المطابع الثلاث الكبري فدخلت في منافسة استطاع بعضها أن يفوز بنسبة من الصحف الخاصة والحزبية التي تطبع تجاريا بالمؤسسات الصحفية وبالتالي حققت بعض قطاعات المطابع أرباحا بينما حققت أخري خسائر وفي كل الأحوال يكون الحاصل النهائي خسائر للجميع أي لكل المؤسسة ولكل المؤسسات. أخطر ما في أسباب الخسائر ، هو تراجع مستوي المضمون التحريري للصحف وهو ما جعل نسبة التوزيع تتراجع وفي جانب آخر لم يعد القراء راضين علي كل ما تنشره الصحف أو بصيغة أخري تعاني بعض الصحف من سخط القراء وعدم ثقتهم أو علي الأقل تراجع حجم هذه الثقة فالمحتوي الفقير للمواد الصحفية المنشورة مقارنة بما سبق أدي إلي خيبة ظن القراء وبالتالي خسرت صحف قراءها وتسبب ذلك في خسائر لها ، بل ويظن القراء أن بعض الصحف منحازة إلي النخبة الحاكمة بشكل دائم أو أنها تميل إلي صف رجال الأعمال ولم تعد تميل للقاريء العادي وبالتالي لا يجد الناس أنفسهم في تلك الصحف ، إلي جانب عوامل أخري مثل وجود القنوات التلفزيونية والمواقع الالكترونية وهو ما جذب شريحة كبيرة من القراء خاصة في جيل الشباب. من المهم الإشارة إلي أن من أهم عناصر تراجع المحتوي الصحفي ، وجود أكثر من جيل لشباب الصحفيين لم يتم تدريبه بشكل مناسب ونسبة كبيرة منهم لم تعرف التدريب أصلا ، فالعديد من الصحف ليس بها صالة تحرير وهي العنصر الأهم في عملية التدريب حيث » يشرب » الجيل الجديد » الصنعة » من الأجيال الأقدم بالاحتكاك اليومي والتعرض للمواقف المختلفة مما يصقل إمكانياتهم ويرفع من مستواهم المهني ويرسخ روحا جماعية للمدرسة الصحفية التي ينتمون إليها. إن الصحافة الورقية في مفترق الطرق ، وقد وصل نمط الصحافة الذي عرفناه منذ ما يقرب من 500 عام إلي نقطة تحول وهو ما يوجب التفكير في كل شيء ، لأن شيئا لن يعود إلي ما كان عليه ، كما أن الأمر لم يعد يتعلق بإصلاح من أجل المواصلة كما كان في السابق ، لكن يتعلق بإعادة اختراع ما يسمي بالصحافة.