أدخنة كثيفة تغطي سماء وسط العاصمة، ألسنة النيران ترتفع لأمتار، أصوات الصراخ وأنين أناس يتشبثون بأمل البقاء، جثث متفحمة هنا وهناك، مشاهد ستظل محفورة في مخيلة عامل المكتبة كعادته كل صباح، استيقظ "سامح" مبكرا، هرول إلى محل عمله بإحدى المكتبات داخل محطة سكة حديد مصر بمنطقة رمسيس بوسط القاهرة؛ خوفا من التأخر عن موعده، يحرص فور وصوله على تفقد أعداد الجرائد المتوفرة لديه ويستعلم من زميله عن وجود إصدارات كتب جديدة وصلت المكتبة القابعة برصيف رقم (4) بالمحطة، في سيناريو يومي طرأ عليه جديد، معلنا وقوع كارثة إثر اصطدام جرار بالصدادات الخرسانية، ما أسفر عن وفاة 20 شخصا و43 مصابا في مشهد مأساوي ودَّ لو امتلك أداة يمحو بها أحداثه من ذاكرته للأبد. التاسعة والثلث صباح أمس الأربعاء، وقف "سامح" أمام المكتبة يراقب حركة المترددين على أرصفة المحطة ال13، ما بين مهرول للحاق بالقطار الذي سيغادر في غضون ثوان، وباحث عن تذكرة وسائل عن موعد رحلته، إلا أن دوي انفجار هزَّ المكان: "افتكرت إن قنبلة انفجرت في المحطة". جثث متفحمة.. ما حدث في محطة مصر لحظة بلحظة التاسعة والثلث صباح أمس الأربعاء، وقف "سامح" أمام المكتبة يراقب حركة المترددين على أرصفة المحطة ال13، ما بين مهرول للحاق بالقطار الذي سيغادر في غضون ثوان، وباحث عن تذكرة وسائل عن موعد رحلته، إلا أن دوي انفجار هزَّ المكان: "افتكرت إن قنبلة انفجرت في المحطة". جثث متفحمة.. ما حدث في محطة مصر لحظة بلحظة (تغطية) للحظات تسمر الشاب في موضعه، أدخنة كثيفة شكلت سحابة سوداء، أصوات صراخ وعويل هنا وهناك، إلا أنه سرعان ما استفاق من تلك الحالة لدى مشاهدته نيرانا تحرق أجساد رجال وسيدات وأطفال رُضع: "الناس كانت مولعة بتجري قدامي.. عمري ما شوفت ده في حياتي"، وسط مخاوف من كون الأمر حادثا إرهابيا وأن انفجارا ثانيا سيتبع ألسنة النيران التي طالت أماكن عدة بالمحطة. بحث عامل المكتبة عن ملاذ آمن هربا من الفاجعة التي تحيط به من كل اتجاه، قادته قدماه إلى ممر اكتشف بعدها أنه مغلق "من الخضة اللي كانت فيها نسيت إنه مقفول من فترة"، فصعد درجات السلم بسرعة البرق ليرى مشهدا هو الأصعب في حياته: "واحد النار مولعة في جسمه جاي ناحيتي"، دون أن يدري كيف السبيل لإنقاذه كأن عقله قد توقف عن التفكير. استجمع "سامح" ما تبقى من قواه التي خارت إلا أن رعشة أصابت جسمه الهزيل لدى رؤيته جثثا متفحمة ملقاة بالرصيف الذي يقضي به ساعات النهار، كشك المأكولات والمشروبات الذي طالما ابتاع منه خلال يوم عمله الشاق احترق بالكامل، لون الدماء الأحمر لطخ الجدران والأرضية جنبا إلى جنب سواد الرماد الذي غطى المكان. مع مرور الوقت ووصول قادة الشرطة ورجال الحماية المدنية وعربات الإسعاف ظن "سامح" أن يومه قد انتهى، إلا أنه انهار ودخل في نوبة بكاء هستيرية لحظة حمل الجثث، ووضعها داخل أكياس الموتى البلاستيكية ذات اللون الأسود: "المشهد زي يوم القيامة.. ربنا يرحم اللي ماتوا ويشفي العايشين". وفاة مسعف متأثرا بجراحه في حادث محطة مصر وأعلنت هيئة السكة الحديد انحدار جرار وردية رقم 2302 واصطدامه بالصدادات الخرسانية بنهاية الرصيف رقم 6 بمحطة مصر، موضحة أنه نتيجة اصطدام الجرار بالحاجز الخرساني نتج عنه بعض الإصابات والوفيات. وأعلنت وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، أمس الأربعاء، عن وفاة 20 مواطنًا وإصابة 43 آخرين في حريق محطة مصر، ونُقل المصابون إلى مستشفيي دار الشفاء، ومعهد ناصر كونهما "مستشفيي إخلاء"، إضافة إلى مستشفيات "الهلال، وشبرا، السكة الحديد" كمستشفيات إخلاء، موضحة أنَّ حالات المصابين تراوحت ما بين بسيطة إلى متوسطة، إضافة إلى بعض الحالات الدقيقة أغلبها كسور وحروق. وانتظمت حركة القطارات بمحطة مصر ما عدا رصيف رقم 6، بعدما نجحت قوات الحماية المدنية في إخماد الحريق، وتوجه فريق التدخل خلال الطوارئ بالهلال الأحمر المصري إلى موقع الحادث، لتقديم الإسعافات والدعم النفسي للمصابين وأسر الضحايا. ووجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بمحاسبة المتسببين بحادث محطة مصر ورعاية المصابين، متوجهًا بخالص التعازي لأسر الضحايا والمصابين، فيما خصصت وزارة التضامن الاجتماعي 80 ألف جنيه لأسر الضحايا وحالات العجز الكلي، و25 ألف جنيه للمصابين، مكلفة مديرية القاهرة ولجان الإغاثة المركزية بالوزارة؛ بالانتهاء من إجراء الأبحاث الاجتماعية للمصابين وأسر ضحايا الحادث.