دكتوراه في فلسفة العلوم السياسية وخبيرة في العلاقات الدولية تشهد الساحة الفنزويلية في المرحلة الراهنة تطورات متسارعة، منذ أن أعلن رئيس البرلمان "خوان جوايدو" نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد، وما تلا ذلك من اعتراف سريع من قبل كل من الولاياتالمتحدة، وتبعتها كندا، كولومبيا، بيرو، الإكوادور، باراجواي، البرازيل، تشيلي، بنما، الأرجنتين، كوستاريكا، جواتيمالا، جورجيا وبريطانيا ثم الاتحاد الأوروبي. فيما أيدت كل من روسيا وتركيا والمكسيك وبوليفيا وأوروجواي وكوبا شرعية "نيكولاس مادورو"، الذي أدى مطلع شهر يناير اليمين الدستورية رئيسا لفترة جديدة لمدة 6 سنوات، وهو الأمر الذي خلق ساحة جديدة للمعركة المحتدمة بين واشنطن وموسكو، بدأت بوادرها في حرب التصريحات التي أطلقتها الإدارة الروسية لإدانة التحرك الأمريكي، وبعد ذلك في مجلس الأمن عندما وقفت روسيا والصين أمام مشروع أمريكي لاستصدار بيان دولي للاعتراف بالسلطة الجديدة بكاراكاس، وهذا يدعو للتساؤل حول من يحسم الصراع؟ وما مستقبل دولة فنزويلا؟ تشهد الساحة الفنزويلية في المرحلة الراهنة تطورات متسارعة، منذ أن أعلن رئيس البرلمان "خوان جوايدو" نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد، وما تلا ذلك من اعتراف سريع من قبل كل من الولاياتالمتحدة، وتبعتها كندا، كولومبيا، بيرو، الإكوادور، باراجواي، البرازيل، تشيلي، بنما، الأرجنتين، كوستاريكا، جواتيمالا، جورجيا وبريطانيا ثم الاتحاد الأوروبي. فيما أيدت كل من روسيا وتركيا والمكسيك وبوليفيا وأوروجواي وكوبا شرعية "نيكولاس مادورو"، الذي أدى مطلع شهر يناير اليمين الدستورية رئيسا لفترة جديدة لمدة 6 سنوات، وهو الأمر الذي خلق ساحة جديدة للمعركة المحتدمة بين واشنطن وموسكو، بدأت بوادرها في حرب التصريحات التي أطلقتها الإدارة الروسية لإدانة التحرك الأمريكي، وبعد ذلك في مجلس الأمن عندما وقفت روسيا والصين أمام مشروع أمريكي لاستصدار بيان دولي للاعتراف بالسلطة الجديدة بكاراكاس، وهذا يدعو للتساؤل حول من يحسم الصراع؟ وما مستقبل دولة فنزويلا؟ أسباب الأزمة: بداية، يمكن القول إن الأزمة الفنزويلة تتلخص في جملة وهي: "سوء إدارة اقتصادية أدى إلى أزمة سياسية عاصفة"، فقد كان الحظ السيئ حليفاً للرئيس مادورو عندما تراجعت الأسعار العالمية للنفط بعد عام واحد من توليه السلطة في عام 2013، ومن المعروف أن فنزويلا واحدة من الدول التي تعتمد على البترول بصورة أسباب الأزمة: بداية، يمكن القول إن الأزمة الفنزويلة تتلخص في جملة وهي: "سوء إدارة اقتصادية أدى إلى أزمة سياسية عاصفة"، فقد كان الحظ السيئ حليفاً للرئيس مادورو عندما تراجعت الأسعار العالمية للنفط بعد عام واحد من توليه السلطة في عام 2013، ومن المعروف أن فنزويلا واحدة من الدول التي تعتمد على البترول بصورة شبه كاملة لتمويل اقتصادها. وقد أدى ضعف العائدات البترولية إلى خلق مستوى عال من التضخم، تدنّى معه سعر العملة المحلية بصورة غير مسبوقة، وارتفعت الأسعار بشكل كبير، ونقص في المواد الغذائية الأساسية والأدوية، وتوفير الخدمات العامة، وزادت نسب الفقر والفقر المدقع بدرجة خطيرة. وارتفاع معدلات هروب الفنزويليين من الواقع الاقتصادي المتردي بالدولة، بحثاً عن حياة جديدة في دولة أخرى. ولذا أعلن الرئيس مادورو أكثر من مرة خلال عام 2018 أن حرباً اقتصادية تخوضها القوى الخارجية ضد فنزويلا، وأرجع إليها حالة التدهور التي ضربت اقتصاد البلاد. وهو الكلام الذي لم يعجب المعارضة، حيث تظاهر العشرات من معارضي الرئيس، مطالبين بانتقال سلمي للسلطة لزعيم المعارضة خوان جوايدو، وانضم لهم قطاع كبير من الشعب الذي يعانى. ولكي يواجه مادورو التململ الشعبي، أصدر قانوناً أطلق عليه "قانون كراهية فنزويلا" واستخدمه كأداة لمعاقبة المعترضين على سياساته الاقتصادية. كما لجأ إلى آليات المواجهة التقليدية في مواجهة الشعب في الشوارع، ولذا ارتفع صوت المعارضة، ومنه إلى الجمعية الوطنية، ومنه إلى رئيسها "خوان جوايدو"، الذي يتزعّم حركة المعارضة، فأعلن نفسه رئيساً لفنزويلا. وسط الانكماش الاقتصادي وأزمة الشرعية التي تمر بها حكومته، أعلن الرئيس مادورو في 31 يناير، أنه قدر ألف مليون يورو لتجميل أكثر المدن اكتظاظا بالسكان خلال تدشين البرنامج الحكومي "فنزويلا بيلا"، الذي كان أعلن عنه في بداية شهر يناير، وأشار إلى أن هذه الخطة تهدف إلى وضع كاراكاس من بين أكثر المدن تقدما في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى. الدور الخارجي في الأزمة: أمام انقسام الرأي العام العالمي حيال المشهد في فنزويلا، انحازت روسيا والصين للنظام القائم برئاسة مادورو، في حين انحازت الولاياتالمتحدةالأمريكية وعدد من الدول الأوروبية لجبهة المعارضة بزعامة جوايدو، تعيش فنزويلا الآن برئيسين، أحدهما مدعوم أمريكياً، والآخر مدعوم روسياً وصينياً. حيث يرى مادورو أنه صاحب الشرعية حيث جاء بالصندوق في انتخابات 2013، في حين يرى معارضه جوايدو أنه سار بالبلاد نحو الهاوية، وأضاع اقتصادها، وتسبّب في معاناة مواطنيها، وأن أوان خروجه من الحكم قد آن. وقد كان انحياز أمريكا سريعا، حيث كتب الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على تويتر: "تظاهرات كبيرة في أنحاء فنزويلا اليوم ضد مادورو.. الكفاح من أجل الحرية بدأ". وأشاد ترامب بما وصفه ب"التعبئة" التي يقوم بها آلاف المعارضين الفنزويليّين. وأجرى اتصالاً هاتفيا بالمعارض جوايدو، وهنأه بعدما كان قد أعلن نفسه رئيسا بالوكالة لفنزويلا، وقال البيت الأبيض في بيان له، إن ترامب وجوايدو توافقا على البقاء على تواصل دائم بهدف دعم استعادة فنزويلا لاستقرارها وإعادة بناء العلاقات الثنائية بين الولاياتالمتحدةوفنزويلا، وقالت سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي تحدث مع جوايدو "لتهنئته بتولي الرئاسة في خطوة تاريخية وليؤكد دعمه القوي لكفاح فنزويلا من أجل استعادة ديمقراطيتها". هذا وقد فرضت الولاياتالمتحدة إجراءات جديدة من خلال أمر تنفيذى ضد الأفراد والكيانات العامة ذات الصلة بحكومة نيكولاس مادورو. من بينها البنك المركزي الفنزويلي والشركة الوطنية للنفط، حيث قررت الولاياتالمتحدةالأمريكية فرض عقوبات على شركة النفط الفنزويلية المملوكة للدولة، الأمر الذي سيعرض الرئيس مادورو لضغوط مالية كبيرة، حيث أعلن وزير الخزانة ستيف منوشين، ومستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض يوم 28 يناير، عن فرض عقوبات على الشركة الوطنية للنفط في فنزويلا، التي تمتلك شركة النفط "Citgo" التي تتخذ من الولاياتالمتحدة مقرا لها. وتتضمن العقوبات تجميد أصول مملوكة لشركة النفط الفنزويلية في الولاياتالمتحدة تقدر قيمتها بنحو 7 مليارات دولار، الأمر الذي سيؤدي إلى تكبد الشركة خسائر تزيد على 11 مليار دولار في العام المقبل. وقد حملت الولاياتالمتحدة المسؤولين في فنزويلا مسؤولية الوضع المأساوي الذي تشهده البلاد حاليا، حيث عانت شركة النفط الوطنية منذ فترة طويلة من الاختلاس وفساد المسؤولين الفنزويليين ورجال الأعمال، ومن ثم فإن فرض العقوبات على شركة النفط، سيساعد على منع المزيد من تحويل أصول فنزويلا لحكومة مادورو، وسيحافظ على هذه الأصول لشعب فنزويلا، وستكون العقوبات لها تأثير في زيادة الضغط ليس على مادورو فقط ولكن على دائرته الداخلية التي يقال إنها تستفيد ماليا من المؤسسة المملوكة للدولة. فضلا عن أن أي عقوبات ستكون فعالة "على الفور"، وأن أي مشتريات من النفط الفنزويلي، من قبل كيانات أمريكية ستخضع للعقوبات، ولن يتم الإفراج عن قيمة هذه المشتريات إلا لقادة فنزويلا الشرعيين، وتمثل العقوبات النفطية التصعيد الأحدث والأكثر أهمية لحملة ضغط إدارة ترامب التي تهدف إلى طرد مادورو من السلطة. وكان الرئيس دونالد ترامب قد اعترف بزعيم المعارضة الفنزويلية جوايدو رئيسا شرعيا لفنزويلا، كما استمرت الولاياتالمتحدة في زيادة الضغوط على مادورو للاستقالة، وحث بولتون الجيش الفنزويلي، على التخلي عن مادورو، والاعتراف بشرعية جوايدو. وفي رد فعل مادورو، وصف الرئيس الفنزويلي العقوبات الأمريكية بأنها "غير قانونية" و"أحادية الجانب". ضد PDVSA، بإبلاغها بأنها تقوم بتقييم الإجراءات القانونية التي ستقوم بها الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية دفاعا عن أصولها في الخارج. وشدد قائلا "بهذا الإجراء، تحاول شركة Citgo سرقة كل الفنزويليين"، كما أكد أن واشنطن تقف في مقدمة الانقلاب والتدخل في فنزويلا، "إذا أرادوا تدميرنا، فلن نسمح بذلك". مستقبل الصراع: يمكن القول إننا أمام عدد من السيناريوهات، كالتالي: السيناريو الأول: حرب أهلية وانقسام الجيش: أعلن "مادورو" أنه يستعد للدخول في مواجهة عسكرية مع معارضيه، وأنه سيحارب في كل مدينة فنزويلية، مما يعني أنه يهدد بالجيش الذي أعلن ولاءه وتأييده له. ولكن تكمن خطورة الدعوة التى يتبناها جوايدو من دعوة الجيش لتغيير موقفه من مساندة مادورو في كونها لا تقتصر فقط على احتمالات الصدام بين أنصار مادورو المحتشدين بدورهم في الشوارع الفنزويلية، من جانب، وعناصر المعارضة المؤيدة له، وإنما تمتد إلى وضع الجيش في جانب "الخصم" لقطاع من مواطنى الدولة، خاصة فى مثل هذا التوقيت الحساس، الذي تعاني فيه الدولة من جراء حالة من عدم الاستقرار، وبالتالي قد يؤدي إلى انقسامات داخل الجيش ومن ثم إلى التحارب الداخلي وإلى حرب أهلية لن تبقي الدولة، وسيحول معاناة الشعب الفنزويلي إلى مأساة كاملة. السيناريو الثاني: إجراء انتخابات رئاسية جديدة اقترح الاتحاد الأوروبي قبل الاعتراف بخوان جوايدو رئيسا جديدا للبلاد الاحتكام إلى الصناديق وإجراء انتخابات جديدة، خاصة أن هناك اتهامات بأن مادورو قد زور الانتخابات الأخيرة ومن ثم يمكن القول إن هذا السيناريو غير مرجح، لأنه يتعين على نظام مادورو والسلطات التنفيذية في فنزويلا قبول مراقبة دولية شاملة للانتخابات وهو أمر مستبعد. السيناريو الثالث (المتفائل): إجراء حوار مجتمعي يمكن القول إنه منذ إعلان جوايدو في 23 يناير رفضه شرعية مادورو وتنصيب نفسه رئيسا وإعلان الولاياتالمتحدة وعدد من دول الجوار اللاتيني الاعتراف به، تعاني فنزويلا انقساما غير مسبوق، ومع ذلك فإن الجلوس على طاولة الحوار وتقديم تنازلات متبادلة يظل أحد أفضل سيناريوهات الخروج من الأزمة، خاصة أن هناك العديد من الدول بإمكانها القيام بوساطة بين طرفي الصراع، بخلاف الدول التي أعلنت الانحياز الكامل لأحد الطرفين، ومن بين تلك الدول القادرة على تقريب وجهات النظر المكسيك وأوروجواى. السيناريو الرابع (الأسوأ): تدخل عسكري خارجي ظهر هذا السيناريو جليا بعد تلميحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون لمثل هذا الإجراء، وتأكيده أن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة". وبخلاف تصريح بولتون، التقطت عدسات الكاميرات صورة له حاملا مجموعة من الأوراق مدونا عليها "إرسال قوة عسكرية إلى الحدود الفنزويلية". وما يعضد هذا السيناريو هو تساؤل مايكل إيفانز، في مقاله بصحيفة التايمز البريطانية يوم 30 يناير عن مخططات البنتاجون في حال قرر استخدام القوة العسكرية لإزاحة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ونقل عن مسؤول رسمي سابق في وزارة الدفاع الأمريكية قوله إن العملية العسكرية في فنزويلا ستحتاج ما بين 25 ألفا إلى 30 ألف جندي أمريكي، مضيفاً أن حجم العملية ونجاحها سيعتمد على ولاء القوات العسكرية الفنزويلية للرئيس مادورو. وأضاف، حسب مقتطفات نقلها موقع هيئة الإذاعة البريطانية، أنه لا بد من حصول تأييد لهذه العملية أيضاً من قبل الدول المجاورة لفنزويلا، وأن تكون لديهم رغبة في المشاركة في العمل على تنحية مادورو من منصبه. وأردف أن كولومبيا أكدت عدم رغبتها في المشاركة في مثل هذه العملية، أو حتى دعمها، إلا أن البرازيل التي تسعى حالياً لنيل رضا الولاياتالمتحدة سيكون لها موقف آخر. ورغم أن هذا السيناريو لحسم أزمة الشرعية هو الأسوأ، يظل تدخل أي طرف خارجي عسكريا أمرا مطروحا، وفي مقدمة تلك الأطراف الولاياتالمتحدة، كما يرجح خبراء على إقدام روسيا، الحليف الأبرز لنظام مادورو بتحرك مماثل لتثبيت أركان حكمه. ختاما، يمكن القول إن التطورات ما زالت لم تؤت بأي تغيير في الواقع على الأرض حتى الآن، فالرئيس نيكولاس مادورو ما زال متمسكا بسلطاته، في حين يبقى الاعتراف الأمريكي سلاح جوايدو لانتزاع السلطة من براثن مادورو، بينما انقسم الفنزويليون في الميادين، ليؤيد قطاع منهم الرئيس الحالي، في حين اتجه قطاع آخر لتأييد رئيس البرلمان، في مشهد ربما ينذر بصراع أهلي لن يخلو بأي حال من الأحوال من تدخلات دولية، مما يرجح السيناريوهين الأول والرابع، وقد تعيد إلى الأذهان مآسي كبيرة شهدتها دول أخرى في العديد من مناطق العالم، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط.