«غاندى» يخرج الاحتلال البريطاني من الهند بحملات مقاطعة.. وأمريكا حظيت بخسائر فادحة من اليابان بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة المقاطعة.. والدنمارك خسرت مليارات في 2006 «خليها تصدى».. «خليها تعفن».. «خليها تحمض».. «خليها فى المصنع».. حملات مقاطعة انتشرت في الفترة الأخيرة، للاحتجاج على ارتفاع أسعار بعض السلع والمنتجات، بهدف الضغط على الجهات المعنية، من أجل خفض هذه الأسعار، الأمر الذى شهد أيضا حملات مضادة من أصحاب المصالح لوقف فاعلية وتأثير تلك الحملات، وما بين الحملات والحملات المضادة، تبقى التساؤلات حول مدى جدوى حملات المقاطعة، ومدى فاعليتها وتأثيرها في تخفيض الأسعار، سواء على المستوى المحلى أو المستوى العالمي. تعد ثقافة «المقاطعة» التي ظهرت مؤخرا، بمثابة سلاح تلجأ إليه الحملات الشعبية مع موجات ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ، بهدف الضغط لتحقيق مكاسب شعبية للمواطنين، ولا تقتصر حملات المقاطعة على الشأن المحلى فقط، وليست شرطا أن تكون موجهة من المواطنين تجاه تجار نفس الدولة، بل إن التاريخ زاخر بحالات المقاطعة وترصد «التحرير» أبرز حملات المقاطعة الناجحة التى أحدثت تأثيرًا على مر التاريخ ومن أبرزها ما حدث في إنجلترا عام 1791، عندما تمت مقاطعة منتجات شركات السكر التي تستخدم «الرقيق» للإنتاج، وأدت تلك المقاطعة إلى انخفاض المبيعات للثلث وأكثر، وعلى العكس تماما، ارتفعت مبيعات الشركات التي لا تستخدم الرقيق مما دعا محلات بيع السكر إلى أن تضع ملصقات تضمن أن منتجاتها صنعت بواسطة «رجال أحرار». مقاطعة المنتجات البريطانية وفى الهند لاقت دعوة الزعيم الهندي، المهاتما غاندي، لمقاطعة المنتجات البريطانية، نجاحا كبيرا، حيث إنه اعتبرها الطريقة المثلى لمقاومة الاستعمار الإنجليزي للهند، وكانت فكرة المقاطعة عند «غاندي» بسيطة للغاية، فقد رأى أن سلطة البريطانيين في الهند قائمة على تعاون جميع الهنود معهم، وإذا منع هذا التعاون فلن تستطيع قوات الاحتلال والحكومة الهندية الموالية لها البقاء. وقال غاندي وقتها كلمته الشهيرة: «كلوا مما تنتجون والبسوا مما تصنعون وقاطعوا بضائع العدو»، وتفاعل معه الهنود، واتفقوا على مقاطعة شراء أي منتجات تقوم بتصنيعها الشركات البريطانية داخل وخارج الهند، وهو الأمر الذي كبد الاحتلال خسائر مادية فادحة، واضطرهم للتفاوض معهم والانسحاب من بلادهم في 1947. خسائر أمريكا بعد الحرب العالمية فى عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية خرجت اليابان مدمرة اقتصاديا بشكل كبير بلا أي موارد، ورغم ذلك قاطع اليابانيون شراء السلع الأمريكية، لرفضهم الوقوع تحت قبضة الاحتلال الأمريكى، أو سيطرة الولاياتالمتحدةالأمريكية على مقدراتهم الاقتصادية، وتم تحجيم الاستيراد من الخارج وتشجيع الاستثمار والإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي الياباني ووصلت حدود هذه المقاطعة إلى مستوى جعل المنتج اليابانى يفرض نفسه عالميا حتى في الأسواق الأمريكية نفسها وأن تحقق فائضا في الميزان التجاري الياباني مع الولاياتالمتحدة. الملك فيصل وحرب أكتوبر في أعقاب حرب 1967، وحرب 1973، أعلن الملك فيصل، بعد قيام الحرب الأولى عن قيام المملكة العربية السعودية بمقاطعة اقتصادية، من خلال حظر البترول السعودي عن دولتى بريطانياوالولاياتالمتحدة، وعلى أثر نشوب حرب 1973 تزعم حركة الحظر البترولي الذي شمل أغلب دول الخليج، فكان لهذا الحظر أثره في توجيه المعركة. الدنمارك وأزمة الرسوم المسيئة فى بداية 2006 عقب نشر صحيفة دنماركية رسوما كرتونية مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، قاطع عدد من الدول العربية والإسلامية المنتجات الدنماركية، مما تسبب في خسائر تقدر بملايين الدولارات للاقتصاد الدنماركي، حيث أدت المقاطعة لانخفاض مجمل الصادرات الدنماركية بنسبة 15.5% بين شهري فبراير ويونيو 2006، بينما هبطت صادرات الدولة الأوروبية للشرق الأوسط إلى نحو النصف، حسب الإحصاءات، التى تؤكد أن الصادرات لأكبر أسواق للدنمارك في العالم الإسلامي وهي السعودية انخفضت بما نسبته 40%، كما انخفضت بنسبة 47% في إيران، ثالث أكبر أسواقها في المنطقة، إضافة إلى دول أخرى، مما كلف الاقتصاد الدنماركي خسائر فادحة قدرت بمليارات. أزمة البيض بالأرجنتين وتعد تجربة مقاطعة الشعب الأرجنتيني تجار البيض، واحدة من أفضل الحملات التى قامت على أساس المقاطعة العلمية المبنية على الثقافة والفهم، وذلك بعدما تفاجئوا بارتفاع أسعار البيض، نتيجة اتفاق حدث بين التجار وأصحاب مزارع الدواجن لزيادتها في وقت واحد. اتخذ الأرجنتينيون قرارًا صعبا بعدم شرائه دون أن تكون هناك دعوة للمقاطعة، وبالفعل رفضت المتاجر هناك استقبال أى كميات جديدة من البيض، بسبب عزوف المستهلكين عنه، وهو ما تسبب في فساد كميات كبيرة منه، حيث اضطر بعدها التجار إلى الرجوع إلى السعر الأصلي قبل الزيادة، إلا أن المستهلكين استمروا في المقاطعة لتأديبهم، وهو ما دفع التجار إلى تخفيض أسعار البيض إلى نحو 75% من سعره الأصلي، مع تقديم اعتذار رسمي في الصحف. فى بداية 2014 شهدت السعودية حملة مقاطعة ضد إحدى شركات الألبان، بعد رفع أسعار منتجاتها بنسبة 10%، الأمر الذى تسبب بخسائر كبيرة للشركة وتراجعت عن هذا القرار. مصر وأزمة ارتفاع أسعار اللحوم وفي 2015، أطلق المصريون حملة مقاطعة تحمل اسم «بلاها لحمة» بسبب ارتفاع أسعار اللحوم، واستجاب لها عدد ليس بقليل من المواطنين بمختلف المحافظات، وهو ما دفع بعض الجزارين إلى وقف نشاطهم بشكل مؤقت، بينما اضطر البعض الآخر إلى مساندة الحملة حتى تنخفض الأسعار، لاستئناف عملية بيع اللحوم.