كاتبة، ناقدة وباحثة سينمائية . شاركت في تأسيس صحيفة الأسبوع المصرية وكتبت في مجالات عدة بها وشغلت منصب رئيس قسم الفن ونائب رئيس التحرير. Where do I begin?To tell the story of how great a love can be … صوت المغني الشهير آندي ويليامز يصدح بأغنية الفيلم الرومانسي الشهير "قصة حب" (1970) سيناريو إريك سيجال وإخراج آرثر هيلر، ليذكرنا بالفيلم الأكثر شهرة وعلامة للرومانسية في تاريخ السينما العالمية، ومن هذا المعنى صاحبته واحدة من أشهر مقطوعات الموسيقى التصويرية، ألفها الموسيقار الفرنسي "فرنسيس لاي" صاحب موسيقى أفلام "رجل وامرأة" (1966) إخراج كلود لولوش، بيليتيس (1976)، إخراج ديفيد هاملتون، بينما ظلت مقطوعته في فيلم "قصة حب" التي نال عنها أوسكار أفضل موسيقى تصويرية وجائزة جولدن جلوب، وترشحت للعديد من الجوائز العالمية المرموقة، رمزا لرومانسية الفيلم وللرومانسية عموما، حيث تم الاستدلال بها على المعنى الرومانسي في أعمال أخرى لاحقة في السينما والدراما التليفزيونية. Where do I begin?To tell the story of how great a love can be … صوت المغني الشهير آندي ويليامز يصدح بأغنية الفيلم الرومانسي الشهير "قصة حب" (1970) سيناريو إريك سيجال وإخراج آرثر هيلر، ليذكرنا بالفيلم الأكثر شهرة وعلامة للرومانسية في تاريخ السينما العالمية، ومن هذا المعنى صاحبته واحدة من أشهر مقطوعات الموسيقى التصويرية، ألفها الموسيقار الفرنسي "فرنسيس لاي" صاحب موسيقى أفلام "رجل وامرأة" (1966) إخراج كلود لولوش، بيليتيس (1976)، إخراج ديفيد هاملتون، بينما ظلت مقطوعته في فيلم "قصة حب" التي نال عنها أوسكار أفضل موسيقى تصويرية وجائزة جولدن جلوب، وترشحت للعديد من الجوائز العالمية المرموقة، رمزا لرومانسية الفيلم وللرومانسية عموما، حيث تم الاستدلال بها على المعنى الرومانسي في أعمال أخرى لاحقة في السينما والدراما التليفزيونية. آندي ويليامز نفسه قدم أيضا أغنيته الشهيرة "Speak Softly Love" أو "تحدثي برقة يا حبيبتي" في فيلم "العرّاب" السلسلة التي بدأت في العام 1972 من إخراج فرانسيس فورد كوبولا الذي شارك في كتابة السيناريو مع ماريو بوزو عن الرواية التي تحمل نفس الاسم لسنة 1969، فارق كبير بين الأغنيتين في الفيلمين؛ لكنهما جاءا آندي ويليامز نفسه قدم أيضا أغنيته الشهيرة "Speak Softly Love" أو "تحدثي برقة يا حبيبتي" في فيلم "العرّاب" السلسلة التي بدأت في العام 1972 من إخراج فرانسيس فورد كوبولا الذي شارك في كتابة السيناريو مع ماريو بوزو عن الرواية التي تحمل نفس الاسم لسنة 1969، فارق كبير بين الأغنيتين في الفيلمين؛ لكنهما جاءا -على تباين حالتيهما- تعبيرًا عن اشتياق للحب المفقود في زمن مضغوط بتقاليده المثقلة بالمادية من ناحية وبالعنف من ناحية أخرى. كانت الموسيقى الشعبية في أمريكا أول السبعينيات لا تزال متأثرة بأجواء الستينيات التي راحت تنسحب رويدا رويدا، حتى أخذت موسيقى البانك تتشكل بنمطها الخاص، متأثرة بالتغيرات الاقتصادية في البلاد وطموحة بتطلعاتها للتغيير كما عبرت عنه فرق البانك في كلمات أغنياتها، وهي مختلفة عن الروك والبلوز في معاييرها وخصائصها، من هذا المنطلق عكست الموسيقى التصويرية في الأفلام؛ كمعادل مسموع للمشهد السينمائي، صورة التغيير الذي يحدث في الواقع الموسيقي، فبينما كانت السينما تستعين بالأغاني الشعبية في أفلام الستينيات واعتمدت على المطربين ذوي الشعبية الكبيرة مثل ألفيس بريسلي، ملك الروك آند رول وأحد أبرز الرموز الموسيقية، وكليف ريتشارد، أول فنان بريطاني يغني الروك أند رول، وفرق البيتلز وغيرهم، فإن هذه المرحلة شهدت أيضا موجة من أفلام الخيال العلمي الشهيرة كما على سبيل المثال لا الحصر، فيلم "أوديسا الفضاء 2001" للمخرج ستانلي كوبريك في العام 1968، وما صاحب هذه الأفلام من موسيقى ومؤثرات صوتية مثيرة تعبر عن حالتها الغرائبية، هذا غير الاجتياح الموسيقي للسينما مع انتشار ظاهرة الأفلام الموسيقية حينذاك مثل الفيلم الشهير "صوت الموسيقى" (1965) إخراج روبرت وايز، بطولة جولي آندروز وكريستوفر بلامر، عن مسرحية غنائية تحمل نفس الاسم وتحكي قصة الراهبة التي تركت الدير لتصبح مربية لسبعة أطفال لضابط بحري أرمل، والأمثلة كثيرة في هذا النوع السينمائي كما في فيلم آخر عن مربية مختلفة وهو "ماري بوبينز" (1964) إخراج روبرت ستيفنسون؛ لكن المربية هنا خارقة، تستخدم شمسيتها وقواها السحرية لحل مشكلات أسرة "بانكس" التي تعاني من البرود، ومن الأفلام الموسيقية إلى أفلام العميل السري "جيمس بوند"؛ تدشنت موسيقى تصويرية أخرى ارتبطت بإيقاع السرعة والتغيرات التكنولوجية التي استحوذت على العالم، وأصبح مونتي نورمان وجون باري، مؤلفا موسيقى سلسلة أفلام جيمس بوند منذ عام 1962؛ مؤثرين وملهمين لغيرهما من الموسيقيين في عالم التعبير الصوتي داخل الأفلام السينمائية. على هذا الأساس تبلورت موسيقى السينما في السبعينيات بإرهاصات جديدة مزجت بين التعبيري الحالم والإيقاع السريع المتجدد، الموازي لعصر جديد، لم ينس قديمه ولكنه يحاول أن يطور من حاله، ولعلني حين أشير إلى نموذجين مهمين مثل "قصة حب"، و"العراب"، أكون امتثلت بنموذجين شهيرين عن هذه المرحلة الثرية بالتقلبات الثقافية والفنية، نموذجان يحملان موسيقى استثنائية؛ تشعل الحماس العاطفي وتذهب بالخيال بعيدا. ما أسرع النهاية التي أخلت بالوعود وألقت بالغيم على قصة حب أوليفر (رايان أونيل) وجينيفر (آلي ماكجرو) في الفيلم مصنوع بالحب والشغف، كان العالم حين صدر الفيلم يمر بتحولات صعبة، برزخ من زمن ينسحب بأحلامه ومعتقداته؛ ليوسع لزمن آت بإغواءاته الهائجة، هذه النقلة جعلت الجمهور يتوق إلى موضوع رومانسي، قصة حب تكترث بالمشاعر الإنسانية والعواطف أكثر من الأمور المادية، وتستنسخ نوعا من الحالات الأسطورية التي تروض الخيال على السمو عن عثرات الواقع وتوحشه، لذا حين صدر للمؤلف الأمريكي إريك سيجال روايته "قصة حب" التي ترجمت إلى 33 لغة واقتبسها الفيلم فيما بعد، صارت الرواية هي القشة التي تشبث بها الكثيرون للطفو نحو حياة بديهية، كل شيء فيها يكون مختلفا ومؤتلفا، الشعور بالجمال الكامل الذي يبرهن على وجود المستحيل، تسلل هذا الشعور إلى مشاهدي الفيلم ولم يستطيعوا الفكاك من الانجذاب إلى هذا الحب البريء، النقي، المتحرر من فخاخ المال والجاه والحقد وادعاءات ما تُسمى بالعائلات الكبيرة، ربما تعرض الفيلم لبعض الانتقادات وقيل في وقت العروض الأولى للفيلم ونجاحه الجماهيري اللافت إنه فيلم للمراهقين، وإن هؤلاء المراهقين هم سبب إيراداته العالية والإقبال الشديد عليه، لأنه يخاطب وجدانهم البسيط، غير المكتمل، بقصة عصفت بهم نهايتها حين ماتت البطلة إثر إصابتها بمرض خبيث، وهي لا تزال في عنفوان شبابها، وكذلك في بداية زواجها من حبيبها الذي تحدى معها واقعهما المتعجرف ورفض عائلته الثرية زواجه من فتاة فقيرة، لكن هذا الانتقاد تحول إلى ريشة في مهب الريح مع تزايد الحضور على الفيلم، متسما بحضور من أعمار وطبقات مختلفة، مما ينفض فكرة المراهقة؛ إلا إذا كانت هذه المراهقة يمكن تعميمها مجازا على الجميع، بصرف النظر عن حقيقة أعمارهم، ويمكن تعميمها على أفلام خارج السينما الأمريكية اقتبست "قصة حب"، كما فعلت السينما المصرية حين قدمت "حبيبي دائما" (1980) بشيء من التغيير البسيط في السيناريو الذي كتبه رفيق الصبان وكوثر هيكل، وأخرجه حسين كمال من بطولة نور الشريف وبوسي، وموسيقى جمال سلامة التي اعتمدت على الحزن كتيمة عبر عنها البيانو كآلة موسيقية رئيسية، يصاحبها الكمان والعود والدرامز في تناغم هارموني، يعلو فيه صوت البيانو ويزيد من حالة الشغف. الشغف يظهر بشكل جلي في موسيقى الفيلم الأمريكي، فمؤلفها الموسيقار "فرنسيس لاي" أخذ من روح الحدث إلى مقطوعته، اكتسبت صياغاته اللحنية خصائصها من الفجيعة التي انتهت إليها قصة حب بطلي الفيلم، فأصبحت هذه الموسيقى هي عنوان الفيلم ودلالته، وصار "فرنسيس لاي" نفسه منهلا لأعمال رومانسية كثيرة تبعت لحنه واستمدت موسيقاها منه، الموسيقار الفرنسي، عازف الأكورديون الذي عُرف في خمسينيات القرن الماضي عازفا مع المغنية الفرنسية الشهيرة إديث بياف، ومؤلفا كتب لها نصيبا من أغنياتها، كما كتب لآخرين غيرها مثل، جوليت جريكو، بيتولا كلارك، إلا فيتزجيرالد، جوني هاليداي، فرانك سيناترا.. من هنا نتعرف على نزعته الرومانسية التراكمية التي تجلت في مقطوعته خلال الفيلم الذي يستهل أحداثه بنسق سردي لقصة الحب التي لم يمهلها الموت لتكتمل، فصارت نشيدا حزينا في أجواء ثلجية تلف البطل الذي يجلس وحيدا، يحاول أن يستجمع شجاعته ليحكي عن حبيبته ذات الخمسة وعشرين عاما التي ماتت، الجميلة، الذكية، التي كانت تحب موزارت وباخ والبيتلز و.. تحبه، تحاوط الموسيقى هذا الحبيب في هذا الفراغ الضبابي بثلوج كانت في البداية ناصعة مثل حبه الناصع، وصارت الآن أطلالا لذكرياته، يتخيل مشاهده مع حبيبته ويراوغ فكرة الفقد، لا أحد يمكن أن يضمد جراحه؛ حتى والده الذي يعتذر إليه؛ فيرفض منه هذا الاعتذار ويردد جملة حبيبته: "الحب ألا تقول آسف أبدا". يبكي البيانو بين الرقة واللين ثم الصراخ، الأصوات الناتجة عن لوحة المفاتيح ترافق كل نبض، لغة تعبِّر مباشرة عن الأحاسيس، توقظ مشاعر تعجز الكلمات عن وصفها، تضفي لمسة شاعرية واضحة، جعلت من الفيلم رمزًا للحب العصي، يأتي ويذهب كالبرق والصاعقة، قصته بسيطة وعميقة في ذات الوقت، تقول للحياة انتظريني، لكن الموت لا ينتظر.. تبدأ الموسيقى الهرمونية الحزينة بالتصاعد، فتمس وترًا في القلب، يترك الكثير من الإحساس بالوحدة والتلاشي في هذا الفضاء الثلجي، الرمادي، اللا نهائي، ومنه تظل الموسيقى راسخة في الوجدان كما سيظل سؤال الأغنية في الفيلم مفتوحا على الحيرة والأمل في ذات الوقت: Can love be measured by the hours in a day?I have no answers now (هل يمكن أن يقاس الحب بالساعة في اليوم؟ ليس لدي أي أجوبة الآن). بينما يبدو دائما "العراب" كما لو كان يمتلك الإجابة عن كل الأسئلة الوجودية، إذ إن هذه الثلاثية لها تأثيرها العميق على المستوى السينمائي أو الإنساني، وإن كانت حكايته تدور في عالم المافيا والعصابات الإيطالية في أمريكا، من خلال عائلة كورليوني، إحدى أقوى عائلات المافيا الإيطالية في نيويورك، لأنه يورط مُشاهده ويجعله شريكا معه في لعبة الاحتمالات، كأنه يجره إلى سيناريو الخوف والعبث في حياة تحفر الكمائن لتبتلع الخائفين والمتهورين معا، ثم يقول للمُشاهد: لننجو معا إذا ما استطعنا النجاة.. فلسفة الفيلم المقتبس عن رواية بنفس الاسم "العراب" للمؤلف ماريو بوزو؛ هي الوجود الإنساني بكل هلوسته وحنينه إلى لحظة يتمناها الحس البشري ليثبت أنه لا يزال ينتمي إلى الحياة، لحظة تشرق بالهدوء والبساطة وتصطفي الحب، ولعل هذا ما أدركه الموسيقار الإيطالي المعروف نينو روتا (3 ديسمبر 1911 في ميلانو - 10 أبريل 1979 في روما)، فغير أنه أضفى لمسته الإيطالية على أجواء الفيلم، فإنه أيضا تماهى مع الدراما بشكل مذهل وقدم مقطوعة هي نجمة الفيلم المرشدة إلى حكايته وعمقه الفلسفي، كأن الموسيقى تقف بين زمنين وتصنع عالمًا يطفو فوق الخيال، تتمازج فيه الآلات الوترية مع آلات النفخ؛ فتمنح أثرا نفسيا إضافة إلى الأثر الدلالي بأنغام متنهدة، حزينة، هادئة، منذرة كصوت الكلارنيت الموحي بالهشاشة والجسارة، بالحكمة والجنون، بالتلاعب في المصائر ثم الحنين إلى بعيد غامض؛ يلهث القلب في أعقابه، هكذا استهلت المقطوعة الموسيقية بخصوبة لحنية، ترسم مدخلها إلى أحداث الفيلم وحالته وتصوغ انفعالات الغضب، الخوف، الحب والألم، يتموج الكلارنيت ما بين استهلاله الهادئ ثم تعلو أنغامه وتسانده آلة المندولين الوترية، يتداخل معها الأكسيلوفون بإيقاعه المميز، وما إن ينتهي حتى يدخل الفلوت، درامز بإيقاع مترقب ثم تتداخل مرة أخرى المندولين، يتبعها الجيتار والكمان بصوت أقرب إلى طبيعة الصوت البشرى، فيكتمل إيقاع المقطوعة الموسيقية بهذا المزج الوتري، مؤكدا حالة الولع الغامض في الحكاية، ويبدو كما لو أنه يستعيد إلى الجسد شحنة الكهرباء، يزداد الإحساس بذلك حتى تستعر حمى الاستنهاض في الأوركسترا كلها، فينهال سيل النغمات الهائجة؛ كفيل بأن يجرف الجميع إلى بر الذكريات البعيدة، وحين تهدأ أو توحي بذلك، يعود الكلارنيت ليوقظ الآلات الأخرى من جديد ولا ينسى الكمان الذي يحسم حالة الولع المرتبك. عند ذروة كل حدث داخل الفيلم، استخدمت آلات النفخ لتصعيد هذه الأحداث وإعطاء أهمية للصورة أو الحدث الذي نشاهده، الموسيقى شدت انتباه المتفرج أكثر من مرة، وأسهمت في تشكيل جزء ما من وجدانه؛ جزء يجعله لا ينسى "العراب" الذي تعلم منه أن الحياة هي اسم ذلك النصر المتحقق على الموت، فكرة وموضوعا، تلك الأنغام المتسربة قد تشعرك بأنّك "دون فيتو كورليوني"، مارلون براندو، زعيم العائلة، وأنت لست كذلك، لكنك تتورط معه عاطفيا دون قصد وتتماهى مع حمايته لعائلته، وجدانية هذه الموسيقى تترك أثرها وجمالها ليشعر بها أي مستمع، بلا شرط الدراسة والاحتراف والتخصص، لها فلسفتها ولها كذلك شفافيتها ورهافتها التي تجذب الروح، وهذا سبب من أسباب عظمتها وخلودها حتى هذه اللحظة، ويكفي أن مجرد حضورها يستدعي الفيلم بخفة تسمح حتى بارتجال جمل من حواره الكلاسيكي، كأنها ظل مقطوع من شجرة الفيلم الكبيرة.. الموسيقى تجدد الإحساس بالفيلم ومعانيه المضمرة في آلة نفخ أو أخرى وترية، وهو ما صنعه الموسيقار "نينو روتا" بألحان وقفت عند تخوم الخيال والواقع، فكانت سببا في ترشحه لجائزة الأوسكار ضمن 11 جائزة أخرى ترشح لها الفيلم، فاز بثلاث منها الموسيقى، صحيح أنه لم يفز بها عند الترشيح الذي تم سحبه منه في الجزء الأول لتمنح لفيلم آخر، لكنه فاز بها مع الجزء الثاني.