150 عامًا مرّت على تنظيم عرض أوبرا "عايدة" لأول مرة، بفضل الخديو إسماعيل، والذي عهد إلى إلى الإيطالي فيردي بوضع موسيقاها، والفرنسي أوجوست مارييت بكتابة السيناريو بينما تشهد القاهرة مرحلة حضارية جديدة، من أهم ملامحها الازدهار العمراني الكبير في عصر الخديو إسماعيل باشا، ويتم تخطيطها على نمط أوروبي أنيق، بميادينها الفسيحة، وشوارعها الواسعة والتي تعمها الأشجار والنخيل، بالإضافة إلى مشاريعه التنموية، وعلى رأسها إتمام مشروع قناة السويس الذي تستعد البلاد لحفل افتتاحها؛كان حاكم البلاد أيضًا يهتم بالنهضة الفنية، فبعدما أنشأ المسرح الكوميدي في طرف الأزبكية عام 1868، أمر بإنشاء دار الأوبرا الخديوية، وتم ذلك في أول نوفمبر 1869 على يد المعماريين الإيطاليين بيترو أفوسكاني وماريو روسي. وحينما أمر الخديو بتنفيذ العمل، اقترح عليه العالم الأثري الفرنسي أوجوست مارييت، اختيار قصة من صفحات التاريخ المصري القديم، تصلح كنواة لمسرحية شعرية تقدم في الأوبرا، فوافق على اقتراحه، وعليه قضى مارييت ستة أشهر في صعيد مصر، ينسخ بمنتهى الدقة نقوشًا وتفاصيل فنية على صفوف أعمدة المعابد، كي يستفيد منها وحينما أمر الخديو بتنفيذ العمل، اقترح عليه العالم الأثري الفرنسي أوجوست مارييت، اختيار قصة من صفحات التاريخ المصري القديم، تصلح كنواة لمسرحية شعرية تقدم في الأوبرا، فوافق على اقتراحه، وعليه قضى مارييت ستة أشهر في صعيد مصر، ينسخ بمنتهى الدقة نقوشًا وتفاصيل فنية على صفوف أعمدة المعابد، كي يستفيد منها في إخراج عمله ليكون الأقرب علميا للطبيعة الفنية للنص التاريخي. بدأ مارييت في وضع سيناريو مستوحى من التاريخ المصري القديم وأطلق عليه اسم "عايدة"، التي حار البعض في تحديد صاحبها، وكثيرًا ما طرحت التساؤلات عن كاتبها، أهو "مارييت" أم كميل دي لوسيل الذي ظهر اسمه كثيرًا على المسودات المبدئية لأوبرا عايدة، أم الإيطالي أنطونيو جيسلانزوني، حتى ظهرت بعض المراسلات التي تمت بين مارييت وزوجته، وبينه وبين أصدقائه، وكذلك بعض تصريحات درانيت بك (أول مدير للأوبرا الخديوية)، ليؤكد كل ذلك أن صاحب عايدة هو مارييت، وفي 30 مارس 1880، صرحت الصحف الإيطالية بأنه هو بالفعل. كتب مارييت السيناريو وصمم الملابس وديكورات العرض فضلا عن وضع الخطوط العريضة لإخراج العمل الفني، واختار اسم "عايدة" عنوانًا لعمله لما يحمله الاسم من دلالة مصرية، كما استلهم أحداثها من تاريخ مصر القديم، مانحًا نفسه حرية التحرك في سرد أحداثها دون التقيد بفترة زمنية محددة، على الرغم من اتجاه البعض إلى ربط الأحداث بفترة حكم الملك رمسيس الثالث، بينما قام الشاعر الإيطالي جيالا نزوك بنظم أشعار القصة. وقصة أوبرا عايدة تجسد صراعًا بين الواجب والعاطفة، وتروي قصة أميرة إثيوبية أسيرة في مصر، تصبح وصيفة ل"آمنيريس"، ابنة الملك الفرعون، وتقع الفتاتان في حب رجل واحد "راداميس"، القائد الحربي المصري، الذي يبادل "عايدة" حبا كبيرا، إلا أن الأمور تفسد نتيجة اندلاع حرب بين مصر والحبشة، وتنتصر مصر ويطلبون من "راداميس" الزواج من ابنة الفرعون مكافأة له على الانتصار، فيسعى إلى الهرب مع حبيبته "عايدة"، ويفشي بعض الأسرار العسكرية لها دون قصد، فيعتبرونه خائنًا لواجبه العسكري ويحكم عليه بالدفن حيا، وتلحق به "عايدة" وتموت بين ذراعيه في قبرهما. وعهد الخديو إسماعيل إلى الموسيقار الإيطالي فيردي بوضع موسيقى عرض "عايدة" المكون من 4 فصول، وبدوره طلب 4000 آلاف جنيه إسترلينيا، و6000 إذا طلب منه الذهاب لمباشرة البروفات والتنفيذ، وقِبل الخديو دفع ثمن تأليف المقطوعة فقط، ظنا منه أن تنفيذ الأوبرا أمر سهل، ولكن سرعان ما أيقن ضرورة وجود المؤلف، ولكن فيردي رفض حضوره خوفًا من الرحلة، وحين وجد إسماعيل ضرورة وجوده، دفع له 150 ألف فرانك من الذهب دفعة واحدة، وفقًا للمؤرخ الفرنسي روبير سوليه في كتابه "مصر ولع فرنسي". وفي أثناء العمل على إعداد "عايدة"، كان العمل مستمرا في بناء دار الأوبرا الخديوية، التي استغرق تشييدها نحو ستة أشهر، وتكلف بناؤها مليونا وستمئة ألف جنيه، ومع قرب افتتاح قناة السويس فوجئ الجميع بأن "عايدة" لن تدخل في برنامج الحفل، لأنها تستلزم الكثير من الإعداد نظرًا لضخامة إنتاجها، فاختيرت معزوفة "ريجوليتو" لفيردي، لكي تكون أول معزوفة أوبرالية تُقدّم في الأوبرا الخديوية في 1 نوفمبر 1869. وانتهت الاحتفالات بافتتاح قناة السويس، إلا أن الجميع كان ينتظر بشغف عرض "عايدة"، وبالفعل تحدد موعد عرضها في نهاية عام 1870، ولكن حدث اضطراب مفاجئ في الخطة بسبب القلق السياسي في أوروبا، حتى تم تقديم عرض "أوبرا عايدة" في افتتاح عالمي في دار الأوبرا في 24 ديسمبر العام 1871، لتحقق نجاحًا باهرًا، وتُعرض عقب ذلك في ميلانو بإيطاليا، وفي باريس، وفي كل أنحاء أوروبا، ليُشاهد العالم أجمع ملحمة فنية عن عظمة مصر. ولم يكن الحضور المصري في أثناء مشاهدتهم ل"عايدة" يرتدون الجبة والقفطان كرجال مصر في هذا العصر، وإنما كانوا يرتدون "الفروك كوت" زي الحفلات الرسمي الإنجليزي والفرنسي، وألهمت "أوبرا عايدة" الكثير من الموسيقيين وكتّاب المسرح لوضع أعمال مستوحاة من تاريخ مصر القديم، مثل الموسيقي الفرنسي فيكتور ماسييه في "ليلة كليوباترا" عام 1884، والكاتب المسرحي فيكتوريان ساردو في "كليوباترا" عام 1890. واستمر تقديم "أوبرا عايدة" سنويا على مسرح دار الأوبرا الخديوية، حتى احترقت بالكامل عام 1971، وشهدت منطقة الأهرامات أضخم إنتاج للعرض عام 1987، عندما شارك فيه 1600 فنان على مسرح مساحته 4300 متر مربع، وحضره 27 ألف متفرج واستمر تقديمه على مدار ثماني أمسيات متتالية، كما قُدّمت عروض "عايدة" عام 1994 أمام معبد حتشبسوت في الدير البحري بالأقصر متخذة من عمارة المعبد خلفية لها، وما زالت تجتذب عروض أوبرا عايدة في مصر والعالم الكثير من الجمهور، وآخر عروضها أُقيم بمنطقة الأهرامات بعد غياب 10 سنوات مارس 2018.