المفكر اللبنانى د.خالد زيادة: إهمال الفنون يفسح المجال أمام ظهور الثقافات المتطرفة والمتشددة.. ولن تفلح مبادرات مواجهة الإرهاب إلا بعد النهوض بالمؤسسات الدينية جمع المفكر اللبنانى خالد زيادة بين ثقافات وخبرات مختلفة، حيث قضى 9 سنوات كاملة بين ثنايا دوائر الفكر والمثقفين فى مصر، بحكم منصبه سفير لبنان فى مصر، والمندوب الدائم فى جامعة الدول العربية، نجح فى تطويعها فى إصدار العديد من المؤلفات والكتب، من بينها «الكاتب والسلطان.. من الفقيه إلى المثقف» و«لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب» وغيرها من الكتب. لم يستسلم «زيادة» -الحائز على درجة الدكتوراه فى الفلسفة والأدب فى جامعة السوربون فى باريس- لعباءة الدبلوماسية التى ارتداها لسنوات. استطاع زيادة تغيير المفهوم التقليدى للدبلوماسى، حيث أولى خلال فترة وجوده فى أروقة القنصلية اللبنانية فى مصر اهتمامًا كبيرًا بالعلاقات الثقافية بين البلدين، ما منحه بجدارة لقب «سفير القطرين»، نظرًا لمكانته بين جمهور الأدباء والأكاديميين والسياسيين. خرج «زيادة» من رحم دولة شهدت استطاع زيادة تغيير المفهوم التقليدى للدبلوماسى، حيث أولى خلال فترة وجوده فى أروقة القنصلية اللبنانية فى مصر اهتمامًا كبيرًا بالعلاقات الثقافية بين البلدين، ما منحه بجدارة لقب «سفير القطرين»، نظرًا لمكانته بين جمهور الأدباء والأكاديميين والسياسيين. خرج «زيادة» من رحم دولة شهدت صراعات ومعارك، كان أغلبها طائفى، كما عاصر تقلبات سياسية وأحداثًا مضطربة شهدتها مصر خلال فترة توليه منصب سفير لبنان لدى مصر، فتأثر بثقافتين مختلفتين شكلا جانبًا كبيرًا من أطروحاته ورؤيته فيما يتعلق بقضية الإرهاب. لم تخل كتابات ومؤلفات ودراسات المفكر اللبنانى -الذى ولد فى الشمال اللبنانى وبالتحديد فى طرابلس عام 1952- من المطالبة بضرورة وجود مشروع عربى جامع لمواجهة الأفكار المتطرفة، ودعوة العرب لصناعة أفكارهم، والعودة إلى التاريخ، نظرًا لتأثره بالأحداث التى شهدها لبنان على مدى تاريخه، وما عاصره فى مصر خلال فترة وجوده. كان للمفكر اللبنانى -خلال حواره مع «التحرير» وجهة نظر فيما يتعلق بالنظرة إلى قضية الإرهاب، التى يعانى منها بعض البلدان العربية، حيث دعا إلى عدم التفاعل معها بمنظور ضيق، فهو يرى أن تلك القضية يجب التعامل معها بصورة شاملة، وربطها بتأخر التعليم وتدهور المؤسسات التربوية، والتراجع فى الإنتاج والإبداع العلمى وإهمال تعليم الفنون، وما تشمله أيضًا من إخفاقات تنموية وبطالة وأزمات الهجرة والنزوح من الأرياف، فكل هذا يفسح المجال أمام الثقافة المتطرفة والمتشددة. ويعول صاحب «المدينة العربية والحداثة»، الكثير على الثقافة فى مواجهة الإرهاب، باعتبارها أحد الأركان الرئيسية فى تلك القضية، مؤكدا أنه لن يتحقق ذلك إلا من خلال التفكير فى إصلاح جذرى للمناهج المدرسية من أجل تربية النشء على ثقافة السلام والتعدد واحترام الآخر والقيم الإنسانية العامة، وكذلك لا بد من إصلاح مناهج التدريس فى المعاهد الدينية بالتشديد على قيم الإسلام التى تدعو إلى الخير والتسامح واحترام النفس البشرية. يقول «زيادة» فى إجابة عن تساؤلنا حول ما إذا كانت دعوات بعض المثقفين العرب قد نجحت فى إقامة مشروع عربى جامع، إن هناك فكرة لعقد قمة عربية ثقافية على غرار القمة العربية الاقتصادية، إلا أن الثقافة لا يمكن أن تقتصر على الطابع الرسمى، قبل أن يشير إلى ضرورة أن يتم دعوة رجال الفكر والثقافة، وأن يتم تكوين لجان تتوزع على الآداب والتراث والفنون واللغة على سبيل المثال، كما أن هناك ضرورة للتفكير بواقع الثقافة واللغة العربية. يرى المفكر اللبنانى أن هناك ضرورة حتمية وملحة لعقد مثل هذه اللقاءات، لأنها لا تهدف فقط إلى الاعتناء بالثقافة على ضوء المناهج الحديثة، لكن أيضًا من أجل الوقوف فى وجه الاتجاهات المتطرفة والإرهاب. يكمل حديثه: «أعتقد أن تأخر التعليم بل تدهوره هو من أسباب تأخر المجتمعات، وسبب أساسى للأزمات التى تواجهها، فهناك دول -ليس لديها ثروات طبيعية- ترى أن الاستثمار الأساسى فى الإنسان وفى التعليم خصوصًا، وأشير بذلك إلى الدول الآسيوية مثل كوريا وماليزيا». ويرى «زيادة» أنه لكى تتم مواجهة الإرهاب والنهوض بالتعليم، فإن ذلك لن يفلح إلا بالنهوض بالمؤسسات الدينية، كونها مهمة أساسية وخطوة رئيسية فى إطار إحداث التطور الشامل فى المنظومة. بشكل أو بآخر، يقول صاحب كتاب «لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب»، إن فى كل عصور التاريخ، نجد أن الأفكار هى التى تغير المجتمعات، ورجال الفكر هم الذين يصيغون التصورات التى تتحول إلى برامج، واليوم يمكننا أن ندرج المشتغلين بالفلسفة والعلوم الإنسانية والاجتماعية ضمن رجال الفكر، ويمكننا أن نقيم الدليل على المدى الذى لعبه هؤلاء جميعًا فى تقدم الإنسانية وحقوق الإنسان والمفاهيم السياسية ودراسات الثقافة والمجتمع. لم يخف المفكر والدبلوماسى اللبنانى اندهاشه من التأخر فى إنتاج الأفكار التى تخص المجتمعات العربية، والإنتاج فى مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، وأرجع السبب فى ذلك لعدة أسباب، أبرزها الاتجاه نحو التخصصات النافعة كالطب والهندسة، والانصراف عن الدراسات الإنسانية والاجتماعية، إلى درجة النظر بالدونية إلى هذه العلوم، ونتج عن ذلك الاعتقاد بأن هناك علومًا ضرورية، خصوصًا فى مرحلة البناء الوطنى، فكانت السلطات الحاكمة تشجع ذلك، ولا تولى العلوم الإنسانية والاجتماعية اهتمامًا، قبل أن يعود ليؤكد أن ثمة حذرًا من العلوم ذات الطابع الفكرى والتحليلى، وهو حذر تشترك فيه السلطات والجهات المحافظة على حد سواء. أما فى موضوع القراءة، فلا شك أن نسبة القراء العرب هى من بين أدنى النسب فى العالم، وهذا الأمر يعود لأسباب عديدة، منها انتشار الأمية وعدم وصول الكتاب وسوء التوزيع، ومن جهة أخرى انصراف القراء عن الموضوعات السياسية على سبيل المثال، بالمقابل نجد أن الرواية تحرز تقدمًا فيما يتعلق بنسب القراءة، خصوصًا أن الرواية تغطى موضوعات شتى ومجالات متعددة، فهناك الرواية الاجتماعية والبوليسية والتاريخية وغير ذلك، أى أنها تخاطب حساسيات مختلفة، وتستجيب لرغبات قراء منوعين. يكمل -والحديث هنا لأستاذ الفلسفة- أن تأثير الكتب خصوصًا الفكرية منها لا يعود إلى عدد القراء، إنما يرجع إلى ما تحمله من جديد وعميق ومبتكر، فلو رجعنا إلى التاريخ، خصوصًا إلى القرن الثامن عشر الأوروبى، نجد أن تأثير مؤلفات فولتير وروسو كان كبيرًا على الرغم من قلّة عدد القرّاء فى تلك الحقبة من الزمن. لقراءة باقي سلسلة الحوارات: «أفكار ضد الرصاص»| الحمادي: «نواجه التطرف بالتنوير» «أفكار ضد الرصاص»| عبد المجيد: التعليم «مربط الفرس» «أفكار ضد الرصاص»| «حوامدة»: التنويريون مضطهدون