ماكرون: بوتين لا يريد السلام بل يريد الاستسلام مع أوكرانيا    اهتمام أمريكى مفاجئ بالسودان.. لماذا الآن؟    في غياب الأهلي.. فتح باب حجز تذاكر الجولة الثالثة للدوري    الرمادى: محمد السيد من مصلحته التجديد للزمالك.. وفتوح لا يستحق البيع    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    في الظهور الأول لمودريتش.. ميلان يهزم باري ويتأهل للدور الثاني لكأس إيطاليا    عامل يدعى سرقة ابنه مبلغا ماليا للتوصل لمكان اختفائه بالحوامدية    السكة الحديد: تشغيل القطار الخامس لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    أمسية دينية بلمسة ياسين التهامى فى حفل مهرجان القلعة    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    «الأداء والعقود والصفقات».. اجتماع هام بين الخطيب وريبيرو في الأهلي (تفاصيل)    مصطفى محمد يشارك في خسارة نانت أمام باريس سان جيرمان بانطلاق الدوري الفرنسي    انطلاق دورة تدريبية لمديري المدارس بالإسماعيلية    زلزال قوي يضرب ولاية تبسة شرقي الجزائر    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    قرار هام بشأن البلوجر «شاكر محظور دلوقتي» في اتهامه بقضية غسل الأموال    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في واقعة مطاردة طريق الواحات    لاريجاني: إسرائيل كانت تراهن على عزلة إيران    جوزيف عون: عدم الموافقة على «الورقة الأمريكية» تعني عزلة لبنان    4 أبراج «مرهقون في التعامل»: صارمون ينتظرون من الآخرين مقابل ويبحثون عن الكمال    منى عبد الغني تنعي تيمور تيمور: «عاش بطلًا ومات شهيدًا في سبيل إنقاذ ابنه»    الاحتجاجات في إسرائيل محدودة التأثير وحكومة نتنياهو لا تصغي للشارع|خاص    حماية المستهلك: نلمس استجابة سريعة من معظم التجار تجاه مبادرة خفض الأسعار    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    عيار 21 الآن في الصاغة.. سعر الذهب اليوم الإثنين 18 أغسطس بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الاثنين 18 أغسطس 2025    رغم وفاته منذ 3 سنوات.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    فاجعة وفاة تيمور تيمور.. 10 إجراءات بسيطة قد تنقذ حياتك من الغرق    وزارة الأوقاف تنفي شائعات بدء التقدم لمسابقة العمال والمؤذنين    حماية المستهلك عن البيع الإلكتروني: تعديل قانوني مرتقب يُشارك شركة الشحن مسئولية الغش التجاري    هزة أرضية بشدة 5.8 درجات تضرب شمال شرق الجزائر    القيادة السعودية تعزي باكستان في ضحايا الفيضانات    قلق بشأن الأوضاع المادية.. توقعات برج الجدي اليوم 18 أغسطس    وائل القباني عن انتقاده ل الزمالك: «ماليش أغراض شخصية»    وزير قطاع الأعمال يشهد حفل تخرج دفعة جديدة من كلية الدراسات العليا في الإدارة بالأكاديمية العربية    تحقيقات موسعة في واقعة مقتل لاعبة الجودو على يد زوجها ب الإسكندرية    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    أمينة الفتوى توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    جراحة دقيقة تنقذ أنف طفلة من تشوه دائم ب"قها التخصصي"    الهباش: قرار وقف الحرب بيد الإدارة الأمريكية وإسرائيل تهدد استقرار المنطقة    4 ملايين خدمة صحية مجانية لأهالي الإسكندرية حملة 100 يوم صحة    4 ملايين خدمة صحية مجانية لأهالى الإسكندرية ضمن حملة 100 يوم صحة    الرئيس.. من «جمهورية الخوف» إلى «وطن الاستقرار»    صور | «العمل» تجري اختبارات للمرشحين لوظائف بالأردن في مجالات الزراعة    إطلاق حملة «إحنا مصر» لترويج وتعزيز الوعى السياحى لدى المواطنين    جامعة بورسعيد تطلق مبادرة كن مستعدا لإعداد الشباب لسوق العمل    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    حلاوة المولد، طريقة عمل السمسمية في البيت بمكونات بسيطة    المفتي السابق يحسم جدل شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رجيم صحي سريع لإنقاص الوزن 10 كيلو في شهر بدون حرمان    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر د‏.‏خالد زيادة سفير لبنان بالقاهرة‏:‏
معرفتي بثقافة مصر وتاريخها سهلت مهمتي الدبلوماسية

الحوار مع مفكر عربي بحجم د‏.‏ خالد زيادة سفير لبنان بالقاهرة ومندوبها الدائم بالجامعة العربية‏,‏ لا يخلو من فائدة ومتعة‏,‏ فالرجل قارئ جيد للتاريخ‏:‏ الناس والأمكنة‏,‏ فضلا عن اهتمامه بالدراسات المتعلقة بالعلاقة بين الحضارتين الإسلامية والغربية‏,‏ وممارسته الإبداع من بوابة الرواية‏.‏
وكانت مناسبة احتفال لبنان بيومها الوطني‏21‏ نوفمبر فرصة للقائه‏,‏ والتعرف علي رؤيته لواقع مصر وثقافتها باعتباره مثقفا قبل أن يكون سفيرا‏,‏ ودار حوار طويل علي امتداد ساعتين عن العلاقات المصرية اللبنانبة‏,‏ واسهامات أبناء لبنان في النهضة الثقافية التي حققتها مصر مطلع القرن الماضي‏,‏ ورؤيته لواقع الدور الثقافي المصري حاليا‏,‏ وأسباب تراجعه عربيا‏,‏ ما تطرق الحوار إلي مؤلفاته‏,‏ وأسباب حلول الرواية مكان الشعر كديوان للعرب‏,‏ وأشياء أخري تطالعونها في الحوار التالي‏:‏
‏*‏ كيف ترون العلاقات المصرية اللبنانية بعد‏25‏ يناير‏,‏ سلبيا وايجابيا؟
‏**‏ علاقات لبنان ومصر مستقرة منذ زمن بعيد ولم تشهد في أي وقت تأثيرات سلبية‏,‏ بل الواقع أن التبادل بين لبنان ومصر في المجالات المختلفة كان الأقوي بين بلدين عربيين‏,‏ وخصوصا في الجانب الثقافي‏,‏ وإذا كانت مصر قد تغيرت بعد ثورة‏25‏ يناير‏,‏ فإن ذلك قد يؤثر ايجابيا علي العلاقات بين البلدين‏,‏ وتأتي زيارة وزير الخارجية المصرية إلي لبنان قبل أيام قليلة لتؤكد ذلك‏.‏
‏*‏ العلاقات الثقافية بين البلدين‏,‏ ألستم معي أنها مرت بحالة من الفتور؟
‏**‏ العلاقات الثقافية بين مصر ولبنان قديمة كما هو معروف‏,‏ ودون العودة إلي التاريخ القديم يكفي أن نعود لبدايات النهضة العربية التي كانت في مصر ولبنان علي السواء‏,‏ حيث استعان محمد علي باشا بخبراء وإداريين من لبنان في النصف الأول من القرن التاسع عشر‏,‏ وفي النصف الثاني من القرن وفد إلي مصر العديد من اللبنانيين وعملوا في الصحافة والآداب والفكر والحياة الفنية التي شهدت منارات بارزة في المسرح والسينما والغناء‏.‏
وقد صارت مصر منذ ثلاثينيات القرن العشرين مركزا للثقافة العربية والفكرية والأكاديمية‏,‏ فكان الطلاب يأتون إلي القاهرة للدراسة من كل الأقطار العربية‏,‏ وشع تأثير مصر علي كل العالم العربي بعدما دانت الريادة لها في كل المجالات الفكرية والثقافية والفنية‏,‏ إلا أن هذه الريادة تراجعت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين‏,‏ وما يمكن قوله الآن إن تأثير مصر لم يعد كما كان في السابق‏,‏ والتبادل بين مصر وسائر البلاد العربية قد تراجع‏,‏ ويعود ذلك إلي أن كل بلد عربي أصبحت له حياة ثقافية تعكس مشكلاته وهمومه وحياة أكاديمية قائمة بذاتها‏,‏ وهذا نتاج قيام دول وطنية وارتباط الثقافة والفكر بالمسائل المتعلقة ببناء الدولة‏,‏ ومع ذلك فيمكن القول بكل يقين إن بيروت والقاهرة هما عاصمتا الثقافة العربية‏,‏ وأن التبادل بينهما وإن فتر بالمقارنة مع الماضي‏,‏ فالتواصل مازال قائما‏,‏ ونأمل أن يتسع التعاون الثقافي خصوصا بعد التطورات التي شهدتها مصر خلال السنتين الماضيتين‏.‏
‏*‏ عرفناكم كاتبا ومفكرا قبل أن نعرفكم سفيرا دائما لبلادكم في الجامعة العربية ومصر فماذا قدم المفكر للسفير والسفير للمفكر؟
‏**‏ يقيني أن تجربتي كسفير للبنان في مصر هي تجربة غنية علي المستوي الفكري والانساني‏,‏ ومعرفتي المسبقة بثقافة وتاريخ المصريين سهلت مهمتي الدبلوماسية في مصر‏,‏ فقد كنت متابعا لفترات طويلة لكل ما يجري في مصر‏,‏ إضافة إلي معرفتي بتاريخها‏,‏ ولدي كتاب بعنوان العلماء والفرنسيس يضم دراسات عن تاريخ الجبرتي‏,‏ وخلال وجودي في مصر خلال
السنوات الخمس السابقة ازدادت معرفتي بالحياة الثقافية والسياسية‏,‏ من جهة أخري فأن عملي كسفير في جمهورية مصر العربية‏,‏ كمندوب للبنان في جامعة الدول العربية قد أغني تجربتي‏,‏ وأضاف لي فهما واقعيا للمشكلات السياسية التي يمر بها العالم العربي‏.‏
‏*‏ كانت المؤثرات الفرنسية علي الدولة العثمانية في القرن الثامن عشر موضوع أطروحتكم لنيل درجة الدكتوراه‏,‏ فهل نفهم من ذلك أن تأثير الحداثة الأوروبية علي العالم العربي والإسلامي كان أسبق من حملة نابليون علي مصر؟
‏**‏ درج التفكير التاريخي العربي علي اعتبار حملة نابليون بونابرت بداية للاحتكاك العربي بالحداثة الأوروبية‏,‏ فقد تعرف الأتراك العثمانيون علي حداثة أوروبا في بداية القرن الثامن عشر‏,‏ وسعي السلاطين العثمانيين إلي استيعاب التطورات العلمية والعسكرية‏,‏ وفي عام‏1789‏ م صعد إلي عرش السلطنة سليم الثالث الذي أقام مشروعا متكاملا للتحديث العسكري والإصلاح المالي‏,‏ ومن المفيد التفكير بإن هذا السلطان هو الذي أرسل محمد علي إلي مصر بعد الحملة الفرنسية‏,‏ ومن هنا فإن محمد علي كان علي دراية بالاصلاحات التي أجراها السلطان قبل أن يتصرف إلي ما أحدثه الفرنسيون في مصر‏.‏
إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية التجربة التحديثية في مصر‏,‏ فالتجربتان التحديثيتان في كل من الدول العثمانية ومصر تختلفان من بعض الوجوه وتلتقيان في وجوه أخري‏,‏ وهذا ما أسعي إلي معالجته في كتاب جديد سيصدر خلال السنة المقبلة‏.‏
‏*‏ في كتابكم تطور النظرة الإسلامية إلي أوروبا نقبتم في تاريخ وبداية الوعي بالعلاقات بين العالم الإسلامي‏,‏ فكيف تقومون انعكاس تأخير البداية علي العلاقة بين الطرفين؟
‏**‏ هذا الكتاب محاولة لفهم أصول العلاقات الإسلامية الأوروبية عبر التاريخ المديد الذي يزيد علي ألف سنة‏,‏ ودوافعي إلي تأليفه هي التعقيدات التي طرأت علي علاقات العرب والمسلمين بأوروبا والغرب عامة‏,‏ فالجوار العربي الأوروبي جوار فريد في التاريخ والجغرافيا‏,‏ والتبادل بين هذين العالمين المتجاورين أخذ مدا وجزرا من تبادل البضائع إلي الأفراد إلي العلوم وإلي تبادل الحروب والسلام‏,‏ فهو تاريخ مثقل بالذكريات والأفكار المسبقة‏,‏ وقد جاء التفوق الأوروبي في العصر الحديث‏,‏ ثم الاستعمار ليعيد ذكريات الحروب الصليبية‏,‏ ويبرز أفكار المؤامرة الغربية علي الإسلام‏.‏
والكتاب محاولة لاستعراض مراحل تطور النظرة الإسلامية منذ البدايات وحتي العصر الراهن‏,‏ وينبغي التذكير بإن أوروبا في العصور الوسطي لم تكن تتوحد إلا من خلال المسيحية‏,‏ ولم تكن لها هوية سياسية بعد تفكك الامبراطورية الجرمانية‏,‏ ولكن مع الحروب الصليبية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين أطلق المسلمون علي هؤلاء القادمين من أوروبا اسم الفرنجة‏,‏ الذي أصبح مرادفا للأوربيين‏,‏ وهم شعوب مختلفة من جهة القومية‏,‏ ومتوحدة من الناحية الثقافية والحضارية والدينية‏.‏
هذا التاريخ القديم يثقل علي الحاضر‏,‏ وبعد فترة من الإعجاب بحضارة أوروبا وحداثتها انقلب الإعجاب إلي عداء‏,‏ ونحن لا نزال في هذه المرحلة بالرغم من تأثرنا بحضارة أوروبا والغرب عامة‏.‏
‏*‏ نستشف لديكم ميلا لتناول علاقة الثقافة والتبادل الفكري بين العالم الإسلامي وأوروبا‏,‏ وفي تقديري أن التبادل لا يكون إلا بين نظيرين‏,‏ فهل تري وجود لغة حوار حقيقية تؤدي لهذا التبادل؟
‏**‏ التبادل مسألة متشعبة للغاية ونحن نعيش اليوم في عالم متداخل تتم فيه التبادلات علي كل المستويات من المواد الخام الي البضائع والمنتجات إلي البشر‏,‏ ونحن في مرحلة يتغير فيها العالم‏,‏
فقد انتهي انقسام العالم إلي معسكرين علي المستوي السياسي والعسكري‏,‏ كما انتهي العالم الذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية والذي كان يقسم البلدان إلي عالم أول متقدم وعالم ثالث نام‏,‏ حتي فكرة الشمال والجنوب هي الأخري في طور الاضمحلال‏.‏ إلا أن ذلك كله لا يلغي أن هناك غربا متقدما هو الذي أنتج الحداثة‏,‏ وعوالم تحاول اللحاق به‏.‏ وقد تمكنت شعوب من تحقيق انجازات مثل اليابان ثم الصين والهند‏,‏ وهي بلدان اسيوية حققت النمو واحرزت تفوقا في ميادين التكنولوجيا‏.‏ والبضائع الصينية تنتشر في كل أرجاء العالم‏,‏ كما كانت البضائع اليابانية تغزو العالم بما في ذلك أوروبا وأمريكا‏,‏ إلا ان ما حققته كل من اليايان بالأمس‏,‏ وما تحققه الصين والهند اليوم في الانتاج الصناعي والتكنولوجي‏,‏ ينبني علي العلوم التي كانت أوروبا قد انجزتها منذ ما يزيد علي ثلاثة قرون من الزمن‏.‏ فلم يظهر في الصين واليابان ما يعادل غاليلو أو نيوتن أو انشتاين‏.‏
وبالنسبة الي العرب يقولون إنهم علموا أوروبا الفلسفة والعلوم‏,‏ وهذا صحيح إذا ما عدنا إلي القرن الرابع عشر الميلادي فالنهضة الاوروبية استفادت من علوم العرب وأفكارهم‏,‏ إلا أن عطاء العرب العقلي قد توقف في الوقت الذي تقدمت فيه أوروبا وأصبحت المصدر لكل العلوم والأفكار‏.‏
الحديثة واليوم فإن العرب يقدمون للغرب النفط واليد العاملة في الوقت الذي يستورودن كل شيء من الغرب والشرق ايضا‏.‏
فالتبادل القائم اليوم بيننا وبين العالم ليس متكافئا خصوصا حين يتعلق الأمر بالعلوم والافكار فنحن توقفنا منذ زمن بعيد عن تقديم أي شيء للعالم في الوقت الذي نأخذ منه كل شيء‏.‏
‏*‏ وكيف نغير الصورة عن العرب والمسلمين لدي الغرب وما الذي أدي إليها في تصوركم؟
‏**‏ الصور والأفكار التي تنشئها الشعوب والأمم بعضها لبعض هي نتاج لتراكمات طويلة خصوصا حين يتعلق الامر بعلاقة المسلمين بالغرب وكما ذكرت سابقا فإن الصور الماضية تطغي علي الوقائع الراهنة ففي عمق النظرة الراهنة للمسلمين عن الغرب تكمن الذكريات الصليبية فنعتقد ان كل ما احرزه الغرب لم يغير من طبيعته الصليبية والعدائية للمسلمين في الوقت الذي نريد من هذا الغرب ان ينظر إلينا باعتبارنا الذين علمناه الفلسفة وعلوم الجبر والطب‏..‏ الخ لكن فكرة الغرب عن العالم العربي بالدرجة الاولي والاسلامي بالدرجة الثانية تتلخص بالمظاهر السلبية‏:‏ الأنظمة الدكتاتورية والتطرف والتأخر العلمي والاقتصادي‏.‏
وهذه الافكار يمكن ان تتبدل وقد لاحظنا ذلك بعد الربيع العربي فقد نظر المعلقون السياسيون والمفكرون بإعجاب الي الثورات العربية وانجذبوا الي ما حدث في ميدان التحرير وغيره من ميادين ثورات الربيع العربي واذا ما غيرنا احوالنا نفرض عليهم واقعا جديدا ونظرة جديدة الينا‏.‏
‏*‏ لاحظت أنكم في ثلاثية مدينة علي المتوسط أسميتم الجزء الأول يوم الجمعة يوم الأحد والتسمية توحي بإسقاط ديني فهل عنيتم بها العلاقات المسيحية والإسلامية في الوطن العربي؟
‏**‏ هذا الكتاب هو تسجيل لذاكرة مدينة من خلال تجربتي ورؤيتي لتطورها عبر مراحل من الزمن خلال النصف الثاني من القرن العشرين ومدينة طرابلس التي عشت فيها طفولتي وصباي هي مدينة مختلطة من الناحية الدينية وقد عشت هذا التنوع الديني المسلم والمسيحي واثر في تكويني فكنت في المدرسة الثانوية احيا مع طلاب مسلمين ومسيحيين وقد اغنت هذه الصداقات تجربتي الانسانية وبسبب هذا التنوع كانت العطل المدرسية يومي الجمعة والاحد اما العنوان فهو يتحدث عن الأوقات والانطباعات عن يومي الاحد والجمعة حيث يأخذ وجه المدينة شكلا مختلفا في كل منهما هذا ما أردت التعبير عنه من خلال العنوان فأيام الأسبوع لا تتشابه ولكنها تحمل دلالات
ملحوظة أخري أود سوقها في هذا المجال هي أن تراجع تأثير الكتاب عامة وقراءته‏,‏ يعود لتراجع دور المفكرين والنخب الثقافية‏,‏ فلم يعد ثمة أساتذة من أمثال أحمد لطفي السيد وطه حسين وعباس العقاد‏,‏ وسلامة موسي‏,‏ الذين كانت كتبهم تجتذب القراء بسبب النفوذ الذي كان للمفكرين والأدباء في المجتمعات العربية في النصف الأول من القرن العشرين‏,‏ كذلك فإن الكتب الايديولوجية والسياسية كان لها جمهور من المحاربين‏,‏ أما اليوم فإن كل هذه الظواهر قد انحسرت‏,‏ أضف إلي ذلك ما كان لدواوين الشعر من جاذبية بسبب تمثيلها للقيم الجديدة وللقيم الوطنية‏,‏ وقد تلاشي ذلك تماما اليوم‏.‏
من الطبيعي القول إن القراءة في البلدان الغربية وفي اليابان مثلا‏,‏ أي في البلدان ذات الدخل المرتفع والأمية المنخفضة ترتفع فيها نسب القراءة‏,‏ فلا ينبغي أن تأخذنا الأرقام المتعلقة بما يسمي الكتب الأكثر مبيعا التي لا تعبر المستوي الثقافي للمجتمع‏.‏
‏*‏ المؤرخ يسجل الحدث التاريخي بدقائقه والأديب يستلهم روح الحدث ولا يأخذ بحرفيته ولكم رواية تاريخية حكاية فيصل فأي الأسلوبين طغي في كتابتكم لها؟‏.‏
‏**‏ لو كان بإمكاني كتابة هذه الرواية الآن‏,‏ لكنت أطلقت العنان لمخيلتي أكثر بكثير مما فعلت عند كتاباتها وخروجها بشكلها الحالي‏,‏ إذ أني حين كتبت حكاية فيصل توخيت الحذر الشديد من التعامل مع الأحداث التاريخية المعروفة جيدا من جانب المتهمين‏,‏ ففي رسم شخصية بطلها الملك فيصل‏,‏ وبما أن الرواية تجري علي لسان بطلها فطبيعة الحال‏,‏ كان مجال التخيل أمامي واسعا‏,‏ لكنني لم أشأ اختراع أحداث أو وقائع لم تحدث‏,‏ وتعاملت مع الحدث التاريخي‏,‏ كما هو‏.‏
‏*‏ هل أنتم مع أو ضد الرأي القائل بإن الرواية لا الشعر صارت ديوانا للعرب ولماذا؟
أوافق علي فكرة أن الرواية قد احتلت المكانة التي كان يحتلها الشعر في أوقات سابقة‏,‏ إذ انحسر تأثير الشعر العربي بعد أن عاني مخاض الانتقال من بنيته التقليدية إلي شعر الحداثة‏,‏ لفترة وجيزة كان لشعراء الحداثة تأثيرهم حين كانوا لا يزالون يعبرون عن أفكار الثورة والتغيير والوطنية أمثال السياب والبياتي وعبدالصبور وحجازي‏.‏
كما كان لشعراء النهضة من أمثال حافظ وشوقي وخليل مطران وغيرهم تأثيرهم الكبير‏,‏ لأن قصائدهم ترافقت مع نهوض الأفكار الوطنية وتماشت مع المعاني والقيم التي استلهمها العرب والحساسيات العاطفية والرمانتيكية‏,‏ وكان الشعراء خطباء المنابر مثلهم مثل السياسيين والأكاديميين‏.‏
لقد انتهي ذلك كله وترافق مع ازدهار الرواية‏,‏ وهذه الظاهرة ليست عربية بل عالمية أيضا‏,‏ ففي كل لغات العالم انحسر الشعر لصالح الرواية‏,‏ التي استطاعت أن ترافق نمو العلوم الإنسانية والاجتماعية‏..‏ إلخ‏,‏ لقد أصبحت الروايات مرجعيات ليس كنوع فحسب‏,‏ بل كسجل للشعوب‏,‏ فنتعرف إلي اليابان من خلال روائييها‏,‏ مثلما نتعرف إلي أمريكا اللاتينية وإفريقيا من خلال الروايات التي نقرأها‏,‏ وقد كسرت الرواية الحواجز‏,‏ فالروائي يكتب بالطريقة التي يشاء كاسرا القوالب والنماذج التي وضعها النقاد وأساتذة الأدب‏,‏ ويقبل عليها قراء من كل الطبقات الاجتماعية‏,‏ وقد دخلت المرأة ميدان الرواية وعبرت من خلالها عن حساسيات جديدة لم يكن الشعر في زمنه ليسمح بها بطرقها إلا بشروط محددة‏.‏
تجتذب الرواية اليوم أوسع عدد القراء بالمقارنة مع ألوان الإبداع الأخري‏,‏ وهذا يعكس ظاهرة إيجابية في ميدان الأدب والتعبير‏,‏ خصوصا أن الطاقة النقدية للرواية كبيرة‏.‏
ويبقي أن قدرة الرواية علي الجمع بين الذاتي والعام‏,‏ ودخولها الحميمي إلي العلاقات الإنسانية مصدر تفوقها وانتشارها وازدياد أعداد قرائها‏.‏

رابط دائم :


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.