أعلم أن الوقت ليس مناسبا لفتح ملف عملاء إسرائيل في مصر، ذلك لأننا تعودنا أن نفتح ملفا واحدا كل مليونية بحد أدنى، أو كل اعتصام بحد أقصى، حتى لا نتسبب في ارتباك مطالب لدى المجلس العسكري والحكومة. نحن الآن نلوح بملف وزارة الداخلية، ونرغب في إعادة هيكلتها بما يضمن استعادة أمن المواطن، وولاء هذا الجهاز للوطن، وهناك مبادرات عديدة مقدمة من كل من: مركز هشام مبارك، والشبكة العربية لحقوق الإنسان، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية. نرجو دراسة هذه المبادرات وتطبيقها كما هو وارد بالنص. خلاص كده؟ هل مسموح لي أن أستطرد؟ ولّا حيتلخبطوا مننا؟ في الفترة الأخيرة، سمعنا ضجيجا وجلبة حول التجسس، والماسونية، والمؤامرات، والتسلل، وإسرائيل.. إلخ، إلخ، إلخ. لا أخفيكم سرا أنني أميل بشدة إلى نظرية المؤامرة، وأقتنع تمام الاقتناع أن إسرائيل وأمريكا والديكتاتوريات العربية لا تنفك تحبك لنا المؤامرات، وتصنع الشر على الأرض، بل سأذهب لأبعد من ذلك وأقول إن مصر مستهدفة -رغم استهلاك هذا التعبير- ويمكننا الاستعاضة عن هذه الصياغة المبتذلة بالقول إن مصر جميلة وخطابها كثر. إلا أنني لست من الطفولة والسذاجة والبله بما يجعلني أصدق أن الموساد سيتجسس علينا عبر شاب يجول في شوارع مصر، ويرتدي ملابس بدوية، ويلتقط صورا في الأزهر وميدان التحرير، ثم ينشرها على صفحته على «فيسبوك» ليعلن للعالم: شفتوني وأنا جاسوس؟ ولست بمتابعة لقصة طفولية عن «مصادرة أجهزة تجسس» في ميناء السويس، ثم يتضح لنا أن هذه الأجهزة ما هي إلا حواسيب، وكل مشكلة من صادرها هو أنه لم يسبق له أن زار شارع عبد العزيز، إلى جانب القصص المضحكة المتعلقة ب«القونجراص» و«الفريضرام هاوس» و«الماسونية... يديك العسل وفي قلب منه السم». ربما يقضي الشباب وقتا ممتعا في الضحك الهيستيري على هذه الغزوات المصطنعة، إلا أنني أجد خطورة حقيقية في هذه ال«هرتلة» على الأمن القومي. نحن بلد حكمه مجموعة كبيرة من الجواسيس على مدى 30 عاما. لا ألقي بهذه التهمة جزافا، وإنما أسرد مجموعة من الحقائق الموثقة التي تؤكد أن المخلوع وحاشيته إن لم يكونوا عملاء مستأجرين فهم خونة: - التفجيرات التي ثبت تورط النظام البائد في جميعها. - نح بيع الغاز لإسرائيل جانبا، وفسر معنى أن يرسل كل من مبارك والعادلي أرشيف الرقم القومي للمصريين بالكامل إلى المباحث الفيدرالية الأمريكية! - ما معنى أن يحمل حسين سالم، ضابط المخابرات المصري السابق، الجنسية الإسرائيلية، وفي ذات الوقت هو الصديق الصدوق المحبب المقرب لرئيس الجمهورية؟ - لا تقل لي إن تعاون جهاز مباحث أمن الدولة -الجهاز المعادي للشعب- مع «سي آي إيه» والموساد هو أمر طبيعي! طبيعي في إيه؟ ولماذا لم يصدر عن هذا الجهاز المتعاون مع أجهزة استخبارات العدو إلا كل شر وفتن وتفجيرات وخراب؟ وأين ذهبت هذه الوثائق؟ لقد قام الثوار بتسليمها للشرطة العسكرية. - وثائق ويكيليكس تؤكد أن رئيس المخابرات السابق عمر سليمان كان ينسق مع الإسرائيليين والأمريكيين للحرب على غزة، وهو من طلب استمرار القصف على غزة، حتى تصله أخبار من العملاء الذين زرعهم بداخل غزة -هكذا قال نصا- بأن سلاح حماس قد نفد. - وثائق ويكيليكس تؤكد أن عمر سليمان زرع عملاء في كل من سوريا وإيران ولبنان وغزة لإحداث الفتن والقلاقل -هكذا قال نصا أيضا- كما طلب من الأمريكيين إعطاءه الإشارة في حال ما إذا أرادوا الإطاحة بالنظام الإيراني! وقال نصا في إحدى الوثائق: كل هدفنا هو القضاء على سلاح حماس. مبارك، وحسين سالم، وعمر سليمان، لا يحاكمون الآن بتهمة الخيانة العظمى، بينما يتهم بعض الشباب بالانتماء للماسونية والتعاون مع الكونجرس الأمريكي والتسول من «فريدوم هاوس!« أخيرا: فسر لي التغاضي عن هذه الملفات الكبرى التي يتحدث عنها العالم، والإصرار على تسفيه النشاط التجسسي لأجهزة استخبارات العدو، وتلخيصها في قضايا مضحكة لا تنطلي على طفل في الخامسة وكأن الغرض من كل هذه القضايا الملفقة بشكل متعمد السفاهة أن تصل الرسالة للمصريين: إسرائيل لا تتجسس علينا، أو تشتيت انتباه المصريين عن الجواسيس الحقيقيين وإلهائهم بقضايا وهمية... ولّا بلاش شك؟