لا أفهم معنى مقولة «مصر فوق الجميع».. حين تقولين «ربنا فوق الكل» مثلا، تقصدين أن الله قادر على كل شىء وأنه قادر على التغلب على جبروت الظالمين، أو أنه محيط بكل شىء علما، أو أنك ستَكِلِين الأمر إلى الله وتثقين بأنه لن يضيعك. لكن ماذا تعنى من تقول إن «مصر فوق الجميع»؟ ما مصر إن لم تكن هى هذا «الجميع»؟ أو إن كان «الجميع» شيئا وهى شىء آخر؟ أو إن أراد «الجميع» شيئا وأرادت هى شيئا آخر؟ وماذا ستفعل فى هذه الحالة؟ هل ستعذبهم؟ هل ستأخذهم أخذ عزيزة مقتدرة؟ هل سترسل عليهم الجراد والقمل والضفادع والدم؟ أم هل سترسل قبل الهلاك رسلا ينذرون «الجميع» بأن مصر لا تريد هذا؟ آه والله، أظنها الأخيرة، أظن أن قائلات هذه المقولة يلمّحن إلى رسل مصر، الذين يعلمون حقيقة ما تريده مصر «الحقيقية»، ويبلغون به... وقد أعذر من أنذر. الآن، كيف تختار مصر الرسل الذين يتحدثون باسمها؟ أول شروطهم طبعا أن لا ينتموا إلى أحزاب لأن «مصر فوق كل الأحزاب»، و«مصر فوق المصالح الفئوية»، فيجب إذن أن لا ينتمى هؤلاء الرسل إلى فئات، لأنهم سيعبّرون وقتها عن مصالح تلك الفئات. وطبعا طبعا، يجب أن لا يكون الرسل من المجموعات الصغيرة ذات المصالح الضيقة، لأن «مصر فوق المصالح الضيقة». إن كنتِ من الغباء بحيث تظنين أن هؤلاء الرسل يمكن -بعد الشر- أن يكونوا أفرادا، فلن أضيع وقتى فى مناقشتك، فقد وصلتِ إلى هذا العمر ولا تحفظين أغنية «مصر أولا وقبل أى فرد». نريد إذن شخصا لا عمالا ولا فلاحين ولا فئات، وليس فردى النزعة، بل مدرَّب على السمع والطاعة فى ظل فريق، وليس منتميا إلى أحزاب، ويا حبذا لو كان محظورا عليه الانتماء إلى أحزاب... فهمنا هذه النقطة. ننتقل إذن إلى السؤال التالى. كيف تبلغهم مصر بما تريد؟ هل يملكون أرقاما سرية لماكينة آراء مصر، أو بطاقة ائتمان لهم فيها رصيد معين من الآراء باسم مصر؟ هل تأتيهم مصر فى المنام مرتدية أبيض فى أخضر وممسكة بورقة استفتاء وتشير لهم بيدها بعلامة صح على مربع معين؟ هل تتصل بهم فى برنامج «البيت بيتك» وتعمل مداخلة دون أن تكشف عن هويتها الحقيقية؟ هل توشوش فى أذن مقدم البرامج الفلانى بما تريد وحين يسألها عن هويتها تبلغه أنها «مصدر رفيع المستوى»؟ نريد أن نعرف، كيف وصلوا إلى مصر التى فوق الجميع، كيف صعدوا إلى فوق، وتحدثوا إليها. ولن نقبل موضوع «البراق» و«الوحى» لأن مصر ليست ربنا. مافيش حاجة اسمها «مصر فوق الجميع» ولا بطيخ، هناك أنتِ وأنا، وهو، وهى. لكل منا رأى، حين يعبر عنه ينبغى أن يستخدم لفظة «أنا» دون أن يتعوذ بالله منها. أغلبية هذه الآراء هو الذى يملى على مصر أفعالها، بشرط أن لا ينتهك حقا أساسيا لأى من مواطنينا. «مصر فوق الجميع» مقولة مقبولة بمعنى واحد فقط، حث الأفراد على التفكير فى مصلحة مصر لا فى مصلحة أمريكا ولا السعودية ولا إسرائيل ولا إيران ولا الفاتيكان ولا روسيا. بهذا المعنى فإن مصر فوق الجميع من قريناتها من البلاد التى ترينها حين تفتحين كتاب أطلس، لكنها ليست فوق الجميع من مواطنيها، بل ولا حتى فوق مواطن واحد من مواطنيها. فلا مقارنة إلا بين أشباه. مصر الكريمة تحت أقدام الجميع؛ تحمل الجميع على أرضها، وتتمنى منهم فى قلبها حسن التصرف فيها. من يتحدث باسم مصر زاعما أن ما يقوله هو الحق المطلق الذى تريده مصر، كمن يتحدث باسم الله، كلاهما دجال مغرور يريد أن يضع نفسه «فوق الجميع».