الكيس البلاستيكى الأسود اللون الذى يخرج من مصانع تدوير القمامة يبدأ حياته كائنًا مذكرًا، ولكن المزاج الشعبى المصرى، الذكورى بطبعه والمائل إلى العنصرية فى كثير من الأحيان، يعتدى على ذكوريته بغرابة شديدة غير متوقعة، ويخفف من ميوله العنصرية تجاهه بقدرة قادر فى نفس الوقت، ويطلق عليه "كيسة سمراء" بعد تأنيثه، وتخفيف درجة لونه من السواد إلى السمار! لا أحد يعلم السر الذى يدفع الناس إلى تلك التسمية. لماذا يصبح الكيس الأسود كيسة سمراء؟ نحن نحتاج إلى بحث جاد يفسر ذلك الأمر الذى يمكن أن نكتشف فى المستقبل علاقته بأشياء أكبر منه مثل انتصار الثورة المضادة، وظاهرة الاحتباس الحرارى، وسهولة الضحك على الغلابة ودفعهم لكراهية من يريد انتشالهم من الغلب لأنه ديمقراطى والعياذ بالله، والارتباط غير المنطقى لدى البسطاء بين الشيوعية والتشيع لآل البيت، والذى يؤدى إلى تسمية الشيوعى بالشوعى، والشيعى بالشعاعى، ليبتعد بهما ذلك تمامًا عن حقيقة انتمائهما ويحولهما إلى كائنات أسطورية غير واضحة المعالم فى عقول الكثير من الكبار والصغار. المقاول الضخم الذى يحشر فى أصبعه خاتمًا ذهبيًا كبيرًا، ركن سيارته المرسيدس الخنزيرة دم الغزال أمام بائع الفاكهة الريفى الذى ينشر بضاعته على الرصيف. فرح البائع بقدوم الرجل ورحب به بحفاوة من يعرف زبائنه. نظر المقاول بقرف إلى حبات المانجو والخوخ والبرقوق كمن لا يريد الإفصاح عن إعجابه بها لكى يتمكن من الفصال فى نهاية الشروة، ثم أخذ ينتقى أفضلها بمهارة ويناوله للبائع الصعيدى الذى وقف خلفه يملأ الأكياس صاغرًا. فجأة لمعت عينا المقاول بفزع عندما اكتشف أن الأكياس البلاستيكية التى تمتلئ بالفاكهة شفافة وليست سمراء، ثم انتفض موجهًا نظرة نارية إلى البائع. إيه التهريج ده يا خميس؟ إنت مش عارف إنى ما باخدش منك الفاكهة إلا ف كيسة سمرا؟ شعر البائع بالخزى وأخذ يعتذر متمتمًا بكلمات غير واضحة. كادت الصفقة، التى يزيد ثمنها على نصف باكو، أن تفشل لولا ستر الله الذى جعله ينكش فرشته ويجد تحتها خمس كيسات سمر. كان المقاول الكبير يحمى الفاكهة التى سيحملها إلى زوجاته الثلاث وأطفالهن من أعين الجيران والحاسدين الجائعين مستخدمًا نظرية الكيسة السمراء. الغريب أن نفس الرجل وأشباهه المستنسخة العملاقة من القادرين يتخلون عن تلك النظرية فى العيد الكبير، ويضعون لحوم الأضاحى التى يوزعونها على الفقراء فى أكياس شفافة. ربما لكى يرى الغير مدى كرمهم مع الفقراء، ويتأكد الجيران والمارة أنهم يمنحونهم لحومًا حمراء طازجة فى أكياس لا تخفى ما بداخلها، يأخذها الفقراء بلهفة ويضعونها بدورهم فى أكياس سوداء تخفيها عن عيون جيرانهم التعساء. البشر الذين يخفون طعامهم عن الأعين، وينظرون للمرأة كأنها قطعة لحم مكشوفة ينتهى بهم الأمر بوضعها فى كيسة سمراء كبيرة لترى العالم من ثقبين صغيرين لحمايتها من أعين المتطفلين. هذا هو التطور الطبيعى لمن تتحكم فى حياته نظرية الكيسة السمراء.