كانت بمثابة صرخة خرجت في فضاء العالم تعلن ضياع الأرض وانتصار الانتهازية، حينما وقف "أبو الخيزران" يحكى قصته الكاذبة مع الضابط على الحدود الكويتية حول إعجاب الراقصة "كوكب" به وبفحولته، نسى أن داخل خزان السيارة النقل ثلاثة بشر تركوا المخيمات بعد أرضهم بحثا عن الاستقرار المادى، فماتوا من الخوف قبل أن يموتوا مختنقين دون حتى أن يدقوا على جدران الخزان. "رجال في الشمس" كانت العمل الروائي الأول للكاتب الفلسطينى غسان كنفانى "9 إبريل 1936- 8 يوليو 1972"، كتبها عام 1963 في بيروت، قدم فيها برمزية شديدة مأساة شعبه الذي أُخرج من أرض عقب النكبة عام 1948، مؤكدا أن الحلول الفردية لا يمكن أن تحل القضية، بل حتى لا يمكن أن تحل مشكلة الفرد نفسه، فالرواية استوحاها من حياته وحياة الفلسطينيينبالكويت بعد عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، فكانت المعاناة ووصفها هي الصورة الظاهرية للأحداث، أما في هدفها فقد كانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين في تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش، مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق. لم تكن رواية "رجال في الشمس" سوى بداية المشروع الأدبي لكاتب عربي كبير قدمها بعد مجموعتين قصصيتين "موت سرير رقم 12" و"أرض البرتقال الحزين" ثم العديد من الكتب وقصص الأطفال، مسخرا حياته للدفاع عن قضية وطنه الضائع، كاتب عاصر في طفولته المبكرة لحظات النكبة وشاهد أهله يطردون من بيوتهم، فخرجت أعماله متجذرة في عمق الثقافة العربية والفلسطينية، وأعاد الأرض إلى تاريخها، وأعاد التاريخ إلى أهله وأعاد الأهل إلى هويتهم الأصلية. ولد غسان كنفاني في عكا، شمال فلسطين، وعاش في يافا حتى عام 1948 حين أجبر على اللجوء مع عائلته في بادئ الأمر إلى لبنان ثم إلى سوريا. عاش وعمل في دمشق ثم في الكويت وبعد ذلك في بيروت منذ 1960، وفي صباح يوم حزين كان يوافق 8/7/1972 وفي الساعة العاشرة والنصف انفجرت عبوات ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله، مما أدى إلى وفاته مع ابنة شقيقته لميس حسين نجم (17 عاما) وكان ذلك ضربة موجهة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المقاومة بجميع فصائلها الوطنية. قدم غسان كنفانى الإجابة على سؤال النقد الحائر، من يصنع الآخر المبدع أم الموضوع؟ فقد عاش حياته الإبداعية ضمن مصيره الذي أوجده فلسطينيا، فسخر قلمه، وعن ذلك قال: "إن حياتي السياسية نتجت عن كوني روائياً وليس العكس، لقد حاولت كتابة قصة شعبى الفلسطيني قبل أن تتبلور أمامى الرؤية السياسية، وقد رأيت أن هنالك شيئا ما ينقصنى إن لم أنخر في الحياة السياسية وأننى أتضاءل كثيرا إن لم أكن روائيا في نفس الوقت"، فعاش حياته منشغلا بالهم السياسي فانضم في منتصف الخمسينيات إلى حركة القوميين العرب، ثم عضوا بارزا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ ظهورها حتى اغتياله. وقال عنه الشاعر الراحل محمود درويش: "لدى قراءة كنفاني اليوم نكتشف، أولاً ودائماً، أنه في عمق وعيه كان يدرك أن الثقافة أصل من عدة أصول للسياسة، وأنه ما من مشروع سياسي دون مشروع ثقافي. لعل المسعى الأهم لبحوث كنفاني الأدبية هو ذلك المتمثل في ترسيخ أسس ولادة الفلسطيني الجديد، لجهة التأني عن الإنسان المجرد والفلسطيني المجرد والاقتراب من الإنسان الفلسطيني الذي يعي أسباب نكبته ويدرك أحوال العالم العربي ويعرف أكثر ماهية الصهيوني الذي يواجهه. وهذه المهمة لا تستطيع أن تقوم بها إلا ثقافة في مفهومها النقدي، المتجاوز لما هو سائد، الذي يقطع مع القيم البالية". من أعماله: عالم ليس لنا، موت سرير رقم 12- قصص قصيرة، أرض البرتقال الحزين- قصص قصيرة، رجال في الشمس – رواية، أم سعد –رواية، عائد إلى حيفا –رواية، الشيء الآخر – صدرت بعد استشهاده، في بيروت 1980 قصص قصيرة، العاشق، الأعمى والأطرش، برقوق نيسان5 (روايات غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة)، القنديل الصغير، ما تبقى لكم.