محمود ياسين.. فتى وجان الشاشة الأول الذى بحثت عنه القلوب وتوحدت عليه المشاعر واختاره الجمهور معبرًا عنه، النجم الاستثنائي، أحد أعمدة المسرح في العصر الحديث، عنوان الإبداع والإشعاع والوهج الذي عاشته السينما المصرية لسنوات بنجومية لا تخفى على أحد، تميز بالصوت الرخيم وسلامة النطق ونظراته الحادة وملامحه المؤثرة والقدرة على التقمص والإقناع بكل حواسه، وقدّم الأفلام الرومانسية والاجتماعية، وهو أكثر الفنانين المصريين الذين قدّموا أفلامًا عن نصر أكتوبر. النشأة هو محمود فؤاد محمود ياسين، من مواليد 2 يونيو 1941، في مدينة بورسعيد، لأب كان موظفًا بهيئة قناة السويس، التي كان يديرها الإنجليز في تلك الفترة، وكانوا يعيشون في فيلا ملك للهيئة، ولما قامت ثورة يوليو 1952 وصدرت قرار تأميم الهيئة 1956 ومن ثم آلت ملكيتها إلى الشعب، لكن الأب كان فخورًا بالثورة ومن ثم غرس في ابنه هذا الشعور الوطني، ودرس الابن في مدينته مراحل التعليم الأولى، حتى حصل على شهادة الثانوية العامة، ثم التحق بكلية الحقوق جامعة عين شمس بالقاهرة، وهناك تعلق بالتمثيل، وحصل على درجة الليسانس عام 1964. خلع بالطو المحاماة عمل بالمحاماة في بداية حياته العملية، ورفض تعيين القوى العاملة له في بورسعيد، ورغم حبه لمدينته، قرر البقاء في القاهرة للبحث عن فرصة للعمل بمجال التمثيل، وعاش في انتظار تحقيق الأمل حتى وقعت نكسة يونيو 1967، حيث دفعه حبه للفن لتغيير مساره والتقدّم لإحدى مسابقات المسرح القومي، وجاء ترتيبه الأول على المتسابقين بعد ثلاث تصفيات متتالية، وبالفعل عُيِّن بالمسرح، وكانت أول مسرحية له بعنوان "الحلم"، ومن أعماله أيضًا مسرحيات "سليمان الحلبي، ليلى والمجنون، الزير سالم، وطني عكا، واقدساه، الخديوي، الرحمة المهداة، الزيارة انتهت"، وغيرها، وتولى خلال هذه الفترة إدارة المسرح القومي لمدة عام ثم قدّم استقالته. المشوار الفني في السينما بدأت رحلته بدور صغير في فيلم "القضية 68" 1968، ثم "شيء من الخوف" و"حكاية من بلدنا" 1969، ثم جاءته أول فرصة للبطولة في فيلم "نحن لا نزرع الشوك" مع الفنانة شادية 1970، ومن هذا الفيلم انطلقت رحلة نجومية جان السينما الأول وأحد أبرز نجومها في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث قدّم للشاشة الكبيرة أكثر من خمسين فيلمًا في فترة السبعينيات وحدها، وأكثر من 150 فيلمًا طوال رحلته الفنية، وتبناه المنتج رمسيس نجيب وآمن بموهبته، وتألق مع كبار النجمات، ومن أبرزهن نجلاء فتحي (17 فيلمًا)، وميرفت أمين (13 فيلمًا)، ومديحة كامل (7 أفلام)، ونيللي (قدما معًا 5 أفلام)، وفاتن حمامة (3 أفلام)، وسعاد حسني (3 أفلام)، وغيرهن. وفي الثمانينيات قلت أعمال محمود ياسين السينمائية بشكل عام في مقابل انتقاله إلى شاشة التليفزيون، فقدّم أفلام منها "عالم وعالمة، الثأر، أشياء ضد القانون، العربجي، السادة المرتشون، وداد الغازية، التعويذة" وغيرها، كما قدّم مسلسلات منها "جمال الدين الأفغاني، غداَ تتفتح الزهور، الزير سالم، الأفيال، كوم الدكة، اللقاء الثاني"، وغيرها، وفي التسعينيات استمر في مشواره ما بين السينما والتليفزيون، ومن أفلامه في تلك الفترة "الشجعان، الفضيحة، الستات، طعمية بالشطة، ليه يا دنيا" وغيرها، ومسلسلات: "أيام المنيرة، أهل الطريق، عزبة المنيسي، أبو حنيفة النعمان، رياح الشرق" وغيرها. مع بداية الألفية الجديدة اتجه إلى التليفزيون أكثر في مقابل هجره للسينما، وقدّم عددًا من المسلسلات الناجحة والباقية علامة في مشواره، من أهمها "سوق العصر" 2001، "العصيان 1/ 2" 2002/ 2003، و"ماما في القسم" 2010، وإلى جانب ذلك له مشاركات في السينما على استحياء في أفلام "الجزيرة" مع أحمد السقا 2007، "الوعد" مع آسر ياسين 2008، "عزبة آدم" مع فتحي عبد الوهاب 2009، وأخيرًا "جدو حبيبي" من بطولته وإلى جانبه الفنانة القديرة لبنى عبد العزيز وبشرى في 2012. وفي مسيرته، تُشكّل أفلام "الخيط الرفيع" 1971، و"الرصاصة لا تزال في جيبي" و"بدور" 1974، و"قاهر الظلام" و"انتبهوا أيها السادة" 1978، و"الشريدة" 1980، و"وكالة البلح" 1982، و"سجن بلا قضبان" 1983، وغيرها، علامات مؤثرة في تاريخه الفني، ويعد أكثر الفنانين المصريين الذين قدّموا أفلامًا عن نصر أكتوبر، ومنها "أغنية على الممر، الوفاء العظيم، الظلال في الجانب الآخر، حائط البطولات، فتاة من إسرائيل"، وغيرها، وشارك بالأداء الصوتي في الفيلم العالمي "الرسالة"، كما شارك بالأداء الصوتي أيضًا في عدد من البرامج الوثائقية، وقام بكتابة قصة وسيناريو وحوار مسلسل "رياح الشرق". عمل مع كبار المخرجين طوال مشواره الفني، فتعاون مع هنري بركات حيث عملا بسخاءفي 12 عملًا منهم "الخيط الرفيع، أفواه وأرانب، اذكريني"، ومع صلاح أبو سيف في "الكداب، سنة أولى حب، وسقطت في بحر العسل"، ومع كمال الشيخ في "على من نطلق الرصاص، وثالثهم الشيطان، الصعود للهاوية"، ومع حسام الدين مصطفى في "قاع المدينة، غابة من السيقان، الرصاصة لا تزال في جيبي"، ومع حسين كمال في "شيء من الخوف نحن لا نزرع الشوك، بعيدًا من الأرض"، ومع حسن الإمام في "حب و كبرياء، وانتهى الحب، والعذاب فوق شفاه تبتسم"، ومع عاطف سالم في "أين عقلي، قاهر الظلام"، وقام ببطولة أول أفلام علي بدرخان "الحب الذي كان"، وغيرهم. الحياة الخاصة في بداية مشواره الفني، تعرف محمود ياسين على زوجته الفنانة المعتزلة شهيرة، حيث عرض عليه صديقه وزميله مدكور ثابت المشاركة في فيلم "صور ممنوعة" 1971، وأخبره أن البطلة أمامه وجه جديد اسمها "عائشة حمدي" وطالبة بالسنة الأولى بمعهد السينما، ولكن محمود لم يوافق إلا بعد رؤيتها في البروفة، وبالفعل شاركا معًا بطولة الفيلم، وبعد فترة وجد نفسه مشدودًا لها، ثم تقدم لخطبتها وقدّم لها دبلة ألماس ثمنها في ذلك الوقت 2750 جنيهًا، واستمرت الخطوبة تسعة أشهر، أما الزواج فجاء أثناء تصوير فيلم "الخيط الرفيع" وأُقيم حفل الزفاف خلال شهر أكتوبر في فترة الحداد على الرئيس جمال عبد الناصر، وكان شاهدا العقد المشير أحمد إسماعيل وزير الدفاع الأسبق، والفنان الراحل أحمد الشامي، وأنجب منها الممثلة رانيا محمود ياسين (زوجة الفنان محمد رياض)، والممثل عمرو محمود ياسين. التكريمات حصل الفنان محمود ياسين على أكثر من خمسين جائزة في مختلف المهرجانات في مصر وخارجها، منها جائزة الدولة عن أفلامه الحربية عام 1975، وجائزة التمثيل من مهرجان طشقند 1980، ومن مهرجان السينما العربية في أميركا وكندا 1984، ومهرجان عنابة بالجزائر عام 1988، وجائزة أحسن ممثل في مهرجان التليفزيون لعامين متتالين 2001، 2002، وغيرها من التكريمات، واُختير رئيس تحكيم لجان مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون 1998، واختارته الأممالمتحدة في 2005 سفيرًا للنوايا الحسنة لمكافحة الفقر والجوع. المرض والغياب آخر ظهور للنجم محمود ياسين كان في مراسيم تشييع زميله الراحل نور الشريف، 11 أغسطس 2015، حيث بدت عليه علامات التعب والوهن أو بعض أمراض الشيخوخة، وفي وقت سرت إشاعات نفتها ابنته الممثلة "رانيا محمود ياسين" عن معاناته من مرض الزهايمر، وأعلنت الفنانة شهيرة في لقاء مؤخرًا مع المذيعة بسمة وهبة أنه لا يستطيع العمل وطلبت الدعاء له بالشفاء، معاتبةً على الفنان عادل إمام أنه لم يُكلّف نفسه عناء مجرد الاتصال للاطمئنان عليه منذ اعتذار ياسين عن المشاركة معه في مسلسل "صاحب السعادة" رمضان 2014، مثلما يفعل أكثر زملاء جيله من الفنانين. ويبقى محمود ياسين أحد أهم نجوم مصر في النصف الثاني من القرن العشرين، متجاوزًا دوره كأحد الممثلين المبدعين ليصبح رمزًا فنيًا دائمًا أبديًا للسينما المصرية والعربية.