في وقت سابق من العام الجاري، أسفرت جهود السفير الأمريكي لدى ميانمار سكوت مارسييل، بالتعاون مع المسؤولين المحليين، في إغلاق مطعم كوري شمالي في العاصمة "يانغون". وهو واحد من المطاعم الكورية الشمالية العديدة في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا، حيث تباع أطعمة بأسعار معتدلة، ودبابيس تذكارية تحمل صورة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، ويتم أخذ أكثر من 80% من رواتب العاملين لدعم بلادهم. وأشارت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، إلى أن إغلاق هذا المطعم وطرد العمال الكوريين، يمثل إحدى قصص النجاح في حملة الولاياتالمتحدة المستمرة والمتصاعدة لإنهاء عمل مئات الآلاف من العمال الكوريين الشماليين في الخارج، وقطع أرباح تقدر بنحو 500 مليون دولار سنويا يقدمونها للنظام. وصرح أحد المسؤولين السابقين في مجلس الأمن القومي الأمريكي، الذي شارك في الحملة التي تشمل العمال المنتشرين في أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، أنه "تم إبلاغ السفارات الأمريكية حول العالم لكشف مصادر الدخل الكورية الشمالية وتعطيلها". وقالت الشبكة الأمريكية، إن الجهود الأمريكية للقضاء على العمالة الكورية الشمالية، في المطاعم ومواقع البناء والوحدات العسكرية والطبية في الخارج، جزء من حملة الضغط القصوى التي ربما ساعدت في دفع كيم إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال قمة سنغافورة. لكن العمالة الكورية الشمالية في الخارج، ولا سيما في روسياوالصين وجنوب شرق آسيا، ما زالت مستمرة، وهناك مخاوف متزايدة من تراخي بعض البلدان في فرض العقوبات، في حين قد تستغل دول أخرى القمة التاريخية، وتحسن العلاقات بين الولاياتالمتحدةوكوريا الشمالية، كذريعة لتخفيف القيود على بيونج يانج. اقرأ المزيد: طفرة إنشائية في «كوريا الشمالية» رغم العقوبات وذكر عدد من السكان المحليين في المدن الصينية على الحدود مع كوريا الشمالية، أن العمال الكوريين الشماليين، بدءوا في العودة مرة أخرى إلى المطاعم، في الوقت الذي تستعد بعض المنشآت المغلقة لإعادة فتح أبوابها. وقال جريج سكارلاتويو المدير التنفيذي للجنة حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، لشبكة "سي إن إن" "إننا نتلقى تقارير تفيد بخفض الضوابط على الحدود الصينية الكورية الشمالية"، وأضاف "أعتقد أن الصينوروسيا ودولا أخرى استغلت دفء العلاقات بين أمريكاوكوريا الشمالية كفرصة لاستئناف التبادلات الاقتصادية مع بيونج يانج دون عقاب". وفي الوقت الذي فرضت فيه أمريكاوالأممالمتحدة عقوبات على كوريا الشمالية على مر السنين للضغط على الأسرة الحاكمة لإنهاء برامجها النووية والصاروخية، اكتشفت بيونج يانج أن إجبار مواطنيها على العمل في الخارج، يسمح بتوفير مصدر ثابت من الدخل للبلاد. ووصفت وزارة الخارجية الأمريكية هؤلاء العمال بأنهم أشبه ب"الرقيق"، حيث يظل العمال تحت رقابة مشددة من "مراقبي" النظام، ويُجبرون على دفع الحوالات المالية ورسوم الولاء للحكومة، والتي غالبًا ما تمثل أكثر من نصف مرتباتهم. وقالت بريسيلا موريوشي، مديرة تقدير المخاطر الإستراتيجية في شركة "ريكورديد فيوتشر" للأمن إن "شبكة من المغتربين الكوريين الشماليين تدير هذه المطاعم، ومن المحتمل أن تكون تلك الشركات نفسها متورطة في أنشطة أخرى مدرة للدخل غير المشروع، وهي جزء من المجموعة المتنوعة من الأدوات التي يستخدمها النظام لتوفير العملة الصعبة". وأضافت موريوشي المسؤول الكبير السابق بوكالة الأمن القومي في شرق آسيا أن "هذه الأدوات تشمل تهريب المخدرات والخمور والحجارة الكريمة وتزييف الدولارات الأمريكية والسجائر واستغلال الحصانة الدبلوماسية". اقرأ المزيد: حقوق الإنسان في كوريا الشمالية.. الملف المسكوت عنه في قمة كيم وترامب وأشارت مصادر في المخابرات الأمريكية، إلى أن هذه الشركات قد تكون واجهات لعمليات استخباراتية أو أعمال تجارية محظورة خاصة في لاوس وتايلاند. وكجزء من حملة الضغط القصوى، قامت الولاياتالمتحدة برعاية عقوبات صارمة في الأممالمتحدة في ديسمبر 2017، استهدفت على وجه التحديد العمال الكوريين الشماليين في الخارج، والتي تنص على عودة معظمهم إلى ديارهم بحلول عام 2019. وقد تباين امتثال دول العالم لتنفيذ هذه العقوبات، إلا أن هناك بلدين يثيران القلق بشكل خاص. حيث يعمل عشرات الآلاف من الكوريين الشماليين في روسياوالصين، وهما اثنان من الأماكن القليلة التي لا تزال شركة الطيران الكورية الشمالية "آير كوريو" تسير رحلات إليهما. ويعمل أعداد كبيرة من العمال الكوريين الشماليين في قطع الأشجار وأعمال البناء في المدن الروسية مثل "فلاديفوستوك"، وكذلك في معظم المطاعم الكورية الشمالية في المدن الصينية، وخاصة على الحدود. وتعتبر الصين، أكبر شريك تجاري لكوريا الشمالية، وعامل حاسم في أي محاولة للضغط على بيونج يانج اقتصاديا، حيث يقول الخبراء إنه من الواضح أن بكين ملتزمة بتنفيذ العقوبات. إلا أن الرئيس الصيني شي جين بينج قد يرى فوائد استراتيجية في التعامل مع كوريا الشمالية، وتجاهل العقوبات، خاصة مع استمرار ترامب في فرض رسوم جمركية على الصين. اقرأ المزيد: كيف تتمكن كوريا الشمالية من تمويل وارداتها رغم العقوبات؟ وصرح متحدث باسم السفارة الصينية لشبكة "سي إن إن" أن الحكومة "نفذت بشكل شامل وبدقة وبصدق" قرارات الأممالمتحدة المتعلقة بكوريا الشمالية. كما وعد المسؤولون الروس، حسب الصحافة المحلية، بطرد العمال الكوريين الشماليين، وقال مسؤول أجنبي مطلع على القضية إن روسيا وحدها لديها نحو 50 ألف عامل كوري شمالي "يعملون في ظروف شبيهة بالرق". ورفض الكرملين التعليق، ولكن في وقت سابق من هذا العام، صرح الكسندر ماتسيجورا، السفير الروسي لدى كوريا الشمالية، لوكالات الأنباء الروسية، أن السلطات بدأت في طرد العمال الكوريين الشماليين وفقا للعقوبات التي فرضتها الأممالمتحدة في ديسمبر. وأشارت "سي إن إن" إلى أن الولاياتالمتحدة حققت نجاحات واضحة في تقليص عائدات كوريا الشمالية من العمالة الخارجية. حيث قال بروس كلينجر المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، أمام الكونجرس في مارس 2017، إن "ما لا يقل عن 30 من المطاعم الكورية الشمالية في الخارج أغلقت أبوابها" بسبب العقوبات. كما قام المسؤولون الألمان بإغلاق فندق صغير في برلين، كان يستخدم لنقل الأموال إلى بيونج يانج في مايو 2017، ومن جانبها أعلنت منغوليا طرد بعض العمال الكوريين الشماليين في ديسمبر. اقرأ المزيد: هل تحقق العقوبات الأمريكية على كوريا الشمالية أهدافها؟ إلا أنه ما زال هناك ثغرات كبيرة، حيث قالت مصادر استخباراتية إن العديد من المطاعم الكورية الشمالية في الخارج ما زالت مفتوحة على الرغم من أن قلة الزبائن، كما تقلص عدد العمال في الخارج، إلا أن العديد من الدول لديها صناعات تعتمد على العمالة الكورية الشمالية. وأشارت الشبكة الأمريكية، إلى أن بيونج يانج ما زال لديها عمال منتشرون في دول الخليج مثل الإماراتوقطر وعُمان والكويت رغم أن معظم هذه الدول قالت إنهم سيتوقفون عن إصدار تأشيرات دخول جديدة. حيث يوجد مطعم كوري شمالي واحد على الأقل في دبي، وقد كشفت عدد من التقارير الصحفية عن مشاركة العمال الكوريين الشماليين في أعمال بناء استادات كأس العالم 2022 في قطر، إلا أن تلك الدول نفت ذلك بشدة. وفي آسيا، يوجد عمال كوريين شماليين في تايلاند واندونيسيا ولاوس وماليزيا ومنغوليا وبورما ونيبال وفيتنام، كما انتشر عمال بيونج يانج في إفريقيا في الجزائر وإثيوبيا. وغالباً ما يعمل الكوريون الشماليون في البناء أو يقدمون الخدمات العسكرية أو الطبية، كما تشير بعض التقارير إلى عمل صيادين من كوريا الشمالية في أوروجواي. وقد يرى بعض المراقبين أنه قد تكون هناك عواقب إنسانية غير مقصودة، للجهود الأمريكي لإعادة العمال الكوريين الشماليين إلى بلادهم وإغلاق الشركات الكورية الشمالية. حيث قال أرنولد فانغ، الباحث في شؤون كوريا الشمالية منظمة العفو الدولية، إن "العقوبات ستفرض حدًا على كمية ونوع المواد أو الأموال التي يمكن إرسالها إلى كوريا الشمالية، مما يزيد من القيود المفروضة على الجماعات الإنسانية".