لا تزال موجات الهجرة إلى أوروبا عبر ليبيا تثير أزمة كبيرة، نظرًا لما تسببه من مآس إنسانية نتيجة غرق الآلاف في البحر المتوسط، في الوقت الذي تسارع دول أوروبا إلى الحد من تدفق المهاجرين لأراضيها وحماية شواطئها بشتى الطرق. أمس، تقدم وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، بمقترح لإقامة مراكز استقبال المهاجرين على الحدود الجنوبية لليبيا للمساعدة في وقف تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا. وسرعان ما أعلن الوزير الإيطالي بعدم السماح للاجئين بعد الآن أن يدخلوا بلاده عبر البحر، كما توعد بطرد نصف مليون من المهاجرين غير الشرعيين و"غير الطيبين" من البلاد، حسب قوله. لكن يبدو أن المقترح الإيطالي أثار غضب دول أوروبية عديدة، خاصة أن فرنسا وإسبانيا اقترحتا في وقت سابق إقامة "مراكز مغلقة" على السواحل الأوروبية خصوصًا في إيطاليا، للاهتمام بالمهاجرين الواصلين عبر البحر الأبيض المتوسط. اقرأ أيضًا: الناتو يستعد للتدخل مجددا في ليبيا لوقف «نزيف المهاجرين» إلا أن "سالفيني" انتقد هذا الاقتراح، وقال: إن "إقامة مناطق استقبال في إيطاليا سيكون مشكلة بالنسبة لنا ولليبيا نفسها لأن تدفق الموت لن يتوقف". وبدأ المسؤول الإيطالي حملة عقب تعيينه وزيرًا للداخلية ضد سفن الإنقاذ الخاصة التي ترفع الأعلام الأوروبية، وأشعل نقاشًا على مستوى القارة برفضه نزول ركابها المهاجرين في الموانئ الإيطالية، واتهم جماعات الإغاثة بالعمل بفعالية كسيارات أجرة للمهربين الذين يتخذون من ليبيا مقرًا لهم، وفقا ل"روسيبا اليوم". يأتي المقترح الإيطالي لإقامة مراكز استقبال للمهاجرين في المنطقة، في وقت تصاعدت فيه حدة التوتر والارتباك وهو ما أكدته قضية قارب أكواريوس للمهاجرين غير الشرعيين الذي رفضت إيطاليا استقباله، قبل أن تفتح له إسبانيا ميناءها بمدينة فالنسيا. وتسببت الحادثة في أزمة دبلوماسية بين فرنساوإيطاليا بعد تبادل التهم، ودفعت دول عديدة أيضا لتوجيه التهم إلى روما ولسياساتها العنصرية. على جانب آخر، لم يكن اقتراح الوزير الإيطالي بشأن إقامة مخيمات استقبال للاجئين على حدود البلاد الجنوبية محل ترحيب، حيث قوبل بالرفض من طرف حكومة الوفاق الليبية. اقرأ أيضًا: عبودية المهاجرين بليبيا.. العالم ينتفض ضد ميليشيات الساحل الإفريقي نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي، أحمد معيتيق، أكد اتفاقه مع أوروبا فيما يتعلق بمسألة الهجرة، لكننا نرفض بشكل قاطع إقامة أي مخيمات للمهاجرين في أراضي ليبيا، بحسب ليبيا اليوم. كان المتحدث باسم القوات البحرية الليبية العميد أيوب قاسم، قال في وقت سابق: إن "هناك خطة أوروبية لجعل ليبيا موطنا بديلا للمهاجرين عن بلدانهم الأصلية". فبعض الدول الأوروبية تحاول توطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا، ولا يمكن القبول به باعتبار ليبيا بلد عبور للمهاجرين فقط، بحسب قناة ليبيا الأحرار. علي صعيد آخر، أكدت إيطاليا رفضها تمامًا لرسو سفن الإنقاذ التابعة لمنظمات غير حكومية في مرافئها، وحذّرتها من مغبة التدخل لإنقاذ المهاجرين، وطلبت منها ترك الأمر لخفر السواحل الليبيين للقيام بهذا العمل. ووفقًا لوسائل إعلام إيطالية، فقد أرسل خفر السواحل الوطني رسالة إلى سفن الإنقاذ العاملة في البحر الأبيض المتوسط، تنصحها بأن إيطاليا لن تسمح للسفن بإنزال المهاجرين الذين تنقذهم في البلاد. اقرأ أيضًا: كارثة إنسانية في ليبيا.. وقلق أمريكي من تهديد الاستقرار العالمي وأصبحت إيطاليا الممر الرئيسي للمهاجرين إلى أوروبا، ويقوم مئات الآلاف كل عام بقطع الرحلة الخطرة عبر البحر من شمال إفريقيا مما يؤدي لمقتل الآلاف في البحر. وتعكس محاولة إعادة المهاجرين إلي ليبيا وتوطينهم فيها، حالة الارتباك في الاتحاد الأوروبي في معالجة تدفق المهاجرين من الصحراء عبر ليبيا. وعلى الرغم من أن عدد اللاجئين الذين وصلوا عبر البحر المتوسط لا يمثل سوى جزء بسيط فقط من عدد من وصلوا إلى أوروبا في 2015، والذي تجاوز مليون شخص، فقد أظهر استطلاع حديث للرأي أن الهجرة تمثل أهم ما يشغل مواطني الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 500 مليون نسمة، بحسب الفجر الإماراتية. مراقبون يرون أن الدول الأوروبية تحاول إلقاء الحمل على ليبيا، حيث تريد تحويلها إلى مركز لحمايتها من المهاجرين غير الشرعيين الموجودين على أراضيها أو المتدفقين من إفريقيا نحوها. اقرأ أيضًا: ليبيا تنفجر غضبا بسبب دعوة إيطاليا لحصارها بحريا.. وتتوعد بالرد وانخفضت أعداد الوافدين إلى إيطاليا بدرجة كبيرة في يوليو الماضي بعد أن تعطلت شبكات تهريب البشر بسبب ضغوط إيطالية مكثفة، وتصعيد تدخلات حرس الحدود الليبي، الذي تلقى تدريبات من الاتحاد الأوروبي. وحسب معطيات منظمة الهجرة الدولية، فإن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا عن طريق البحر منذ بداية العام الحالي يناهز 41 ألف شخص، فيما لقي 960 شخصا مصرعهم في مياه البحر الأبيض المتوسط. وبعد إغلاق الطريق عبر اليونان وتركيا، أصبحت ليبيا، رغم كل المخاطر الطريق الرئيسية للهجرة نحو سواحل أوروبا. وتعتبر ليبيا أهم نقاط العبور بين القارة الإفريقية ودول أوروبا فيما ازدادت موجات المهاجرين عبرها بعد الأزمة التي شهدتها قبل أعوام والانفلات الأمني المصاحب لها.