مشهد تاريخى.. مشهد سيظل عالقا ومسجلا باسم مصر فى تاريخ الشعوب. مشهد يُحسب لشعب مصر العظيم الذى قام بثورة عظيمة.. ثورة أبهرت العالم كله. ثورة ألهمت الشعوب المطحونة التى تعانى من الأنظمة الاستبدادية. ثورة أسقطت نظاما فاسدا مستبدا.. ثورة شعبية شارك فيها كل فئات الشعب ليحاكم الشعب هذا الطاغية. ويحاكم ابنه الذى كان يسعى لوراثة كرسى الحكم. ويحاكم ابنه الآخر الذى كان يتاجر فى حقوق المواطنين ويتربح من صفته أنه ابن الرئيس. ويحاكم وزير الداخلية حبيب العادلى الذى كان وزيرا خاصا للرئيس، حريصا على حياته وسلطانه، وكان يضع خدمة الوزارة بنفوذها وبمباحث أمنها وتخويفه المواطنين وترويعهم وتعذيبهم فى السجون وأقسام الشرطة.. وضرب عرض الحائط بكل القوانين.. كل ذلك من أجل الحاكم وأسرته. ورجال وزير الداخلية الذين كانوا يشكلون عصابة ضد المواطنين لرعاية زعيمهم الأكبر. مشهد عظيم.. يسجله التاريخ. أن يحضر المتهم محمد حسنى مبارك فى طائرة من المستشفى الذى ظل فيه أشهرا متحفظا عليه بعد التحقيق معه فى قضية قتل المتظاهرين والثوار خلال ثورة 25 يناير لتهبط فى مقر المحاكمة بأكاديمية الشرطة. ذلك المكان الذى كان فيه مبارك كالطاووس قبل 48 ساعة من اندلاع الثورة العظيمة ليحتفل مع حبيب العادلى وعصابته بيوم الشرطة الذى جعلوه يوما للتعذيب وقهر المواطنين. وشهد ذلك اليوم عبارات الغزل المتبادلة بين الطرفين.. فهما شركاء فى عصابة واحدة ضد الشعب. ويدخل مبارك محمولا على سرير طبى إلى قفص الاتهام.. ليظهر الرجل المريض العنيد أمام العالم كله وليس أمام المصريين فقط.. ليعترف أخيرا أنه مريض، وهو الذى لم يكن يرضى أبدا أن يتحدث أحد عن مرضه أثناء اغتصابه الحكم.. ومن يتحدث عن ذلك يطلق منافقيه وموالسيه للهجوم عليه، والتأكيد أن صحة الرجل فى أحسن حال ليأتى هذا اليوم ليطلب الشفقة من الناس الذين كان يحتقرهم. لينضم مبارك إلى ولديه فى قفص المحاكمة بعد أشهر من انفصالهم عن بعضهم. فعلها المصريون حقا.. جمعوا القتلة والفاسدين والمستبدين فى قضية واحدة ليشاهدهم العالم فى قفص الاتهام. فعلها المصريون حقا.. فى محاكمة الفرعون الرئيس، وأمام محكمة عادية وإجراءات عادية وأمام قاضيه الطبيعى.. وهو الذى كان يحيل معارضيه لمحاكم استثنائية. إنه درس جديد للعالم كله. هذا الشعب العظيم لم يرض عن محاكمة الطاغية الذى استبد به وأهانه خلال الثلاثين عاما أمام محكمة استثنائية. إنه مشهد عظيم. سبحان الله المعز المذل. فها هو ذا مبارك يُذَل بعد أن كان مُعزا مذلّا شعبه. .. اللهم هذا ليس تشفيّا.. .. إنه الحق .. الحق من أجل الشهداء. .. الحق من أجل العدل. ولعل الآخرين يتعظون.