«عندما أرغب في مشاهدة النجوم، يمكنني النظر إلى السماء بكل بساطة، فلا يوجد أي نجوم في الفرق التي أدربها، فأنا أتعامل مع أشخاص عاديين».. بتلك الرؤية تمكن «المايسترو» أوسكار واشنطن تاباريز، مدرب منتخب أوروجواي، من إعادة الهيبة إلى «السيليستي» بعد سنوات من خيبات الأمل المتلاحقة على دولة هيمنت على كرة القدم في بدايات القرن الماضي. وتستعد أوروجواي لخوض نهائيات كأس العالم في روسيا والتي تنطلق بعد غد الخميس، حيث توجد في المجموعة الأولى إلى جانب المنتخب الوطني، والبلد المضيف (روسيا) والسعودية، وسيكون بطل تقريرنا التالي تاباريز مدرب أوروجواي. - البداية ولد أوسكار واشنطن تاباريز يوم 3 مارس من عام 1947 في عاصمة أوروجواي مونتيفيديو ويلقب ب«المايسترو»، وبدأ مسيرته مع كرة القدم كلاعب لمدة 12 عامًا، تنقل خلالها تاباريز «المدافع» بين صفوف العديد من الأندية المتواضعة من سود أمريكانا وسبورتيفو إيطالينو الأرجنتيني ومونتيفيديو وأندريرز وفينيكس وبوبيلا المكسيكي وبيلا فيستا، حتى اعتزل اللعب عندما بلغ عامه ال32، ووصف نفسه في حوار مع صحيفة «الجارديان» بأن مستواه لم يكن يساعده لأن يلعب في العصر الحديث من اللعبة، لعدم تمتعه بالقوة البدنية أو الشخصية التي تؤهله لأن يصبح لاعبًا مميزًا. - مسيرته التدريبية في عام 1980، وبعد عام واحد فقط من الاعتزال، بدأ تاباريز التدريب بعدما وجد الكثير من اللاعبين الصغار يحرصون على معرفة رأيه وتفسيره لبعض المشاكل ليجد نفسه قادرًا على تولي تلك المهمة، إلى جانب معاناته من ضعف دخله الشخصي وهو متزوج وأب لثلاث بنات ويعيش في منزل متواضع بعد كل تلك السنوات كلاعب. ليبدأ تاباريز بتدريب نادي بيلا فيستا، وهناك تقابل مع خوسيه هيريرا المدرب البدني الذي يعمل منذ ذلك الحين وحتى الآن، وبعدها بعام تولى تاباريز تدريب منتخب أوروجواي تحت 20 سنة، وتوج معه بذهبية دورة بان أمريكان عام 1983. وبعدها درب تاباريز العديد من الأندية في أوروجواي من بينها دانوبيو ومونتيفيديو وأندريرز وبينارول، وكانت تلك الفترة مهمة للغاية بالنسبة له حيث التقى بكل من ماريو ريبولو وسيلسو أوتيرو اللذين يعملان معه في جهازه الفني مع المنتخب حاليًا. - الولاية الأولى مع أوروجواي كان نجاح تاباريز مع بينارول أساسيًا في تعيينه كمدرب لمنتخب أوروجواي، حيث خاض مع الفريق منافسات كوباأمريكا عام 1989، ووصل إلى النهائي قبل الخسارة أمام البرازيل، وتأهل مع أوروجواي إلى دور ال16 من مونديال إيطاليا 1990 قبل الخسارة أمام البلد المضيف، لتنتهي ولايته الأولى بعد 34 مباراة. - تدريبه في أوروبا وأمريكاالجنوبية درب تاباريز بوكا جونيورز لمدة عامين، وفي عام 1994 رحل إلى الدوري الإيطالي ليقود المهمة الفنية لفريق كالياري لمدة موسمين ومن ثم درب ميلان، ولم تستمر مهمته مع الروسونيري سوى شهور قليلة بسبب ضعف النتائج، ليرحل إلى إسبانيا عبر بوابة ريال أوفيدو حيث تفادي الهبوط مع الفريق إلى الدرجة الثانية بأعجوبة، ليعود إلى كالياري الإيطالي من جديد وتتم إقالته بعد تعادل و3 هزائم، وبعد عامين في الأرجنتين مع فريق فيليز سارسفيلد وبوكا جونيورز، وقضى تاباريز 4 سنوات بعيدًا عن التدريب. - الولاية الثانية مع أوروجواي فشلت أوروجواي بعد تاباريز في التأهل إلى 3 نسخ من كأس العالم من أصل 4 نسخ تالية، ليعود من جديد إلى تدريب أوروجواي في عام 2006، ليقرر حينها إضفاء الطابع المؤسسي على اختيارات وتدريب اللاعبين مع جميع الفئات السنية في المنتخبات سواء تحت 15 سنة وتحت 18 سنة وتحت 20 سنة إلى جانب الفريق الأول، وكان تاباريز هو من يختار مدربي الفئات السنية بنفسه، ووضع مشروعًا كاملًا يعتمد على الدراسة واللعب والتنافس وتعلم كل شيء يتعلق بكرة القدم. وبحلول عام 2016، نجح تاباريز في جني ثمار المشروع الذي وضعه لإعادة هيبة أوروجواي من جديد، حيث وجد 10 لاعبين من أكثر 11 لاعبًا مثلوا أوروجواي عبر تاريخها، من بين اللاعبين الذين بدأ العمل معهم في عام 2006. وكانت أول بطولة لتابايرز في ولايته الثانية هي كوباأمريكا 2007 في فنزويلا، واحتل حينها المركز الرابع، وتأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا، وهناك تمكنت «السيليستي» من تصدر مجموعتها للمرة الأولى منذ نسخة 1954 في سويسرا أي بعد 56 عامًا، ووصلت أوروجواي إلى نصف النهائي للمرة الأولى منذ 40 عامًا، ولكنها خسرت أمام هولندا، واحتلت المركز الرابع بعد الخسارة من ألمانيا. وفي كوباأمريكا 2011 التي أقيمت في الأرجنتين، قاد تاباريز أوروجواي للتتويج بلقب البطولة للمرة ال15 في تاريخها، وباتت حينها أكثر المنتخبات تحقيقا للانتصارات في تاريخ البطولة، ولم تخسر في 18 مباراة متتالية في الفترة ما بين يونيو 2011 وأغسطس 2012. وبعد غياب 84 عامًا، عادت أوروجواي لتشارك من جديد في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لندن 2012 ولكنها ودعت من دور المجموعات، ووصل مع أوروجواي إلى نصف كأس القارات 2013 قبل الخسارة أمام البرازيل، وفي مونديال 2014 ودعت من دور ال16 أمام كولومبيا، ولكن تاباريز حقق إنجازًا كبيرًا بالتغلب على إيطاليا في دور المجموعات، لتحقق حينها أوروجواي أول انتصار على فريق أوروبي منذ 44 عامًا، وتحديدًا منذ التغلب على الاتحاد السوفييتي في مونديال المكسيك 1970. وفي 19 يونيو من عام 2015، احتفل تاباريز بخوضه المباراة رقم 150 على رأس القيادة الفنية مع «السيليستي» أثناء مشاركته في كوباأمريكابتشيلي، وتأهلت إلى ربع النهائي وخسرت أمام البلد المضيف، وفي كوباأمريكا في نسختها المئوية عام 2016 والتي أُقيمت في الولايات المتحدة، ودعت أوروجواي حينها من دور المجموعات. وبعد التغلب على تشيلي بثلاثية نظيفة في تصفيات مونديال 2018، عادل تاباريز رقم فرانشيسكو ماتورانا كأكثر مدرب خوضًا للمباريات في تصفيات أمريكاالجنوبية، وفي شهر أكتوبر من عام 2017، تغلبت أوروجواي على بوليفيا(4-2) لتتأهل إلى مونديال روسيا وتضمن تأهلها بصورة مباشرة دون الحاجة إلى خوض الملحق للمرة الأولى في تاريخها بالنظام الحالي للتصفيات. - خطة اللعب تعتمد أوروجواي بصورة أساسية مع تاباريز على طريقة لعب 4-4-2 من خلال وجود اثنين من لاعبي وسط الملعب بالقرب من الأربعة مدافعين لحمايتهم، وبالتالي تتحول الطريقة إلى 4-2-2-2 عند الهجوم وأثناء الهجمات المرتدة. وبناء على الخصم الذي يواجهه تاباريز يحدد خطته، فمن الممكن أن يعتمد على 2 من اللاعبين كمحور ارتكاز، ومن الممكن أن يعتمد على لاعب واحد فقط في حال قرر لعب مباراة مفتوحة، مع منح اثنين من لاعبي وسط الملعب من بين كريستيان رودريجيز وأراسكايتا ونانديز الحرية للتقدم إلى الأمام لمساعدة كل من إدينسون كافاني ولويس سواريز في الهجوم، مع وجود أي من فاليكانو أو بيتانكور في الخلف لتأدية الواجبات الدفاعية. ولا يعني هذا الأمر تمسك تاباريز بخطة لعبه الأساسية، ففي بعض الأحيان يتحول في طريقة لعبه إلى 4-3-1-2 مع تقدم أراسكايتا على سبيل المثال للعب خلف المهاجمين، كما حدث في مباراته الأخيرة في التصفيات أمام بوليفيا. وما يميز أسلوب لعب أوروجواي الروح القتالية العالية، حيث يستبسل كل من فاليكانو وبينتانكور في وسط الملعب في حماية خط الدفاع وعدم منح الفرصة للفريق الخصم على الاختراق، وبشكل عام ستجد جميع لاعبي أوروجواي يعملون بقوة داخل أرض الملعب لعدم منح الخصم الراحة في التمرير. ويعد السبب الرئيسي وراء استبسال كل من فاليكانو وبينتانكور في وسط الملعب هو التغطية على واحدة من أبرز نقاط الضعف الموجودة في أوروجواي وهو عدم تمتع مدافع الفريق المخضرم دييجو جودين بالسرعات، وبالتالي يهدف تاباريز إلى عدم خلق أي مساحة بين خط الوسط والدفاع يستغلها الخصم في الهجمات المرتدة. ومن يتابع أوروجواي في السنوات العشر الأخيرة سيدرك تمامًا أسلوب لعب أوسكار تاباريز الذي يعتمد على بناء الهجمة من الخلف لتصعيب المهمة على الخصوم في تسجيل الأهداف، ومن ثم محاولة توصيل الكرة إلى خط الهجوم الذي يضم أفضل المهاجمين في العالم من لويس سواريز وإدينسون كافاني. وتتمتع أوروجواي دائمًا بقوة كبيرة في قلب الدفاع، حيث لا يهاجم أي من المدافعين إلا للضرورة القصوى، ومن ثم هناك وسط الملعب الذي يتمتع بالقتالية أكثر من الإبداع، مع وجود خطة لإيصال الكرة إلى الأمام بأسرع صورة ممكنة وضرب الخصوم في الهجمات المرتدة. وحتى الآن لم تحتج أوروجواي لأي شيء سوى أن تنضبط دفاعيًا وتشكل الخطورة هجوميًا، ولم تحتج سوى إلى تجديد الدماء خاصة أن الفريق يوجد مع بعضه البعض منذ مدة طويلة وبخاصة في وسط الملعب، وبالفعل تمكن تاباريز من تجديد دماء الفريق بصورة سريعة للغاية. ووصل إلى منتخب أوروجواي لاعبون جدد بطريقة لعب مختلفة مثل فيدريكو فالفيردي لاعب ديبورتيفو لاكورونيا المعار من ريال مدريد ورودريجو بينتانكور لاعب يوفنتوس وناهيتان نانديز لاعب بوكا جونيورز وماتياس فيسينو لاعب إنتر، وبوصول هؤلاء اللاعبين كان لزامًا على تاباريز تغيير نهجه في اللعب بالاعتماد على الحيوية والموهبة في وسط الملعب. وكان تاباريز قد قال إن أوروجواي لا تمتلك اللاعبين للاعتماد على الأسلوب الأوروبي من القوة البدنية والاعتماد على الحلول الإبداعية، والآن بات يمتلكهم، وخلال التصفيات الماضية والمباريات الودية التالية اتبع أكثر من نهج. وبقى خط الدفاع كما هو بوجود دييجو جودين وخوسيه ماريا خيمنيز، وهما الثنائي اللذان يلعبان مع بعضهما البعض بشكل أسبوعي في أتلتيكو ومدريد ويمتلكان بالتالي تفاهما كبيرا، وعلى الجانب الأيسر هناك لاعب فيرونا مارتن كاسيرس والذي يصل إلى المونديال بصورة جيدة بعد تعافيه من الإصابات الأخيرة، وعلى الجانب الأيمن ستكون هناك معركة بين خبرة ماكسيمليانو بيريرا لاعب بورتو واللاعب الشاب جيليرمو فاريلا لاعب بينارول. وسيحدث التغيير الأكبر في وسط الملعب، فإلى حد كبير ضمن فيسينو اللاعب مكانه في التشكيل الأساسي بعد موسم مميز مع إنتر، وسيكون التساؤل التالي من سيلعب إلى جواره ما بين بينتانكور وفالفيردي، حيث يميل الثنائي إلى التقدم إلى الأمام أكثر من الالتزام بالواجبات الدفاعية، ولكنهما بشكل عام تطورا من اللعب في الدوري الإيطالي والإسباني على الترتيب. وعلى الجانب الأيمن في وسط الملعب، من المنتظر أن يلعب نانديز مع وجود كريستيان رودريجيز على اليسار، وبكل تأكيد لويس سواريز وإدينسون كافاني في خط الهجوم. ولم يغير تاباريز من خطة لعبه 4-4-2 مع وجود لاعبين جدد في وسط الملعب، حيث يتمسك بالضغط العالي في جميع أنحاء الملعب، ولكن ما تطور هو امتلاك لاعبي وسط الملعب والقدرة على خلق فرص لكل من سواريز وكافاني. ومن المنتظر أن يكون ناهيتان نانديز هو مفاجأة تاباريز في النسخة المقبلة من كأس العالم، فاللاعب لن يعاني من ضغوطات اللعب في كأس العالم بل سيتطور مستواه خاصة أنه بات قائد بينارول وهو بعمر 21 عامًا، وبات نجم بوكا جونيورز بعمر 22 عامًا، أما اللاعب المنتظر أن يخيب الآمال فهو كريستيان رودريجيز، على الرغم من لعبه دورًا محوريًا في تشكيل أوروجواي في السنوات الماضية، إلا أنه يصل إلى المونديال بعمر 32 عامًا وبات يفتقد للقوة والسرعة. أرقامه خاض مع منتخب أوروجواي الأول والأولمبي 191 مباراة مدربا، حقق خلالها الفوز في 93 مباراة وتعادل في 48 لقاء وخسر 50 مواجهة أخرى، وسجلت أوروجواي معه 312 هدفًا واهتزت شباكها ب200 هدف، وبلغت نسبة تحقيقه للانتصارات 48,69%. إنجازاته بينارول: كوبا ليبرتادوريس 1987- وصافة كأس الإنتركونتينينتال 1987. بوكا جونيورز: الدوري الأرجنتيني أبيرتورا 1992- سوبر كوبا ماسترز 1992. أوروجواي: كوباأمريكا 2011- المركز الرابع في مونديال 2010. أفضل مدرب في أمريكاالجنوبية عامي 2010 و2011- أفضل مدرب للمنتخبات الوطنية في العالم عام 2011. رؤيته لمصر يرى تاباريز أن مصر ستكون مفاجأة المجموعة الأولى، مشيرًا إلى أنه من المشجعين الدائمين لمدرب الفراعنة هيكتور كوبر، منذ أن كان لاعبًا في الأرجنتين وكان يعمل هو مدربا في الدوري الأرجنتيني. وأشاد تاباريز بالخطط التكتيكية لكوبر وكيف يركز المدرب الأرجنتيني على تشكيل قوام قوى للفرق التي يدربها بدلًا من الاعتماد على المهارات الفردية، ويرى تاباريز أن مباراة مصر ستكون صعبة للغاية، مشيرًا إلى أنه لن يغير طريقة تحضيراته للمباراة بسبب إصابة نجم المنتخب الوطني محمد صلاح، الذي تحوم الشكوك حول لحاقه بتلك المباراة. وأكد تاباريز امتلاك صلاح جودة كبيرة، وينبغي في حال تأكد مشاركته في المباراة التأكد من عدم إعطائه أي مساحات في الملعب لامتلاكه سرعات كبيرة للغاية. شخصيته عمل تاباريز من قبل معلما في المدارس الابتدائية قبل بداية مسيرته التدريبية، وساعده هذا الأمر على التمتع بالسلوك الهادئ، ومن النادر أن تجده يعنف اللاعبين بصورة غاضبة، ويشجع تاباريز لاعبيه على قراءة الكتب بدلًا من لعب ألعاب الفيديو، بل وأنشأ مكتبة في مركز تدريب أوروجواي لمساعدة لاعبيه على القراءة. فلسفته قبل مشاركته في كوباأمريكا 2011، أكد تاباريز أهمية كلمة "نحن" التي ترمز إلى التعددية وتؤكد أهمية المجموعة والعمل كفريق واحد. ويقول لاعب أوروجواي السابق دييجو فورلان بأن تاباريز من المدربين الناجحين للعديد من الأسباب، أولها لثقته التامة في اللاعبين وثانيها قراءته للمباريات بصورة استثنائية ويجري التغييرات في الوقت المناسب عند الحاجة، ويمتلك معرفة هائلة بجميع الخصوم التي يواجهها ولا يخشى أبدًا منح اللاعبين الشباب الفرصة، ولا يخشى التعديل على طريقة لعبه المفضلة 4-4-2. ويرى تاباريز أنه لا يزال يتعلم شيئًا جديدًا كل يوم، فالأمر لا يتوقف عنده عند الجلوس وإعطاء الآخرين النصائح، ويحب تاباريز متابعة فرق برشلونة وريال مدريد ومانشستر سيتي ومانشستر يونايتد إلى جانب منتخبي هولنداوألمانيا للتعلم منهم. ويرى مدرب «السيليستي» أنه لا يتعامل مع نجوم في الفريق بل أشخاص عاديون، معربًا عن تفهمه لجذب بعض اللاعبين الأضواء في الصحف العالمية، ولكن هذا لا يغير بالنسبة له حقيقة أنهم أشخاص عاديون عليهم واجبات والتزامات يجب أن يقدموها، وعندما يرغب في مشاهدة النجوم ينظر إلى السماء ليجدها لا إلى اللاعبين.