صدر العدد الجديد من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" فى طبعتها العربية التى تصدر فى أبو ظبى، حاملا عنوانا رئيسيا لموضوعاته هو "البلاستيك"؛ فبقلم: لورا باركر، وعدسة: راندي أولسون، نطالع استعراضا عاما للموضوع، حيث نتعرف على التأثير الخطير للغاية ل"البلاستيك"، فى هذه المقاربة الدقيقة والطريفة: "لو كان البلاستيك مخترَعا في زمن انطلاق المهاجرين البريطانيين إلى أمريكا الشمالية على متن سفينتهم الشهيرة "ذا ميفلاور" -فكانت هذه الأخيرة محمَّلة بقنينات الماء البلاستيكية والوجبات المغلّفة بأغشية البلاستيك- لربما عثرنا اليومَ على نفاياتهم البلاستيكية.. رغم مضيّ أربعة قرون على تلك الرحلة. فلو أن هؤلاء المهاجرين -كحال كثير من الناس اليوم- ألقَوا في البحر نفاياتهم البلاستيكية تلك المفترَضة، لكانت أمواج المحيط الأطلسي وأشعة الشمس قد فتّتتها إلى قطع دقيقة. ولربما رأينا هذه القطع اليومَ عائمةً تطوف حول محيطات العالم، حيث تمتصّ موادّ سامّة فتضيفها إلى ما تحويه أصلاً من سموم، بانتظار أن تأكلها هذه السمكة أو تلك المحارة؛ وربما ينتهي بها المطاف على مائدة طعامنا. علينا أن نحمد الله أن هؤلاء المهاجرين الأوائل لم يكن لديهم أي بلاستيك حينها.. هذا ما خطر على بالي وأنا أركب القطار إلى مدينة بليموث الواقعة على ساحل إنجلترا الجنوبي. كنت حينها في طريقي إلى مقابلة رجل يساعدني على فهم كل هذا العبث الكارثي بالبلاستيك الذي اقترفناه بأيدينا، لا سيما في المحيطات. ولأن البلاستيك لم يكن قد اختُرع حتى أواخر القرن التاسع عشر، ولم يُشرَع في إنتاجه على نطاق واسع إلا عند حلول عام 1950، فإننا محظوظون بأن علينا اليوم تدبير 8.3 مليار طنٍ من منتجاته فقط. ومن هذه الكمية، فإن أكثر من 6.3 مليار طن قد أصبح نفايات. ولا يعلم أحدٌ كمَّ النفايات البلاستيكية غير المعالجة الذي ينتهي به المطاف في المحيط.. بالوعة العالم الأخيرة. على أن "جينا جامبيك" -أستاذة الهندسة لدى "جامعة جورجيا" الأمريكية- كانت قد أثارت انتباه العالم عام 2015 إذ أعلنت تقديرها تلك الكمية بما بين 4.8 و12.7 مليون طن كل عام، من المناطق الساحلية وحدها. ومعظم تلك النفايات لا يُرمى من السفن -حسب قولها وقول زملائها- بل يُلقى به من دون مبالاة على الأرض أو في الأنهار؛ ويحدث ذلك في آسيا غالباً. ومن ثم تذروه الرياح أو تحمله مياه النهر إلى البحر. ولكُم أن تتخيّلوا 15 كيس بقالة محشوّة بالنفايات البلاستيكية تنتصب على كل متر من الخطوط الساحلية حول العالم، تقول جامبيك، ويعادل ذلك زُهاءَ 8 ملايين طن، وهو تقديرها الوسطي لما نلقي به في المحيطات من نفايات بلاستيكية سنوياً. ومن غير الواضح كَم يلزم من الوقت كي تتحلّل هذه النفايات البلاستيكية بيولوجياً إلى الجزيئات المكوّنة لها؛ فالتقديرات تتراوح بين 450 سنة.. وبين عدم التحلّل مطلقاً! ويقدَّر عدد الحيوانات البحرية التي يقتلها البلاستيك في المحيطات سنويا بالملايين. فمن المعروف أن نحو 700 نوع -منها ما هو مهدد بالانقراض- قد تضررت بفعله. بعضها يتضرر بصورة جليّة، فيَنفُق اختناقاً بشباك الصيد المهملة أو حلقات علب المشروبات. ومن المحتمل أن أعداداً أكبر تتضرر من تلك النفايات البلاستيكية بطريقة غير مرئية؛ فالآن هناك أنواع بحرية من مختلف الأحجام -من العوالق البحرية الحيوانية إلى الحيتان- تأكل جُسيمات البلاستيك الدقيقة (Microplastics)، وهي قطع يقل عرضها عن خمسة مليمترات." وعن تأثير البلاستيك على الكائنات الحية تقدم لنا عدسة: ناتاشا دالي صورا معبرة ويتضمن موضوع "إنهاك الحياة البرية" تنبيه حاسم من الآثار المدمرة حيث "في معظم الأوقات، يكون الضرر غير مرئي"، وحيث "إن ما يجعل البلاستيك مفيدا للبشر -أي صموده طويلاً وخفة وزنه- هو ما يزيد خطورته على الحيوانات. يدوم البلاستيك زمنا طويلا، وكثير منه يبقى طافياً: مصاصات الشرب وقنينات الماء والأكياس البلاستيكية: "البلاستيك ذو الاستعمال الوحيد هو الأسوأ. انتهى الكلام. لا وجود لاستثناء"، ويُذكَر إلى حد الساعة أن نحو 700 نوع من الحيوانات البحرية أكلت البلاستيك أو عَلقت فيه، وفى الصورة التالية تعبير عن تلك المشكلة الخطيرة. إنهاك الحياة البرية حرر المصور هذا اللقلق من كيس فى مكب نفايات بإسبانيا، قد يقتل كيس واحد أكثر من مرة؛ فالجثث تتحلل، ويبقى البلاستيك لتختنق من جرائه حيوانات أخرى أو تعلق فيه. وفى مواجهة تلك المشكلة الخطيرة تبدو فكرة "تنظيف المحيطات" التى عرضها "إيكو كوست"، وصورها محمد طاهر بعدسته فكرة "خيالية" حيث يذكر الكاتب أن بحار العالم (تستقبل) نحو 8 ملايين طن نفايات بلاستيكية كل عام، تعمل دوامات محيطية عملاقة على دفعها إلى أعالي المحيطات، كما هو حال "دوامة نفايات شمال المحيط الهادي" التي جمعت "جزرا" من النفايات تناهز مساحاتها المليون كيلومتر مربع". و"تبدو فكرة التخلص من هذا التلوث البلاستيكي شبه مستحيلة. لكن منظمة هولندية غير ربحية تدعى (The Ocean Cleanup) قررت التصدي لهذه المشكلة المتفاقمة، وتفتقت أدمغة أصحابها عن واحد من أكثر مشروعات تنظيف البحار طموحاً حتى يومنا هذا؛ تثبيت سياجات عائمة مكونة من شاشات ومراسٍ مهمتها جمع كل ما هو بلاستيكي من زجاجات وأكياس وشبكات صيد وغيرها مما يمخر عباب محيطاتنا، وإعادتها إلى الشاطئ لتدويرها". وتحت عنوان "أغلى ما أملك" كتب محمد طاهر عن تلك الصور التى وثّق بها براين سوكول ل"ست موجات لجوء بشرية منذ عام 2012"، وأشار طاهر إلى أن سوكول لا يُخفي إعجابه بالشخصيات التي قابلها. أما أكثر من ترك أثرا غائرا في نفسه فكان "عمر": العجوز الروهينغي فاقد البصر ذو المئة وعامين. انفصل عمر عن عائلته في خضم مذبحة أودت بأولاده وأحفاده في ميانمار، ومشى ثلاثة أيام بلياليها للوصول إلى نهر حدودي يفصل بلاده عن بنجلادش المجاورة، معتمداً على بوصلتين: عصاه وهدير سيل الفارين أمامه. وبعدما غرز المركب الصغير الذي تمكن من ركوبه في سبخةٍ موحلة، تاه الرجل وحيداً وسط غابة قرم 12 ساعة قبل أن يتحسس بر الأمان. ويذكر، طاهر، أنه سأل "سوكول" عن "الشيء الأهم" الذي قد يحمله معه لو قُدِّر له أن يكون لاجئا، فأجاب: "يعتمد ذلك على الظروف. بالنسبة إلي، أفترض أن جواز السفر هو الشيء الأهم، ولكن لحظة الفرار قد أختار هاتفاً أو معطفاً.. أو كاميرا". من بين تعليقات، طاهر، على إحدى صور "سوكول" نطالع هذا التعليق لهذه الصورة. تمارا من سورية: "عندما غادرت منزلى فى إدلب كان الرصاص ينهمر من كل جانب، أهم ما تمكنت من إحضاره هو شهادتى. آمل بواسطتها متابعة تعليمى فى تركيا".