كثير من صناع الدراما العربية في الموسم الرمضاني الحالي، يحاولون جاهدين نقل الكيفية التي تفكر بها الجماعات التكفيرية وآلية إدارتها من الداخل، وذلك مما يُسمى بظاهرة "دراما داعش"، عبر عدة مسلسلات، أبرزها "السهام المارقة"، الذي تعرضه قناة "أبو ظبي" الإماراتية بعد أن امتنعت القنوات المصرية عن عرضه، وهو عمل يُقدّم جرعة درامية تحاول التَّماس مع تلك الجماعات، وتكشف بعض الملابسات الخاصة بتنظيمات الدم والتطرف والإرهاب. "السهام المارقة" بطولة كل من شريف سلامة، هاني عادل، وليد فواز وشيري عادل، ويشارك من فناني العالم العربي كل من التونسية عائشة بن أحمد، اللبنانية دياموند أبو عبود، السعودي هشام فقيه، والعراقي كامل إبراهيم، وهو من تأليف آل دياب "خالد ومحمد وشيرين"، وإنتاج محمد حفظي ومعز مسعود، وإخراج محمود كامل. الفنان شريف سلامة يجسد دور "عمار" شاب يميل إلى التطرف في التفكير ولديه فهم خاطئ لبعض المعتقدات، الأمر الذي يدفعه للانتماء لجماعة إرهابية، ثم يصبح قائدًا فكريا لها، لنرى الطريقة التي يفكر بها والنهج الخاطئ الذي يستخدمه وعملية غسيل المخ التي يخضع لها من خلال وجوده في هذا التنظيم، بينما تظهر الفنانة شيري عادل في قمة نضجها الفني، وتؤدي دور "مريم" الشخصية المعقدة والمتقلبة، وهي فتاة مسيحية ويقوم بعض أعضاء التنظيم الإرهابي بأسرها وإجبارها على الدخول في الإسلام للمحافظة على حياتها، وفي سبيل ذلك تمر بالعديد من الأزمات. العمل يرصد وحشية الجماعات المتطرفة وأفكارها وأعمالها الإرهابية، التي نفذتها في عدة دول عربية، ويُقدّم كواليس المعسكرات والسبايا اللواتي يقعن تحت أيديهن ويجبرونهن على التجنيد بالتنظيم، وتعامل القيادات المتطرفة مع الأسرى والمنضمين الجدد بجانب العلاقات بين قياداته، ويعرض كيفية إدارة تلك الجماعات من الداخل، ويتناول ظروف الجماعات المسلحة في المجتمعات العربية، وانتشار بؤر الإرهاب في كل مكان، التي جعلت المجتمع في حالة من عدم الاستقرار. تتوالى أحداث "السهام المارقة"، وتكشف يومًا بعد يوم الوجه القبيح لأعضاء التنظيم الإرهابي، وما يُكنونه في صدورهم من غلٍّ وحقد للبشرية جمعاء، وتتناول المشاهد بعض اليوميات لسيدات جنّدْن في التنظيم الإرهابي، ويلعب المؤلفان "محمد وخالد وشيرين" دياب، على وتر تناول قصة كل واحدة منهن، من خلال شخصيات "أم جويرية وأم أُبي وحبيبة ومريم". "السهام المارقة" يعالج موضوعًا مهما للغاية، تتعقد فيه العلاقات والحكايات وتتشابك بصورة تشعر المتفرج بحجم المأساة، وهو أول مسلسل يدور في أرض الخلافة كما يزعم "داعش"، وهو دراما مشوّقة تتعدى إطار الرسائل العاطفية التي تقف فقط على أطلال الدمار، وعرضه خارج الموسم الرمضاني كان أفضل له من حيث زيادة نسب مشاهدته، ويؤخذ عليه أن المكساج والإضاءة سيئان جدا، وأن صوت الموسيقى التصويرية كان مرتفعًا في معظم المشاهد مما أثر على وضوح الحوار أحيانًا. العمل يُشير إلى أقوام تبث الكره في قلوب الناس وتساعد على انتشار الدم من خلال أفكار سطحية مشبعة بالعنف والتوحش وأحلام الخلافة الزائفة، بالاعتماد على تطويع بعض النصوص الدينية وتحريفها وإخراجها عن سياقها الموضوعي بما يتناسب مع غايات التنظيم الإرهابي السياسية التوسعية، ومصالح قادته الشخصية، وخير ما فيه أنه يحاول الإجابة عن تساؤل كيف تحولت أحلام هؤلاء إلى كابوس يُحاصرنا؟