شهد يوم الجمعة الماضي، لحظة تاريخية بعد أن عبر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، الحدود بين الكوريتين في قرية الهدنة للقاء رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن، في قمة مشتركة. وتمخض اللقاء عن التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب الكورية، وإعلان كيم نيته التفاوض على التخلي عن برنامج بلاده للأسلحة النووية. ودفع هذا النجاح العديد من المتابعين لشؤون الأمن القومي الأمريكي، وكبار الشخصيات الدولية، وكذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه، إلى القول بأن الأخير يستحق الكثير من الفضل في نجاح هذه القمة. حيث نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، عن مايكل موريل، مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق، قوله "أعتقد أن الرئيس يستحق الفضل في الوصول إلى هذا الوضع، فلم يضع أي رئيس ضغطًا كبيرًا على كوريا الشمالية كما فعل دونالد ترامب، وهذا أمر جيد". اقرأ المزيد: لماذا يجب على ترامب اتباع النموذج الليبي في التعامل مع كوريا الشمالية؟ كما قال ستيفن كولنسون مذيع شبكة "سي إن إن" في حقيقة الأمر، يحق للرئيس دونالد ترامب أن ينسب إليه فضل كبير في قمة الجمعة التاريخية بين الكوريتين. كما صرح وزير الخارجية الكوري الجنوبي "كانج كيونج وا" لمذيعة "سي إن إن" كريستيان أمانبور في سيول "أنه من الواضح أن الفضل يعود للرئيس ترامب"، وأضاف "لقد كان مصرا على التعامل مع هذا الأمر منذ اليوم الأول في السلطة". وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو، قال في بروكسل "لم نكن لنصل إلى ما نحن عليه اليوم دون حملة الضغط القصوى التي شنها الرئيس ترامب". وتخطى الأمر مجرد الإشادة بدور ترامب، ليصل إلى اقتراح الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن، بحصول ترامب على جائزة نوبل للسلام. الصحيفة الأمريكية، قالت إن كل هذه الادعاءات بأن "ترامب" لديه الفضل في الوصول إلى هذه اللحظة، قائمة على فكرة أن حملة الرئيس الأمريكي للضغط على كوريا الشمالية، دفعت الأخيرة إلى طاولة المفاوضات. اقرأ المزيد: فاينانشال تايمز: موقف واشنطن المتشدد قبل قمة كوريا الشمالية قد يعرقل المفاوضات إلا أنها أشارت إلى أنه حتى إذا كانت حملة الضغط هذه قد زادت من حدة العقوبات على بيونج يانج، فإن هذا النوع من التحليل يبعث على السخرية، وهو يتجاهل حقيقة أن موقف كيم في المفاوضات، قد أصبح أكثر قوة خلال العام الماضي. حيث خطت كوريا الشمالية خطوات كبيرة في كل من تكنولوجيا الصواريخ النووية والباليستية، كما أنها لم تكن تقصد تدمير الجبل حيث أجرت تجاربها الصاروخية. ونظرًا لهذه الحقائق، فإن تحول كيم إلى المفاوضات أمر غير مفاجئ، حيث لا يمكن التوصل لسبب مقنع، يدفع كيم إلى تغيير موقفه سوى زيادة القوة العسكرية لكوريا الشمالية والضعف الاقتصادي لبلاده. ومع ذلك، يؤكد العديد من مستبقي الأحداث، أن الرئيس يستحق بعض الفضل في الإشارات الوليدة على التقارب الكوري. ولكن هذا ليس بسبب حملة الضغط التي شنها ترامب، ولكن قام الرئيس الأمريكي بأمرين آخرين ساعدا في الوصول إلى هذه اللحظة. الأول هو أنه يتمتع بمرونة العقل وتضخم الأنا، ما يجعله يرغب في الاجتماع مع كيم، على الرغم من أن الاجتماع يمنح شرعية كبيرة للزعيم الكوري الشمالي، لكن "ترامب" مستعد لتقديم تنازلات من أجل الجلوس معه، وهو ما يمثل بالتأكيد تحولا هائلا عن خطاب "النار والغضب" الذي استخدمه الصيف الماضي، لكنه يتفق تمامًا مع استراتيجيته التفاوضية كرئيس. اقرأ المزيد: إذا نجحت مفاوضات السلام مع كوريا الشمالية.. هل يحصل ترامب على نوبل؟ الشيء الثاني الذي فعله ترامب هو الإشارة، عن قصد أو دون قصد، إلى أنه مستعد لتجاهل كوريا الجنوبيةواليابان في أي اتفاق نووي مع كوريا الشمالية. كان أن إصرار ترامب على إعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الولاياتالمتحدةوكوريا الجنوبية، حتى في ظل تزايد التوترات مع كوريا الشمالية، يشير إلى أنه لا يبدي أي اهتمام بالعلاقات مع حليف قديم للولايات المتحدة، كما أن رفضه إعفاء اليابان من التعريفة الجمركية على صادرات الصلب والألمنيوم، هو مثال آخر على تجاهله للحلفاء الأمريكيين. ومن وجهة نظر كيم، فإن تخلي الولاياتالمتحدة عن حلفائها هو حلم أصبح حقيقة لكوريا الشمالية، وربما دفعت هذه الإجراءات كوريا الجنوبية إلى تبني موقف المساومة خلال المفاوضات. وقالت "واشنطن بوست" إن موقف ترامب من هذه القضية جعل من الممكن لكوريا الشمالية أن تتصور التوصل إلى الصفقة التي تحلم بها، والمتمثلة في انسحاب الولاياتالمتحدة من شمال شرق آسيا. وبالفعل هناك إشارات أولية إلى أن إدارة ترامب مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة، حيث قال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، إن بلاده ستناقش مع حلفائها وكوريا الشمالية، مستقبل القوات الأمريكية الموجودة في كوريا. اقرأ المزيد: بعد لقاء القمة.. 65% من سكان كوريا الجنوبية يثقون في بيونج يانج ولكن لن يعني أي من هذا أن "ترامب" سيتخلى تمامًا عن حلفاء الولاياتالمتحدة بعد لقائه مع كيم، حيث ترى الصحيفة أن بعض أعضاء إدارته لن يكونوا متحمسين لهذه النتيجة. فيما يقوم بعض مساعدي ترامب الأكثر تشددًا بما في وسعهم للتقليل من شأن المحادثات مسبقا، حيث من الممكن أن يكون كل هذا مجرد تقارب بين ساكني شبه الجزيرة الكورية، والذي حدث قبل ذلك ولم يسفر عن أي نتيجة. مع ذلك، أعزو الفضل إلى ترامب، الذي كان على استعداد للتراجع عن مواقفه، والتخلي عن حلفاء بلاده في المنطقة، الذين ساعدوا في الوصول إلى تلك اللحظة.