قبل القمة التاريخية بين الكوريتين.. الجانب «التافه» من الدبلوماسية

من المقرر أن يعبر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، خط ترسيم الحدود العسكرية، الذي يقسم الكوريتين في الساعة 09:30 صباح غد الجمعة بالتوقيت المحلي للقاء الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن.
القمة هي الأولى منذ أكثر من عقد من الزمان، فبعد سنوات من العلاقات الفاترة، وتبادل الاتهامات، وينظر إلى هذه القمة باعتبارها لحظة نادرة ومفعمة بالأمل للسياسيين الكوريين الجنوبيين.
وأشارت شبكة "بي بي سي" البريطانية، إلى أن البلدين لم تحظيا بعلاقات رسمية، حيث لم توقعا معاهدة السلام بعد نهاية الحرب الكورية عام 1953، وتبنى كيم داي جونج رئيس كوريا الجنوبية "سياسة الشمس المشرقة" لإعادة العلاقات مع الشمال منذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وحصد بسببها على جائزة نوبل للسلام.
ولكنها انهارت بعد عقد من الزمان، وذلك بعدما غيرت السياسة الكورية الجنوبية مسارها، وواصلت بيونج يانج العمل على تطوير طموحاتها النووية غير القانونية.
اقرأ المزيد: كيم جونج أون يزور كوريا الجنوبية لأول مرة
وعلى مر السنين، انخرطت الكوريتين في ما قد يعتبره البعض حروبًا صغيرة، لإثبات تفوقهما، دون التسبب في أضرار دائمة، والتي تشبه إلى حد كبير بعض الأساليب التي استخدمها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة خلال الحرب الباردة.
وصرح المحلل انكيت باندا ل"بي بي سي" قائلًا إن "هذا النوع من المواجهات، يوفر منفذًا تنافسيًا مهمًا بين الجانبين، بعيدًا عن الصراع العسكري المحتمل".
مضيفًا أنه "بالنسبة لكلا الجانبين، أن ما يبدو لنا تافهًا، يكون له قيمة رمزية هامة، فالبلدين مختلفان بشكل كبير أيدولوجيًا، ويريان أنه من المهم اثبات قوة نظام حكمهما".
هذه بعض النقاط الصغيرة التي حاول كلا الجانبين استخدامها على مر السنين:
مكبرات الصوت:
حيث تخوض الدولتان "معركة حنجورية" منذ سنوات، فقبل أغسطس 2015، تم إيقاف مكبرات الصوت لمدة عامين، وبموجب اتفاق تم التفاوض عليه بين البلدين.
ولكن في 2015، بعد أن أصيب جنديان كوريان جنوبيان بجروح بالغة بسبب الألغام التي زرعتها كوريا الشمالية في المنطقة المنزوعة السلاح، أعادت كوريا الجنوبية تشغيل مكبرات الصوت مرة أخرى.
اقرأ المزيد: بي بي سي: انهيار موقع إجراء التجارب النووية في كوريا الشمالية
وتوقفت هذه المكبرات مرة أخرى عام 2015، واستؤنفت بعد ذلك عام 2016 ردًا على إدعاء كوريا الشمالية بأنها اختبرت قنبلة هيدروجينية.
لكن ما الذي بثته كوريا الجنوبية في مكبرات الصوت الخاصة بها؟
يمكن سماع أي شيء، بدءًا من تقارير الأحوال الجوية، والمسلسلات، والأخبار عن الكوريتين التي لا يمكن سماعها في الجانب الآخر من الحدود، وكذلك أغاني البوب.
وعادة ما تستهدف مكبرات الصوت حرس الحدود، وعلى الرغم من وصول الأصوات أحيانًا إلى المواطنين الذين يعيشون بالقرب من حدود المنطقة المجردة من السلاح.
وقال الدكتور جيمس كيم من المعهد الأسيوي للدراسات السياسية، "إن مكبرات الصوت تعمل طوال الليل والنهار، وتؤثر على معنويات بعض جنود كوريا الشمالية لأن بعضهم لا يستطيع النوم، وبعضهم منهك مما يسمعه طوال اليوم"، وأضاف أن "ما تقلق كوريا الشمالية بشأنه هو التأثير النفسي لهذه البرامج".
فيما تحمل إذاعات كوريا الشمالية إدانات صارمة لسيول وحلفائها، ويقال إنه من الصعب سماعها، ربما نتيجة لضعف مكبرات الصوت.
لكن كوريا الجنوبية أوقفت مكبرات الصوت، بعد أيام فقط من إعلان كوريا الشمالية أنها أوقفت جميع تجاربها النووية، وتجارب الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ويبدو أن كوريا الشمالية توقفت عن بث الدعاية أيضا، وفقًا لما يقوله السكان على الجانب الجنوبي من الحدود.
ولم تعلن سيول ما إذا كانت تعتزم استئناف البث بمجرد انتهاء لقاء القمة.
أحجام سارية العلم
خلال فترة الثمانينيات، قامت حكومة كوريا الجنوبية ببناء سارية للعلم يبلغ طولها 97 مترًا، في قرية دايسونج دونج الحدودية، وردت كوريا الشمالية ببناء سارية للعلم يبلغ طولها 160 مترًا في بلدة جيجونج دونج الحدودية.
اقرأ المزيد: بعد إعلان كوريا الشمالية وقف برنامجها النووي.. ماذا ينتظر ترامب في اجتماعه مع كيم؟
وأشار الدكتور جيمس كيم، إلى أن "هذا يعد علامة طيبة على أن أحدهم يحاول أن ينافس الآخر"، وأضاف "مع ذلك، ربما كان من المهم للغاية بالنسبة للشمال أن تكون ساريته أكبر، لكن كوريا الجنوبية لم تكن مهتمة حقاً".
البالونات الدعائية
لكل من الكوريتين تاريخ طويل في إطلاق البالونات الدعائية تجاه أراضي بعضها البعض.
ففي كوريا الجنوبية، يقوم المنشقون والمحافظون والجماعات الدينية، بإطلاق مثل هذه البالونات بانتظام، والتي يمكن أن تحتوي على أي شيء بداية من المنشورات حتى بسكويت الشوكولاتة.
ويمكن أن تستمر البالونات في الطيران حتى آلاف الأميال، وقد أثبت أنها "فعالة جدًا"، وفقًا لما ذكره أليكس جلادشتاين، الرئيس التنفيذي في مؤسسة حقوق الإنسان، التي تدير برنامج "ذاكرة فلاشية من أجل الحرية"، وهي مبادرة ترسل "الذاكرات الفلاشية" إلى كوريا الشمالية.
وتحتوي الذاكرات الفلاشية الخاصة بالمؤسسة، على أي شيء يمكن توقعه من مجموعة مختارة من الأفلام والبرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية وصور الحياة اليومية في كوريا الجنوبية.
لكن كوريا الشمالية أرسلت أيضًا نصيبها من البالونات إلى كوريا الجنوبية، في عام 2016، تم العثور على المئات من المنشورات التي تمدح كوريا الشمالية في سيول، قبل المؤتمر السابع لحزب العمال الكوري الشمالي، وهو الأول منذ 36 عامًا.
اقرأ المزيد: رئيس كوريا الجنوبية يكشف «مفاجأة» بشأن السلاح النووي لبيونج يانج
وانتشرت التكهنات بعد ذلك، بأن بيونج يانج قد تكون أرسلت المنشورات كجزء من حربها النفسية ضد كوريا الجنوبية، لكن على الرغم من أنه من غير المرجح أن تترك هذه المنشورات أثرًا كبيرًا في كوريا الجنوبية، إلا أنها قد تكون أكثر من مجرد أمر "تافه" بالنسبة لكوريا الشمالية.
وذكر الدكتور كيم في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي"، "كنت في وسط مدينة سيول وشاهدت منشورات دعائية عدة مرات، أنها مثيرة للاهتمام ومبتكرة بالنسبة للكوريين الجنوبيين، لكن لا يمكن اعتبارها تهديدًا لسبل عيشهم اليومية".
وأضاف "لكن بالنسبة للكوريين الشماليين، فإن هذه المنشورات مهمة للغاية، فالإيديولوجيا مهمة للغاية بالنسبة لهم، وهذا ما يبقي نظامهم متماسكًا، لذا قد يظنون أن هذا الأمر يشكل تهديدًا لكوريا الجنوبية أكثر من مواجهة عسكرية صغيرة".
العملاء السريين:
في عام 2016، استأنفت كوريا الشمالية عملية بث "الأرقام" المشفرة بعد انقطاع دام 16 عامًا، وهي الخطوة التي أغضبت كوريا الجنوبية.
وعادةً ما تشتمل عمليات بث الأرقام، كما يوحي الاسم، على سلسلة من الأرقام التي يتم قراءتها على الهواء، والتي لن يفهم مغزاها سوى شخص ما لديه مفتاح فك الشفرة، وعادة ما يكون من العملاء السريين لكوريا الجنوبية في بلد أجنبي.
اقرأ المزيد: رئيس كوريا الجنوبية: قمة ثلاثية لإنهاء التهديد النووي على شبه الجزيرة الكورية
وقد بُثت هذه الشفرات لمدة 12 دقيقة في وقت متأخر من الليل، على محطة راديو "بيونج يانج"، وهي محطة دعائية تستهدف كوريا الجنوبية.
وقد يتساءل البعض لماذا تم استئناف بث الشفرات بشكل مفاجئ بعد 16 سنة؟
أشارت الشبكة البريطانية، إلى أن بث الشفرات، جاء مباشرة بعد إعلان الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، نشر بطاريات صاروخية دفاعية من طراز "ثاد" في كوريا الجنوبية.
وليس من الواضح ما إذا كانت هذه الخطوة هي عملية انتقامية مباشرة، لكنها بالتأكيد كانت مصدر قلق لكوريا الجنوبية، التي حثت كوريا الشمالية على "الكف عن مثل هذه الممارسات".