في أوائل عام 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، وهي جزء من أراضي أوكرانيا، ومنذ إبريل 2014، دعمت السلطات الروسية أعمال الجماعات المسلحة غير القانونية في شرق أوكرانيا، مما أدى إلى مقتل أكثر من عشرة آلاف شخص. وردا على العدوان الروسي، فرضت الدول الغربية عقوبات منسقة ضد الأفراد والمصارف والشركات الروسية، وكانت النية المعلنة هي جعل روسيا تتخلى عن سياستها العدوانية، وكانت الآلية الرئيسية للعقوبات هي زيادة التكاليف الاقتصادية للعدوان. وتقول مجلة "ناشونال إنترست" إن السنوات الأربع التالية أظهرت أن الغرب لم يتمكن من تحقيق هدفه المتمثل في وضع تكلفة مرتفعة بما يكفي لكي يجبر الكرملين على التخلي عن عدائه. وانتهت المرحلة الصعبة من الصراع في منطقة دونباس بحلول مارس 2015، بعد أن ساعدت القوات الروسية المتمردين في السيطرة على مدينة "ديبالتسيف" ذات الأهمية الاستراتيجية، حيث قوبلت جهود الدول الأوروبية لدفع روسيا نحو إنهاء الصراع في إطار عملية "مينسك" بمقاومة من موسكو. اقرأ المزيد: روسيا: إقرار قانون الرد على العقوبات الأمريكية في أسرع وقت ولم تنجح محاولات الولاياتالمتحدة، للمساعدة في البحث عن مخرج للصراع، حيث انهارت المفاوضات بين روسياوأمريكا، بسبب موقف الكرملين غير البناء. وفي أواخر عام 2014 وبداية عام 2015، اعتقد الكثيرون أن العقوبات الاقتصادية المفروضة فرضت ضغوطًا كبيرة على روسيا، حيث فقد "الروبل الروسي" قيمته بسرعة، وانخفضت الأسواق المالية في روسيا، ودخل الاقتصاد في حالة من الركود. ومع ذلك، سرعان ما أصبح واضحًا أن هذا التقييم مبالغ فيه، فإلى جانب العقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسي، لعب الانحدار السريع في أسعار النفط العالمية، تأثيرا أكبر بكثير في الأزمة الاقتصادية في روسيا. فبحلول ربيع عام 2016، لم يعد تأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي ملموسًا، حيث ساعدت الزيادة في أسعار النفط والنمو في الطلب العالمي على السلع الأساسية، الاقتصاد الروسي على تجنب استمرار الركود. وقال الخبراء إن تأثير العقوبات "غير المرئي"، والذي لا يمكن قياسه بالأرقام، تمثلت في إحجام معظم الشركات الغربية عن الاستثمار في روسيا بسبب المخاطر السياسية لممارسة الأعمال التجارية في روسيا، وأكدوا أنه على المدى الطويل، سيؤدي هذا بالتأكيد إلى تدهور الاقتصاد الروسي، ولكن اليوم لا يأخذ الكرملين هذا التحدي في الاعتبار. اقرأ المزيد: ألمانيا: العقوبات الأمريكية على روسيا تضر بمصالحنا وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن عدم فعالية العقوبات ضد روسيا، يرجع إلى ضعف هذه العقوبات بشكل واضح، حيث إن الضغوط المفروضة على روسيا، لم تتعد جزءًا من الضغط المفروض على إيران في عام 2012. من ناحية أخرى، فقد كان واضحًا أن هناك رغبة ضئيلة في توقيع أي ضغط إضافي على روسيا، حيث لم تكن أوكرانيا أولوية بالنسبة للرئيس أوباما، وكان يسعى لتجنب تفاقم العلاقات مع روسيا. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، كانت الآثار الاقتصادية للعقوبات أقوى بكثير من الولاياتالمتحدة، وواجهت مقاومة قوية في الدول الكبرى في الاتحاد بما في ذلك ألمانياوفرنسا وإيطاليا. وخلال عام 2016، استمر تركيز الغرب على العدوان الروسي على أوكرانيا في الانخفاض، وسط الانشغال بمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات في فرنساوألمانياوالولاياتالمتحدة. واستفاد الكرملين من هذا التوقف لتوسيع أنشطته العدائية ضد الغرب، وحول انتباهه من أوكرانيا إلى القوى الغربية الرئيسية، حيث بدأت روسيا في التدخل بنشاط في العمليات الانتخابية، وإثارة عدم الاستقرار السياسي، وأصبحت القرصنة، والتضليل والتلاعب بالرأي العام من خلال الشبكات الاجتماعية، أدوات العدوان الجديدة. اقرأ المزيد: أمريكا تدرج 38 رجل أعمال وشخصيات رسمية روسية على قائمة العقوبات وعلى الرغم من أن الكثير من هذه الأنشطة أصبحت واضحة في النصف الثاني من عام 2016، فإن الغرب، وخاصة الولاياتالمتحدة، لم يتجاوب في البداية. ولم يغير وصول الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض الكثير من الناحية العملية، فطوال عام 2017، بقيت سياسة واشنطن تجاه روسيا غامضة وغير واضحة. إلا أن تغيرا واضحا في موقف الإدارة حدث في أوائل عام 2018، بعد تقديم تقريرين إلى الكونجرس، وفقًا لقانون مناهضة خصوم أمريكا من خلال العقوبات. لكن كان ينظر إلى هذه التقارير على أنها ضعيفة، حيث احتوت واحدة، قائمة تضم ستة وستين شخصًا ضمت مسؤولين حكوميين، بالإضافة إلى جميع الروس الذين يملكون ثروة تزيد على مليار دولار، والتي اعتمدت على تقييمات مجلة "فوربس". بينما قالت وزارة الخزانة الأمريكية في التقرير الآخر، إنه سيكون من غير العملي فرض حظر على شراء أذون الخزانة الروسية. واعتبرت هذه التقارير بمثابة علامة على عدم رغبة الإدارة في مواجهة العدوان الروسي، وتسببت في موجة كبيرة من الانتقادات في الكونجرس ووسائل الإعلام. اقرأ المزيد: هل تؤثر العقوبات الأمريكية على بوتين فعلًا؟ ومع ذلك، أُتبعت هذه التقارير بسلسلة من التصريحات والإجراءات، أظهرت أن هذا التقييم كان في وقت غير مناسب. ففي فبراير، أصدر البيت الأبيض بيانا حول تورط روسيا في إطلاق فيروس "بيتيا" المدمر، كما أصدر المستشار الخاص روبرت مولر اتهامات رسمية بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية ضد "إيفجيني بريجوزين" وغيره من القادة في ما يسمى ب"اللجان الإلكترونية الروسية". وفي مارس، كشف بيان صادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي الأمريكية، عن هجمات إلكترونية روسية على البنية التحتية الأمريكية. وفي الشهر نفسه، بعد تسميم العميل الروسي السابق سيرجي سكريبال وابنته في بريطانيا، انضمت الولاياتالمتحدة إلى عمل منسق بين أكثر من عشرين دولة لطرد الدبلوماسيين الروس، وقررت إغلاق القنصلية الروسية في سياتل. وفي إبريل وقعت روسيا عقوبات على أربع وعشرين شخصية روسية، وضمت سبعة عشر من المسؤولين الحكوميين، وسبعة من رجال الأعمال، أبرزهم "أوليغ ديريباسكا" صاحب شركة "روسال" ثاني أكبر منتج للألمنيوم في العالم. وفي الآونة الأخيرة، أعلنت سفيرة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة، نيكي هالي، أنه من المقرر أن تفرض أمريكا عقوبات على روسيا بسبب مواقفها في سوريا. "ناشيونال إنترست" أشارت إلى أن كل هذا حدث في غضون ثمانية أسابيع فقط، مما يدل على زيادة مفاجئة في قسوة سياسة واشنطن تجاه روسيا. اقرأ المزيد: لماذا أغلقت واشنطن القنصلية الروسية في «سياتل»؟ ومن المحتمل أن تكون الإدارة قد أصبحت أكثر جدية في اعتبار أنشطة روسيا تهديدا خطيرا للمصالح القومية الأمريكية، وذلك من خلال اتخاذ هذه الخطوات. وبعد هذه الخطوات، وسعت الإدارة نطاق اتهاماتها ضد الكرملين، حيث كانت العقوبات السابقة مرتبطة بالعدوان الروسي على أوكرانيا، والآن أصبح التركيز على التهديدات الموجهة إلى الولاياتالمتحدة، كما يبدو أن الإدارة أصبحت أكثر استعدادًا في مواجهة التهديدات الروسية. وعلى عكس العقوبات التي تم فرضها في عام 2014، أحدثت العقوبات الأخيرة تأثيرات أكثر جدية ومنهجية على الاقتصاد الروسي، حيث أدت العقوبات المفروضة على شركة "روسال" ومساهميها الرئيسيين، إلى تدمير جزء كبير من قيمة الأسهم، ووضع مرافق الإنتاج على حافة التجميد. وبالنسبة لأصحاب الأصول الروسية الرئيسية الأخرى، أصبح التهديد بفرض عقوبات أكثر خطورة، مما تسبب في زيادة المعارضة الناعمة لبوتين، ومع ذلك، فإن هذا لا يضمن تحول هذا الاستياء إلى مواجهة سياسية. وبالنسبة لبوتين، سيثبت إغلاق أكبر المصانع بسبب العقوبات، أن التأثير الاقتصادي والاجتماعي للعقوبات داخل روسيا، قد يكون أكثر خطورة مما كان يعتقد. وقالت المجلة إن إحدى الثغرات في الإجراءات الثمانية الأخيرة هى أن الولاياتالمتحدة لم تتمكن من الحصول على دعم الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات جديدة، على عكس ما حدث في عام 2014، عندما تم تنسيق قرارات فرض العقوبات، ويمكن أن يؤدي عدم وجود دعم أوروبي لأحدث القرارات الأمريكية إلى تخفيف الضغط على روسيا.