الحرب مثل فتح باب غرفة مظلمة لن تعرف أبداً ما الذي سيحصل عند فتح الباب.. فما يسلب بالعنف لا يحتفظ به إلا بالعنف.. ومع تصاعد العنف في جنوب وشرق أوكرانيا وغياب الحلول، أصبحت الأن أزمة أوكرانيا الصراع الأكثر عنفاً واضطراباً علي الساحة السياسية، و مع تشديد العقوبات المفروضة علي روسيا والعنف في أوكرانيا، تظل احتمالات اندلاع حرب باردة ثانية ضئيلة. كان النهج الذي اتبعته الولاياتالمتحدة يتخلص في تشديد العقوبات رداً علي العمل العسكري، ومحاولة ضمان بقاء حلفاء أمريكا متحدين في نفس الوقت.. كما أعلن الرئيس الأمريكي' باراك أوباما 'والمستشارة الألمانية 'أنجيلا ميركل 'فرض عقوبات جديدة علي روسيا.. ولكن ميركل وأوباما خفضا أيضاً الحد الأقصي الذي قد تبلغه هذه 'العقوبات الإضافية'. فبدلاً من إطلاق تدابير قطاعية تستهدف مساحات واسعة من الاقتصاد الروسي وهو ما كان ليشكل خطوة كبيرة نحو إخضاع روسيا لعقوبات مماثلة لتلك المفروضة علي إيران, , يبدو الأمر الآن وكأن الجولة التالية من العقوبات سوف تتلخص في زيادة العقوبات.. ولكن ما السبب وراء إبطاء وتيرة الرد بالعقوبات؟ فالإجابة ببساطة إن الأمريكيين يتمتعون بالدهاء و يدركون جيداً أنهم إذا تحركوا بقوة وسرعة أكثر مما ينبغي فإن أوروبا سوف تعارض النهج الأمريكي علناً، وذلك لأن الأوروبيين لديهم الكثير علي المحك اقتصادياً.. ففي حين تدير الولاياتالمتحدةوروسيا علاقات تجارية محدودة للغاية بينهما والتي بلغت قيمتها نحو 1% من إجمالي التجارة الأمريكية فإن تعرض أوروبا المالي لروسيا، فضلاً عن اعتمادها علي الغاز الطبيعي الروسي، يجعلها أكثر تردداً في نسف العلاقات الاقتصادية مع روسيا والجدير بالذكر إن مستوي الاعتماد علي روسيا يتباين بشكل كبير في مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي، وهذا من شأنه أن يعيق التنسيق الجاد ويحدّ من مجاراة الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة.. ولذلك عندما أعلنت عن العقوبات الأخيرة، أصدر الأوروبيون تمديداً متواضعاً لقائمتهم المطروحة والتي تركز في المقام الأول علي المسئولين العسكريين والسياسيين في حين ذهبت الولاياتالمتحدة إلي ما هو أبعد من هذا، فأضافت العديد من المؤسسات الروسية.. وعندما أعلنت العقوبات انتعشت الأسواق الروسية، وهذه تعتبر إشارة واضحة علي أن استجابة الغرب كانت أقل كثيراً من التوقعات.. ورغم أن العقوبات لها تأثيراً اقتصادياً حقيقياً علي روسيا خاصة في تحفيز هروب رأس المال، لكن تشديد الخناق لن يحدث أي تغيير جوهري في أسلوب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اتخاذ القرار.. فروسيا تحت قيادة بوتين لديها الكثير علي المحك في أوكرانيا، والواقع أن تصرفاته حظيت بشعبية طاغية في الداخل. وعلاوة علي ذلك، تمر روسيا بانحدار طويل الأمد.. فالآن يعتمد اقتصادها وموازنتها الحكومية بشكل متزايد علي النفط والغاز، و رجال الأعمال الروس يسيطرون علي أكثر من ثلث ثروة البلاد، كما أصبحت قدرة روسيا العسكرية أقل كثيراً مما كانت عليه في الحقبة السوفييتية، ولكي تتمكن روسيا من تشكيل كتلة متماسكة قادرة علي معارضة النظام العالمي الذي تقوده الولاياتالمتحدة، فإنها تحتاج إلي أصدقاء أقوياء، وهو ما تفتقر إليه بشدة.. فعندما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة علي شرعية ضم شبه جزيرة القرم، لم تجد روسيا في صفها سوي عشر دول.. إن الدولة الوحيدة التي قد تميل الميزان وتؤسس لديناميكية الحرب الباردة هي الصين.. ولكن الصينيين أثبتوا أنهم غير مستعدين علي الإطلاق للاصطفاف مع أي من المعسكرين، فهي من الممكن أن تستفيد من المزيد من المشتريات من صادرات الطاقة الروسية فضلاً عن الفرص الجديدة التي يوفرها امتناع الشركات الغربية بشكل متزايد عن مزاولة أعمال تجارية في روسيا.. والواقع أن الصين مترددة في دعم الجهود الروسية الرامية إلي إيجاد اضطرابات داخل حدود أوكرانيا، ذلك أن الأقاليم المضطربة في الصين قد تتعلم الدرس الخطأ من سابقة أوكرانيا لذا فإن النبأ السار هنا هو أننا لسنا مقبلين علي أي نوع من الحرب العالمية سواء كانت باردة أو ساخنة. ولكن العواقب المترتبة علي السياسة الغربية المضللة أصبحت أكثر وضوحاً.. فالولاياتالمتحدة لن تنجح في عزل روسيا لعدم التزامها بالقانون الدولي والاستيلاء علي أراضي دولة أخري.. ومن ناحية أخري وبرغم وجود رئيس جديد لأوكرانيا لكن الحكومة الأوكرانية في خطر، فهي تفتقر إلي القدرة العسكرية اللازمة لوقف تحركات القوي الانفصالية في الجنوب والشرق، وسوف تواجه ضغوطاً داخلية متصاعدة وقد تفقد شرعيتها إن لم تتحرك.