بوتين يهزم أوباما فى معارك الحرب الباردة

مع إجراء استفتاء شبه جزيرة القرم الأوكرانية، أمس، على انفصالها عن أوكرانيا واقترابها من الانضمام إلى روسيا، يصبح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين متقدما فى صراعه على نظيره الأمريكى باراك أوباما فى الأزمة الأوكرانية التى تشير كل المؤشرات إلى أن الغرب فى طريقه إلى أن يقبل انفصال القرم كحل واقعى، مقابل نجاح الثورة البرتقالية واقتراب كييف من الغرب والابتعاد عن الهيمنة الروسية.
وتكشف المناطق الساخنة فى العالم، مثل سوريا وأوكرانيا وإيران، مدى تضاؤل تأثير أوباما فى الشؤون الخارجية بالمقارنة مع غريمه اللدود بوتين الذى يزداد قوة باستمرار. فبوتين فى ولايته الجديدة أثبت أنه ند قوى ليس للولايات المتحدة فقط ولكن لحلفائها الغربيين وهو ما ظهر جليا فى الأزمة الأوكرانية ومن قبلها فى الأزمة السورية والأزمة النووية الإيرانية، وحتى الآن لايزال يقاوم بكل قوة نشر الدرع الصاروخية الأمريكية فى دول كانت تدور فى فلك الاتحاد السوفيتى.
ويؤكد مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون أنه رغم استبعاد واشنطن وحلفاءها الأوروبيين استخدام القوة العسكرية فإن بوسعهم ممارسة الضغط على موسكو، ولكن أوراق بوتين فى أوكرانيا لا تتمثل فى القوة العسكرية فقط، بل فى كونها مصدر الغاز الروسى لأوربا الغربية ومصدر التأثير الأقوى حتى الآن على الأرض مع استبعاد خبراء غربيين أن ترسل واشنطن أو الناتو قوات عسكرية بما ينذر بحرب مباشرة بين روسيا والغرب.
وجاءت اضطرابات أوكرانيا بعد أيام من انهيار محادثات «جنيف2» فى إطار جهود أوباما لإيجاد حل للحرب السورية، وسبقتها نجاح روسيا فى التوصل إلى اتفاق لتدمير الأسلحة الكيماوية السورية لتفادى هجوم أمريكى عسكرى محتمل، رغم أن واشنطن فرضت عقوبات واسعة على دمشق وقدمت عتاداً عسكرياً للمعارضة، إلا أن هذه الجهود لم تؤدِّ إلى الإطاحة بالنظام وتقليل ضحايا الحرب. غير أن أنصار الخط المتشدد يعربون عن قلقهم من أن يؤدى نهج أوباما فى مثل هذه الصراعات إلى فراغ فى القوة يشجّع زعماء على مستوى العالم مثل بوتين والأسد على اتباع نهج أكثر تشددا.
وقال السفير الأمريكى السابق فى الأمم المتحدة جون بولتون، إن بوتين يدرك تماماً كل ما سيفعله، بينما كل ما يفعله أوباما هو الكلام والتصريحات، ولن يتخذ أى عمل ملموس على أرض الواقع. ويقول كيرت ڤولكر، مدير معهد ماكين التنفيذى للقيادة الدولية فى جامعة أريزون: «الحقيقة أن الولايات المتحدة تتنازل كثيراً لبوتين، وأعتقد أن فشلها فى أن تكون لها اليد العليا فى التعامل مع روسيا بات سمة من اتجاه أوسع تسعى الإدارة الأمريكية من خلاله لتجنب جعل القيادة عالمياً دعامة مركزية فى سياستها الخارجية»، وأضاف: أعتقد أن الإدارة تريد تجنب الانخراط فى أى صراع على المستوى العالمى، رغم أن أوباما قال إنه لا يرى أن أزمتى أوكرانيا وسوريا تعيدان أجواء الحرب الباردة مع روسيا. ووصفت الكاتبة جانيت ديلى بصحيفة «تليجراف» البريطانية الاتفاقين الروسى- الأمريكى حول الكيماوى السورى والنووى الإيرانى بأنهما (لعبة) يؤدى فيها أوباما دور لاعب الشطرنج الذى يحرك قطعة على الرقعة بمرونة، أما بوتين المنافس فيلعب كمقامر بوجه ثلجى الملامح لا يفصح عن خطواته التالية كى يجهز على خصمه الذى انفرد لسنوات بقيادة قطبية أحادية للعالم ويعلن بوتين بقوة عن عودته ليعيد التوازن للمشهد العالمى.
بدأ بوتين فى استغلال الدخل المتزايد من بيع الطاقة فى إعادة تعمير بلاده ومضاعفة الموازنة العسكرية وتزويد قواته المسلحة بأكثر المعدات تطوراً ليعود الدب الروسى بقوة لمكانته كقوة معادلة لخصمها الأمريكى، كما حرص على استثمار تجاوزات الإدارة الأمريكية لتحقيق مكاسب دبلوماسية حتى بات هناك ترحيب عالمى بعودة الدب الروسى لمكانته القديمة بعد أن فقد العالم الأمل فى قيام الصين وأوروبا بهذا الدور.