ودعت الأوساط العلمية فجر اليوم الأربعاء، واحدا من أفضل العلماء وأشهرهم عالميا في مجال الفيزياء، وهو البريطاني "ستيفن هوكينج" عن عمر ناهز 76 عاما، وكان يعاني وهو في سن ال21 من شكل نادر ومبكر الظهور وبطيء التقدم من التصلب الجانبي الضموري، والذي سبب له شللا تدريجيا على مدار السنوات، حتى أصبح غير قادر تمامًا على الحركة أو حتى النطق. عندما أصيب هوكينج بالمرض في عام 1963 توقع الأطباء وقتها أنه لن يعيش أكثر من عامين، وعلى الرغم من معرفته بهذا الأمر؛ فإنه لم يفقد الأمل يوما، بل أخذ يبذل قصارى جهده للتغلب على مرضه وإثبات أن الإعاقة ليست جسدية وإنما فكرية، فتناسى "هوكينج" فكرة إصابته بمرض مميت قد يودي بحياته في أي لحظة، وأخذ يدرس أكثر ويبذل جهدًا أكبر حتى استطاع في وقت قياسي أن يتفوق على أصدقائه الأصحاء جسديا، بل إنه تميز بقدرات إضافية لم تتوفر لكثيرين. ولد "هوكينج"، في 8 يناير، عام 1947 في مدينة أكسفورد بإنجلترا، ودرس في جامعتها وحصل على درجة الشرف الأولى في الفيزياء، وعلى الرغم من إصابته بالمرض وقتها، فإنه أصر على إكمال دراسته في جامعة كامبريدج وحصل على الدكتوراه في علم الكون، بل إنه اشتهر بعدد من الأبحاث والنظريات، التي كان أشهرها إثبات نظرية "الثقوب السوداء"، ودراساته المتعمقة في "الديناميكا الحرارية"، و"التسلسل الزمني". وعلى الرغم من مرضه؛ فإن "هوكينج" واصل حياته بشكل طبيعي؛ فتزوج من "جين وايلد" في 14 يوليو عام 1965، وكان عمره وقتها 25 عامًا، وأنجب منها ابنه الأكبر "روبرت"، وابنته "لوسي"، وكان آخر أبنائه من "جين" هو "تيموثي"، واعتنت "جين" دائمًا ب"هوكينج" مؤكدة مقولة "وراء كل رجل عظيم امرأة"، حتى إن الأطباء في عام 1985 عرضوا على العالم الشهير إنهاء حياته لأن مرضه أصبح مستعصيًا بدرجة كبيرة؛ إلا أن "جين" أصرت على استمراره في تلقي العلاج. وفي حين كانت "جين" سيدة صامدة لكل ما تحملته من مرض زوجها وتربية أبنائها؛ إلا أنها حرصت أيضًا على أن ينال "هوكينج" قدرًا كبيرًا من الرعاية، فوفرت له فريقا من التمريض ليعمل على راحته؛ إلا أنه وقع في حب إحدى الممرضات، وهي "إيلين ماسون"، فأخبر "جين" بحقيقة أمره، وانفصلا في ربيع 1995، ليتزوج من "ماسون" في سبتمبر من نفس العام، ولم تعارض "جين" رغبته هذه؛ إلا أنها أحست بألم شديد؛ ففي عام 1999 نشرت مذكرات تحكي فيها عن حياتها مع "هوكينج" وانفصالهما، وكشفت بعض التفاصيل الخاصة التي لا يعرفها الكثيرون عن عالم الفيزياء الشهير. ولم يستطع "هوكينج" التخلي عن زوجته الأولى؛ فطلق "ماسون" في عام 2006، وعاد مرة أخرى إلى "جين" التي طالما احتوته، وأصبح أكثر اقترابًا من أسرته وأبنائه وأحفاده، حتى إن "جين" بعد عودته إليها بعام واحد ألفت كتابًا آخر عن حياتها مع "هوكينج" يحمل اسم "الرحلة إلى اللامنتهي.. حياتي مع ستيفن". وأفقد مرض التصلب الجانبي الضموري عالم الفيزياء الشهير القدرة على الحركة والنطق؛ إلا أنه لم يصب بالاكتئاب الذي قد يشعر به البعض نتيجة الإصابة بمرض بسيط وعابر؛ بل إنه خضع لعدد من التجارب ليتمكن من التحكم في كرسيه المتحرك، وطلب مساعدة إحدى الشركات التكنولوجية الكبرى في شهر ديسمبر من عام 2014 لتطوير نظام إلكتروني خاص يمكنه من التواصل مع الآخرين عن طريق حركة العينين والرأس. وفي عام 2014 ظهر فيلم "نظرية كل شيء"، والذي يتناول قصة حياة عالم الفيزياء الشهير "ستيفن هوكينج" وحياته مع "جين" والتحديات والعقبات التي واجهها، وكيف تغلب على مرضه، ولا عجب في أن الفيلم يعرف كثيرًا عن حياة "هوكينج" على الرغم من أنه قليل الكلام عن إعاقته وعن مكانته العلمية؛ فالفيلم مأخوذ عن كتاب "جين" التي دائمًا ما تقوم بإبراز قدرات زوجها وترفع من شأنه دائمًا. ولا عجب أيضًا في أن اسم الفيلم "نظرية كل شيء"، فهذا العالم الذي تحدى إعاقته أثبت للعالم كله أنه لا مكان للإعاقة أمام إصرار الإنسان وعزمه، وأن الإعاقة ليست جسدية، كما أثبت أن مرضه ليس عائقًا أمام حياته الشخصية؛ حيث إنه استطاع الزواج من امرأتين، على الرغم من أن البعض يعتبرها خيانة، ولكن "جين" زوجته أيضًا كانت دليلًا عظيمًا على التسامح المطلق.