يوسف السباعي.. عميد الحربية والفارس ومُدرس التاريخ العسكري الذي تحول إلى السهل العذب الباسم الساخر الواقعي، أديب من أدباء الحياة بل من أدباء السوق التي تعج بالحياة والأحياء وتزدحم بالأشخاص والمهن، وهو "جبرتي العصر" كما سماه نجيب محفوظ، وكانت أعماله الأعلى توزيعا فضلا عن تحويلها مباشرة إلى أفلام يصفها نقاد بأنها أكثر أهمية من الروايات نفسها، حيث ترك بصمته في الأدب والسينما، واعتُبر ممثلا لمرحلة الرومانسية في الأدب العربي، وصاحب قصة الاغتيال الشهيرة في قبرص. ولد يوسف محمد عبد الوهاب السباعي، في 10 يونيو 1917، بحي الدرب الأحمر في القاهرة، لوالده الأديب المعروف محمد السباعي الذي كان من رواد النهضة الأدبية الحديثة في مصر، وأحب يوسف القراءة في سن صغيرة تشبها بوالده الذي كان تواقا للقراءة والكتابة، فظهرت موهبته الأدبية في مرحلة مبكرة من حياته. التحق السباعي بالكلية الحربية في عام 1935، وتم ترقيته إلى درجة الجاويش وهو في السنة الثالثة، وبعد تخرجه في عام 1937، تم تعيينه فى سلاح الصوارى، وأصبح قائدًا لفرقة من فرق الفروسية، وصار مدرسًا للتاريخ العسكري بها في عام 1943، ثم اختير مديرًا للمتحف الحربي في عام 1949، وتدرج في المناصب حتى وصل إلى رتبة عميد. بدأ يوسف مشواره الأدبي عام 1934 ولم يكن قد تعدى السابعة عشرة ربيعا، حين ألف قصة "فوق الأنواء"، ونشرها في مجلة مدرسته الثانوية، ثم أعاد نشرها ضمن مجموعة "أطياف" عام 1946، وأتبعها بقصة "تبت يدا أبي لهب" عام 1935 وكان يكتب قصة كل أسبوع في مجلة "مسامرات الجيب". وأما أولى رواياته فكانت الرواية المثيرة للجدل "نائب عزرائيل" عام 1947، ثم روايته الساخرة الشهيرة "أرض النفاق" التي تحولت إلى فيلم سينمائي شهير، ثم توالت رواياته الشهيرة بالكلاسيكيات الرومانسية، وكان في تلك الأثناء يجمع ما بين عالم الأدب والحياة العسكرية، حيث كان له الفضل في إنشاء سلاح المدرعات. ووصلت حصيلة إنتاج يوسف الأدبية إلى اثنين وعشرين مجموعة قصصية، وست عشرة رواية، وأربع مسرحيات، وثماني مجموعات من المقالات في النقد والاجتماع، وكتاب في "أدب الرحلات" بخلاف مقالاته التي كتبها في الصحف والمجلات، فيما تحولت الكثير من أدبياته إلى أفلام، منها: "رد قلبي، بين الأطلال، نحن لا نزرع الشوك، إني راحلة، السقا مات، أرض النفاق". بدأ السباعي مسيرته في العمل العام، بإنشاء نادي القصة، ثم تولى مجلس إدارة ورئاسة تحرير عدد من المجلات والصحف منها "روز اليوسف" و"آخر ساعة" و"دار الهلال"، وتزوج من ابنة عمه الحبيبة دولت السباعي، وهي "عايدة" في النصف الأول من رائعته "إني راحلة"، والتي قال مهديًا إياها روايته: "إلى أحب من أوفى وأوفى من أحب". وعندما وصل الرئيس السادات إلى سدة الحكم في بداية السبعينيات، عيّن "السباعي" وزيرًا للثقافة في عام 1973، ورئيسًا لتحرير مؤسسة الأهرام عام 1976، ونقيبًا للصحفيين في عام 1977، وفي نفس العام سافر مع السادات إلى القدس، وفي يوم الجمعة 17 فبراير 1978، وصل السباعي إلى العاصمة القبرصيةنيقوسيا، على رأس الوفد المصري المشارك في مؤتمر التضامن "الأفروآسيوى" السادس، وبصفته أمين عام منظمة التضامن الأفريقي الآسيوي، لكنه لم يعلم ماذا تخبئ له الأقدار هناك. وفي صباح اليوم التالي، نزل يوسف من غرفته بفندق هيلتون، متوجهًا إلى قاعة المؤتمر بالطابق الأرضي، وكان المؤتمر قد بدأ بالفعل، وتوقف في تلك الأثناء أمام منفذ بيع الكتب والجرائد المجاور لقاعة المؤتمر، وحينها أُطلقت عليه 3 رصاصات أصابته في مقتل، وفارق الحياة. وادعا قاتلا السباعي أنهما قد ارتكبا فعلهما لأنه ذهب إلى القدس برفقة االسادات، ولأنه بحسب رأيهما كانت له مواقف معادية للقضية الفلسطينية، وتناقضت الأنباء، إذ أعلن فى البداية أن القاتلين فلسطينيان، واتضح فيما بعد أن أحدهما فلسطيني والآخر عراقي. وبعد اغتياله، أخذ القاتلان نحو 30 من أعضاء الوفود المشاركين في مؤتمر التضامن كرهائن، واحتجزوهم في كافيتيريا الفندق مهددين باستخدام القنابل اليدوية في قتل الرهائن، ما لم تستجب السلطات القبرصية لطلبهما بنقلهما جوًا إلى خارج البلاد. واستجابت السلطات القبرصية لطلب القاتلين وتقرر إقلاعهما على طائرة قبرصية من طراز "DC8" وذلك من مطار لارنكا، أطلق القاتلان سراح معظم الرهائن بينما واصلوا احتجاز 11 رهينة من بينهم 4 رهائن مصريين، ثم أقلعت بهم الطائرة من قبرص لكن عدة دول رفضت أن تهبط بها طائرة الرهائن من بينها ليبيا وسوريا واليمن، وبعد هبوط اضطرارى في جيبوتي تقرر عودة الطائرة إلى مطار لارنكا. ولم يتأخر السادات في الرد على جريمة اغتيال السباعي، فأرسل في اليوم التالي طائرة تقل مجموعة من رجال الصاعقة إلى قبرص بغرض القبض على القاتلين وتحرير الرهائن المحتجزين على متن الطائرة القبرصية، وما لبث أن أعطى قائد قوات الصاعقة المصرية أوامره بالهجوم الشامل على الطائرة القبرصية، حتى هاجمته قوات الحرس الوطنى القبرصي، ودارت بينهم معركة استمرت قرابة 50 دقيقة وأسفرت عن تدمير الطائرة العسكرية المصرية، وقتل 15 من رجال الصاعقة المصريين وجرح ما يزيد على 80 مصابًا من الطرفين، وتم القبض على من تبقى من قوات الصاعقة المصرية. وفي اليوم التالى لمعركة مطار لارنكا، طلب رئيس الوزراء ممدوح سالم، من الدكتور بطرس غالي وزير الدولة للشئون الخارجية آنذاك، أن يسافر إلى قبرص ليتفاوض مع السلطات القبرصية من أجل استعادة رجال الصاعقة المعتقلين هناك وأيضًا العودة بجثث الضحايا. وبعد أن تحركت الطائرة التي استقلها بطرس غالي ورجال الصاعقة المصريون بدقائق معدودة، في 20 فبراير عام 1978، أعلنت مصر عن قطع علاقاتها مع قبرص وسحب اعترافها بالرئيس القبرصى كابرينو، واستدعاء بعثتها الدبلوماسية من نيقوسيا كما طالبت الحكومة القبرصية بسحب بعثتها الدبلوماسية من القاهرة. وبدأت محاكمة قاتلي السباعي، زيد حسين علي، وسمير محمد خضير، أمام المحكمة القبرصية، في 9 مارس عام 1978، ورأس الجلسة المدعي العام القبرصي، وحضرها فريق من المراقبين المصريين رأسه النائب العام المصري، عدلي حسين، وفي 4 من أبريل عام 1978، حكمت المحكمة القبرصية على قاتلي السباعي بعقوبة الإعدام، وبعد عدة أشهر أصدر الرئيس القبرصي سيبروس كابرينو، قرارًا رئاسيًا بتخفيف الحكم عليهما من الإعدام إلى السجن مدى الحياة وذلك لأسباب غير معروفة قيل إنها تتعلق بأمن قبرص.