أوجه الشبه كثيرة بين ما تفعله أجهزة الداخلية منذ وقع حادث كنيسة مارمينا في حلوان، وما يفعله الشيخ طه رفعت إمام مسجد إبراهيم الدسوقي في ذات المنطقة. يحاول الاثنان بكل جهد وإصرار أن يضخما دورهما في الحدث، الذي رأينا مشاهده من زوايا مختلفة لدقائق طوال. يضيف كل منهما تفاصيل جديدة من عنده لينتزع دور البطولة في فيلم تعيس. أثبت الزميل محمد أبو ضيف كذب رواية الإمام، وكشف أن من دعا من المسجد لحماية الكنيسة كان مواطنًا عاديًا التقاه في اللحظات الأولى التي تلت الهجوم، واسمه الحاج مصطفى كان الإمام إلى جواره، بينما الداخلية سبقت بتكريم قياداتها الأمنية على دورهم في إحباط الهجوم حتى قبل أن تخرج الجنازات حاملة المصريين الذين فارقوا الحياة إلى مثواهم الأخير، وببيان ركيك تجاهل ذكر اسم أمين الشرطة رضا عبد الرحمن الذي قتله الإرهابي في بداية جولته الطويلة في الشوارع المحيطة بالكنيسة. أما الفارق فهو أن رواية الداخلية وإن كانت صحيحة رغم ما شهدناه من فشل بهواتف السكان المطلة على الشارع هو مهمة الأمن التي يتلقى عنها الرواتب والدعم والحصانة وإطلاق اليد غير المسبوقين من أجل القيام بها فقط.. لو لم يخرج هؤلاء مسجلين بمقاطع الفيديو رغم خوف ذويهم لم يكن لأي منا أي مجال للسؤال أو إبداء القلق. وحتى هذا لا قيمة له عند كثيرين مع البيان الرسمي والصحف والبرامج التي تقول بكل ثبات وثقة إن يقظة الأمن أحبطت الهجوم الذي قتل عشرة مواطنين. حتى هذه اللحظة إبداء القلق يعني بالنسبة للدولة ومحبيها تشكيكًا في صلابة الأجهزة واستعدادها وخططها، وخدمة لمخططات استهداف الوطن. لكن الكذب وادعاء النجاح والسيطرة ليس كذلك، ولا يؤدي برأيهم إلى اعتياد الفشل والموت أو إلى ظلم تضحيات أفراد أمن آخرين قدموا حياتهم في أداء مهمة حفظ الأرواح والدفاع عن الوطن. ستستمر حياة نسمة وكارين لكن مشهد والدتهما وهي تتلقى الرصاصات بدلا منهما لن يمحى من ذاكرتهما، ولن تعنيهما الخطابات المعلبة على الشاشات، وكيرلس الذي يشير إلى ما أصاب المحل الذي يملكه عماه لن ينظر إلى العالم من حوله كما كان يفعل قبل ديسمبر من ألفين وسبعة عشر. لا تعني خطابات الخبراء الأمنيين والباحثين عن لقطة تلفت النظر بعيدًا عن مواطن الفشل والتقصير إلا من ينتظرها ليكافئ أصحابها على دورهم في الحفاظ على البلاد في وجه المغرضين. ستمر هذه الحادثة كما مرت غيرها لكن ما يتراكم من مشاعر لدى المواطنين لن يكون سهلا. ربما تريحكم الآن خطابات تمجيد المواطن صلاح الموجي، وجرجس عبد الشهيد الذي قتل الإرهابي شقيقيه، وتلقف السلاح من أمين الشرطة ليطلق الرصاص، أو نبيل عزيز حارس الكنيسة الذي أغلق بابه في وجه القاتل مخاطرا بروحه. مشهد آخر تستهلك فيه ساعات الحدث بعيدا عن أي حديث آخر، تجعلكم مطمئنين أن أحدًا لن يسأل أو يحاسب الآن، لكن إحساس المواطنين المتزايد كل يوم بأنهم بلا أمان، واضطرارهم إلى الاعتماد على أنفسهم حتى في هذه المهمة أشياء لن تقدروا خطرها ومآلها طالما أن عقولكم ورؤيتكم عالقة عند المخاوف من الجزاءات أو العقاب بالنقل أو المحاسبة. بكل بساطة لا يجد الخبراء الأمنيون أي حرج في تبرير ابتعاد المدرعة من وجه حامل السلاح لأنها غير مؤهلة للتعامل سوى مع التجمهر والمواطنين العزل، لكنهم في نفس اللحظة يثمنون دور الأهالي -العزل أيضًا- في احتضان نفس المسلح، و"التعامل" معه، بل ويدعون إلى دور أكبر في الإبلاغ عن المشتبه بهم ومساعدة الأمن. أحد الإعلاميين اقترح أن نستثمر هذا النجاح الشعبي بإصدار المزيد من تراخيص حمل السلاح للمواطنين ليقوموا بالتصدي لداعش! لا أسئلة ولا تحذيرات أو تعليمات بما ينبغي اتباعه في مواقف كتلك. لا مراجعات أو اعتراف بخطأ ولو ضئيل. رغم أن حوادث أخرى غير بعيدة في بلدان لا يخجل نفس الخبراء من الاستشهاد بأكاذيب نسبت لها لتبرير القمع والتنازل عن حقوق الإنسان كان أول ما يعني أجهزتها الأمنية أن تنصح القريبين من الأحداث بالابتعاد إلى مكان آمن والاختباء وتدلهم إلى الطرق الأكثر أمانًا، لكن قسم حلوان القريب أتي متأخرًا كما العادة في الأفلام القديمة رغم اتصالات رعاة الكنيسة، وأصوات الرصاص التي تصم الآذان، والمواطنين المطلين من الشرفات يسألون إن كان هذا الممسك بالسلاح بعد أن تلقفه من يد أمين الشرطة "من الحكومة" أم الإرهابي. لو كانت القنبلة معه قد انفجرت، لو كان يحمل حزامًا ناسفًا، لو كان صلاح الموجي شخصًا عاديًا، ولم يخدم في الجيش. لو كانت ثواني أخرى أعطت الإرهابي الفرصة ليلتفت ويفرغ مائة وخمسين طلقة كانت متبقية معه. أسئلة كثيرة تستدعي سؤالًا أكبر وأبسط.. متى يحق لنا القلق؟