منذ طلوع النهار تصارع، تارة مع روحها الحائرة بين ثقافة المجتمع والإحلام المرسومة فى أوراقها (سفر.. استقلال.. دراسة)، وتارة فى الشارع والعمل والمواصلات العامة وما قد تواجه من (تحرش.. اغتصاب.. أذي نفسي)، ورغم ضيق النفس حولها وتكتف يديها كثيرا، إلا أنها تقف كالثائر تخطط وتطالب وتسعي لتكتب إسمها فى كل مجال، ليأتي اليوم الذى يكرمها العالم فيه (اليوم العالمي للفتاة) الذي أعلنته الأممالمتحدة في اليوم الحادي عشر من شهر أكتوبر كل عام، احتفالا بالفتاة ودعما للأولويات الأساسية من أجل حماية حقوقها، وفى التقرير التالى يستعرض موقع "التحرير - لايف" بعض النماذج لفتيات استطعن تحدي الصعوبات. - سبع فتيات يعملن فى «بنزينة»:«اللى يبص لكلام الناس يقع» فى محطة بنزينة بمنطقة المعادي، تقفن سبع فتيات مرتدين الزي الموحد، أيديهن خلف ظهورهن فى انتظار وصول العملاء لوضع البنزين فى سيارتهم، مشهد جديد على أعين المصريين، لفت انتباههم وجعلهم يتسألون: "مين دول.. وشغالين فى بنزينة أزاى"، لتجيب عليهم "رباب": "الفكرة جت من فترة، طلبنا نشتغل فى البنزينة والإدارة وفقت". رباب صاحبة ال25 عاما، والحاصلة إلى ليسانس إداب جامعة القاهرة، اتجهت منذ شهور إلى محطة البنزين التى أعلنت عن حاجتها إلى موظفين منذ شهور، لتكون هي واحدة منهم، تقول: "قبلت في الوظيفة، وبدأت أتعلم وأخذ كورسات فى التعامل مع العملاء، وكورس إجراءات السلامة والإسعافات أولية، وارتحت فى الشغل جدا". لم تهتم الفتيات بالقال والقيل، كما لم ينتبهوا إلى نظرات البعض لهن لكونهن فتيات يعملن فى بنزينة، وعنها تقول رباب: "إحنا فى الألفينات.. البنت زى الولد ولو ركزنا لبصات الناس لينا، مش هناخذ خطوة ايجابية فى حياتنا". صعوبات كثيرة مرت بها الفتيات، ليست فى محيط العمل ولكن مع أسرتهن لعدم تقبل فكرة عمل فتاة داخل بنزينة، وعنها روت "أية" صاحبة ال19 عاما: "البيت رفض فى الأول ووالدي قالى ماتروحي تشتغلى كول سنتر أو سيلز في أى مكان، ولما سألته عن سبب الرفض قالى دى شغلانة رجالة، بس لما صممت ومرت فترة عليا فى الشغل، انبسط بيا جدا". تجربة السبع فتيات فى العمل داخل بنزينة، كسرت تابلوا فكرى عند الكثيرين والذى منهم عملائها، تقول "أية":الناس كانت بتتخض لما بتشوفنا، وتقف تتكلم معانا وتفهم إحنا هنا ليه"، ومع مرور الوقت استطاعن أن يغيروا حياة كثيرين تستكمل: "ودا كان من ضمن أهدفنا إننا نقول إن البنت تقدر تشتغل فى أى مجال وتتفوق كمان". - «لقاء الخولى»..أول ميكانيكة فى مصر كأي طفلة تصر على الذهاب مع أبيها إلى مقر عمله، كانت "لقاء" التي تعلق قلبها بورشة والدها، وألفت السيارات بأنواعها، وآنست المعدات وعرفت جدواها، واكتسبت بمحض إرادتها خبرة، لتكون أول فتاة تعمل "ميكانيكي سيارات". أنهت "لقاء" رحلتها الدراسية بعد حصولها على "دبلوم تجارة"، إلا أنها لم تكن كأي فتاة تنتظر فتى الأحلام الذي يخطفها على ذلك الحصان، الذي لم تره إحداهن سوى في أحلامها، بل اختارت أن تسير في طريق وعر -لم يجبرها أحد على أن تسلكه- غير ممهد، رغم أنها لم تسمع من قبل عن "بنت تعمل ميكانيكي في ورشة تصليح سيارات". في أقصى الجنوب، تحديدًا في "إسنا" بمحافظة الأقصر، تقف مرتدية زي العمل الملطخ بالشحوم، الذي لم يقلل من جمالها شيئًا، غير عابئة بنظرات من حولها، تتفحص السيارة، بينما تسترجع ما علمها والده إياه، في محاولة لإصلاحها: "بابا علمني كل حاجة قبل ما أشتغل".
في بادئ الأمر، بينما كانت تمرر المعدات لوالدها، جال بخاطره أنها معجبة بالتجربة وسيصيبها الإرهاق والملل بعد عدة أيام، إلا أنها تحملت كل المشاق والصعوبات لتسع سنوات تعلمت فيها كل شيء عن تصليح السيارات. شغفها بميكانيكا السيارات جعلها تتحمل كل الصعاب، حتى استسلم الأب لإصرارها، واعتمد عليها في إدارة الورشة بالكامل، ما أرهقها بشدة "كل شغل محتاج مجهود بدني وعضلي، بس هو التعود.. والحب للحاجة بيخليني أعملها وأنا مبسوطة ومش حاسة بأي تعب". "في الأول الناس كانت بتخاف تخليني أصلح عربياتهم علشان مش واثقين فيا.. لكن بعد كده وبشغلي وثقوا فيا"، قالت "لقاء" التي أكدت أن "الفتاة يمكنها أن تقوم بأي عمل فهي لا ينقصها شيء عن الرجل". كفاح "لقاء" وصل إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذى كرمها فى مؤتمر الشباب بمحافظة أسوان، والذى كشفت فيه عن خطتها المستقبلية: "هعلم البنات الميكانيكا، وهفتح ورشة كبيرة". - "ريهام".. جامعية صباحا وسواقة ميكروباص بعد الضهر بعد طريق طويل، وصل إلى منزله، نادى على ابنته الأقرب إلى قلبه "هاتي الجردل والقماشة"، ليتشاركا معًا، تنظيف سيارته التي يعمل عليها: "نفسي أشوفك حاجة كبيرة أوي يا ريهام"، طرقت كلماته أبواب قلبها، وابتسمت في وجهه: "إن شاء الله، بس علمني السواقة بقى"، فأعطاها فرصة التعليم: "كنت براقبه وهو بيغير العجل وبيجدد زيتها وبيمسح أزازها"، وهو لا يعلم أنه سيفارقها في يوم، وستصبح القيادة قدرها "اشتغلت سواقة في نفس الموقف اللي كان بيركب منه". في موقف شبين الكوم، تفاجأ السائقون ب"ريهام"، فتاة في العشرينات، ترتدي بنطلون جينز، وتيشيرت متناسق مع لون الحجاب، تقول ل"التحرير": "مش عشان شغالة سواقة، أبقى زي دنيا سمير غانم في فيلم الفرح، أنا بنت ناس وطالبة في كلية تجارة". تألمت "ريهام" لرؤية والدها، مريضًا على سريره، حاملًا على ظهره مستقبلها وأختها، لتقرر أن تكون الولد الذي تمناه، سندًا وظهر في الحياة، وخلفا له بعد الموت: "والدي الله يرحمه كان سواق، تعب فاشتغلت وشلت مكانه، وبعد وفاته كملت، لأن أختي وبناتها الثلاثة في رقبتي". فتحت ريهام عينيها، على أب يعمل سائقًا، يعيش برزق كل يوم، وعليه قررت أن تتبعه، غير مبالية بحديث الناس، وعن عدم بحثها عن وظيفة أو مهنة أخرى: "مبعرفش في حاجة تانية غير السواقة، بحبها، هواية قبل ما تكون مسئولية، كفاية أن أبويا اللي علمني". يتوقع البعض أن وجود "ريهام" وسط السائقين خطر عليها، لكنها تصفهم، ب"العزوة"، وتقول:"من أول يوم، وهما مرحبين جدًا بيا، كلهم الحمد لله أخواتي، واقفين جنبي"، وعن المضايقات التي تتعرض لها، من الركاب أو السائقين تقول: "بستخدم الشبشب لما بجيب آخري خالص، بس في الأول بكبر دماغي، لأني مبحبش أسلوب الغلط".