"إن وجود ميليشيات منظمة جيدا، أمر ضروري لأمن الدولة الحرة، وإن حق الناس في امتلاك وحمل الأسلحة يجب ألا يمس"، هكذا يقول التعديل الثاني من الدستور الأمريكي فيما يتعلق بالحق في حيازة المدنيين للأسلحة، وهو الأمر الذي يجعل إمكانية تغيير قوانين الأسلحة أقرب إلى المستحيل. فبعد أسوأ حادث إطلاق نار جماعي في التاريخ الأمريكي الحديث، والذي وقع أمس الاثنين في مدينة "لاس فيجاس" وراح ضحيته 59 شخصا فيما أصيب المئات، فإن السؤال يعود مرة أخرى: هل هناك عددا من الخسائر البشرية يجعل أمريكا تفكر في السيطرة على حيازة السلاح؟. حادث "لاس فيجاس" جعل العديد من النواب الديموقراطيين، الذي كثيرا ما طالبوا بفرض قيود على حيازة الأسلحة، يعودون مرة أخرى بطرح أسئلة جديدة: "ماذا لو لم يكن السلاح آليا، أي مخصص لميدان المعركة بدلا من المدنيين، فإن عدد القتلى والجرحى سيكون بالتأكيد أقل". ومن المرجح أن يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المزيد من المطالبات بفرض قيود صارمة على حيازة السلاح. ففي حين أدان ترامب حادث "لاس فيجاس" ووصفه بأنه "شر مطلق"، إلا أنه لم يشر أبدا إلى وباء العنف المسلح الذى يجعل الولاياتالمتحدة فريدة من نوعها بين الدول الصناعية المتقدمة. وعلى عكس منافسته الانتخابية السابقة، فإن ترامب لم يشر إلى أهم جدل في الأوساط السياسية الخاصة بالسلاح، وهو رغبة "الهيئة الوطنية للسلاح" فى تقنين استخدام كاتم الصوت في الأسلحة الشخصية. فبعد وقت قصير من إطلاق النار، قالت هيلاري كلينتون "هرب الحشد على صوت الطلقات النارية، تخيلوا عدد القتلى في حال كان المنفذ لديه كاتما للصوت، وهو ما تريده الهيئة الوطنية للسلاح". وكانت الهيئة الوطنية للأسلحة، في الشهر الماضي، قالت إن "قانون حماية السمع" هو أولوية بالنسبة لها، وهو القانون الذي يقنن استخدام كاتم الصوت. من جانبه، قال كريس ميرفي، سيناتور ولاية " كونيتيكت"، فى بيان له عقب الحادث، "يجب إيقاف هذه المأساة، فإن مشاعر وصلوات النواب ليس لها معنى، إذا استمرت اللامبالاة التشريعية، لقد حان الوقت للكونجرس أن يتحرك". ورفض ميرفي وغيره من الديمقراطيين ما وصفوه بتعطل عمل الكونجرس، والتأثير الكبير على السياسة من قبل رابطة صناعة السلاح والهيئة الوطنية للسلاح. وفى بيان له، قال السناتور الديمقراطى ريتشارد بلومنتال، وهو أيضا من "كونيتيكت"، إن الكونجرس يرفض التصرف ردا على عمليات إطلاق النار الجماعي. ودعت النائبة الديموقراطية البارزة، نانسي بيلوسي، إلى التصويت على مشروع قانون يسمح بإجراء فحص لخلفية مشتري الأسلحة النارية بشكل عام ، ولتشكيل لجنة جديدة تقدم توصيات بشان سبل التعامل مع العنف المسلح. وفي حين وصف حاكم ولاية "نيفادا"، براين ساندوفال، الحادث بأنه "عنف مأسوي وحاقد"، فإنه نفسه هو من صوت عام 2013 ضد مشروع قانون في الولاية كان سيجعل التحقيق في بيع الأسلحة للأفراد إجباريا. وعلى الرغم من كثرة المطالبات بتغيير قوانين حيازة الأسلحة، وخاصة البنود المتعلقة بمراقبة الصحة العقلية وإجراء فحوص شاملة للمشترين، فإن الجمهوريين، ومنهم الرئيس ترامب، يعارضون أي محاولات لفرض هذه القيود ويعتبرونها محاولة لتقييد المادة الثانية من الدستور. صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قالت إن الأزمة تكمن في أن الطرفين لا يقفون على نفس الأرضية في المناقشات. إذ يرى الديمقراطيون حادث إطلاق النار فقط، وببساطة لا يستطيعون فهم كيف لا يريد الجمهوريون تمرير مشروع قانون يحد من حيازة السلاح. في حين يرى الجمهوريون أن الديمقراطيين يشوهون السلاح بدلا من الجاني، ويحاولون استغلال المأساة للتراجع عن الحرية التي يكفلها الدستور بموجب المادة الثانية. وذكرت الصحيفة أن السبب الرئيسي وراء استمرار هذا الجمود هو أن الجمهوريين يسيطرون على غرفتي الكونجرس والرئاسة أيضا. فقد فشلت هذه الجهود عندما كان الرئيس أوباما في منصبه وكان الديمقراطيون يسيطرون على الكونجرس، ومن غير المحتمل أن يتغير ذلك الآن. ولكن ربما يكون السبب الأكبر في ذلك هو أن الجانبين لا يتفقان حتى على الأساسيات. إذ يحبذ الديمقراطيون الإشارة إلى أن 9 من أصل 10 أمريكيين يفضلون إجراء عمليات فحص موسعة لشراء الأسلحة. في حين يتجاهلون تمسك المواطنين بحقهم في حمل السلاح الذي يكفله دستور البلاد.