كتب- أحمد مطاوع زارع ألغام الحرب.. قد يكون وصفًا لائقًا بسياسة بيع السلاح التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ توليه الحكم مطلع العام الجاري، رافعًا شعار "أمريكا أولًا"، دون اعتبار لحسابات نشر السلام والاستقرار في العالم، بعدما وجد في صفقات الأسلحة الضخمة وسيلة جيدة لإنعاش خزائن بلاده التي تواجه أزمات اقتصادية. لكن منهجية التسليح التي يتبعها ترامب، تنذر بتخطيط لإعادة تأهيل النفوذ الأمريكي حول العالم، وتشكيل تحالفات قوية مجهزة لحماية الأمن القومي لبلاده بإحداث غلبة في ميزان القوى الدولية لصالحها، عن طريق دعم حلفاء وخصوصًا في الشرق الأوسط، وذلك في مواجهة تمدد النفوذ الروسي والطموحات الإيرانيةوالصينية أيضًا، قاضمًا نداءات حقوقية وقرارات لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما بشان تسليح دول بعينها، وكذلك متجاهلًا دعوات دولية للحد من نشر السلاح. كسر الأعراف مقابل السيطرة في مايو الماضي، قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن ترامب يبدو أنه على استعداد لكسر أي أعراف في مقابل إعادة نفوذ أمريكا إلى الشرق الأوسط، وتغيير أبعاد المعادلة، عما كان في ولاية الرئيس السابق، باراك أوباما، لافتة إلى استغنائه عن العرف السائد داخل البيت الأبيض، بإبعاد مسؤوليه عن صفقات الأسلحة، وجعلها مختصة بوزارة الدفاع "البنتاجون"، في إشارة إلى إدارة وهندسة صهره أوحد كبار مستشاريه جاريد كوشنر، إلى صفقات السلاح مع السعودية. وكانت مجموعة من مجلس الشيوخ الأمريكي "الكونجرس"، قد حذرت في مايو 2016، من تأخر الحكومة الأمريكي في حسم توريد مقاتلات حربية إلى بعض دول الخليج، حتى لا تلجأ إلى بلدان أخرى منافسة مثل روسيا، مؤكدين أنه "يجب على الولاياتالمتحدة ألا تفوت الفرصة لتوسيع مجال نفوذها في الشرق الأوسط، وتحقيق هيمنتها الصناعية، ويتعين عليها أن لا تقدم تنازلات لمصلحة منافسيها ومعارضيها". خريطة تسليح الحلفاء.. هل يمهد ترامب للحرب؟ يبدو أن الرئيس الأمريكي، قد تيقن الأمور مبكرًا، وأخذ التحذيرات على محمل الجد لإنقاذ الموقف، إذ عقد صفقات تسليح متعددة بمبالغ ضخمة، في مناطق استراتيجية مختلفة من العالم، بصورة تلمح إلى نية لتحزيم الكرة الأرضية، ومساعدة هؤلاء الحلفاء على تحجيم توسعات الدول المناطحة للولايات المتحدة. بريطانيا.. 1.03 مليار دولار أحدث صفقة سلاح أمريكية، أعلنت عنها وزاراتا الخارجية والدفاع "البنتاجون"، في بيان الإثنين، كشف عزم الولاياتالمتحدة، بيع نحو 3 آلاف عربة عسكرية من طراز جديد، إلى بريطانيا في صفقة تشمل تزويد لندن ب2747 عربة تكتيكية خفيفة مشتركة، مقابل 1.03 مليار دولار، وحصلت على موافقة "الخارجية" وأحالتها "الدفاع" إلى الكونجرس. وأكد البيان، أن "مقترح البيع هذا يعزز السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأمنها القومي عبر المساهمة في تعزيز أمن حليف في منظمة حلف شمال الأطلسي". السعودية.. 460 مليار دولار كانت أضخم وأهم هذه الصفقات على الإطلاق خلال زيارة ترامب للسعودية في مايو الماضي، وهي أيضًا الأضخم في تاريخ البلدين بعد مرحلة من التوتر بينهما خلال إدارة أوباما، إذ بلغت قيمتها 460 مليار دولار على دفعات، تحصل واشنطن، بشكل فوري على 110 مليار دولار، بينما تحصل 350 مليار دولار المتبقية على مدار 10 سنوات، تستلم مقابلها الرياض مروحيات وسفن حربية ومنظومات دفاعية صاروخية وتكنولوجيا متطورة في مجال الحرب الإلكترونية. وتعد الولاياتالمتحدةالأمريكية المورد الرئيسي لمعظم الاحتياجات العسكرية السعودية، كما تعتبر المملكة من أكبر خمس دول إنفاقا على الأمن والدفاع على مستوى العالم. وأوضحت الخارجية الأمريكية، في بيان رسمي، أن الغرض من هذه الصفقة "ضمان الأمن طويل الأمد للسعودية ومنطقة الخليج في مواجهة النفوذ الإيراني السلبي والتهديدات المرتبطة بإيران". قطر.. 12 مليار دولار وافق البنتاجون، في يونيو الماضي، على صفقة شراء قطر لطائرات مقاتلة من طراز إف 15 بقيمة بلغت 12 مليار دولار، في اتفاقية وقعها وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس مع نظيره القطري خالد العطية، خلال زيارة هذا الأخير لواشنطن، تزامنا مع استمرار إعلان عدد من الدول على رأسها مصر والسعودية والإماراتوالبحرين، قطع العلاقات مع الدوحة. وأكد البنتاجون في بيان رسمي، إن هذه المقاتلات، ستمكن قطر من قدرات فنية، كما سترفع التعاون الأمني والعمل المشترك بين الولاياتالمتحدةوقطر. وأكدت وزارة الدفاع القطرية، إن هذه الاتفاقية "تمثل تأكيدًا للالتزام طويل المدى لدولة قطر في العمل سوية مع أصدقائنا وحلفائنا في الولاياتالمتحدةالأمريكية في تعزيز روابطنا العسكرية لتدعيم التعاون الاستراتيجي". الإمارات.. 2 مليار دولار أكدت وزارة الدفاع الأمريكية، في مايو الماضي، أن الخارجية الأمريكية وافقت على بيع صواريخ بقيمة ملياري دولار لدولة الإمارات. وقال البنتاجون، في بيان، إن "البيع يشمل 60 صاروخًا من طراز صواريخ باتريوت (باك-3)، التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن و100 صاروخ من طراز (جيم-تي)، التي تصنعها شركة رايثيون". البحرين.. 5 مليار دولار في مارس الماضي، قالت صحيفة “واشنطن بوست”، إن وزارة الخارجية الأمريكية أبلغت الكونجرس، بموافقتها ودعمها بيع طائرات مقاتلة من طراز “إف -16” من شركة “لوكهيد مارتن” إلى البحرين، مقابل ما يقرب من 4.867 مليار دولار، دون اشتراط أن تقوم المملكة بتحسين سجلها فى مجال حقوق الإنسان، وتشمل الصفقة أيضًا إلى جانب المقاتلات 23 محركًا وأجهزة رادار وأنظمة إلكترونية أخرى وأسلحة “جو- جو” و”جو- أرض” ومعدات متصلة بها. وجاءت الموافقة بمثابة انقلابًا على على قرار سابق لإدارة أوباما في سمبتمبر 2016، باشتراط تحسين البحرين سجلها في حقوق الإنسان ووقف الانتهاكات تجاه المعارضة، بحسب القرار. تايوان.. 1.42 مليار دولار في بقعة أخرى من الأرض، أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية، أواخر يونيو الماضي، الكونجرس، بالموافقة على 7 صفقات مقترحة لتايوان، قالت المتحدثة باسم الوزارة هيدز ناويرت، إنها "تقدر بنحو 1.42 مليار دولار"، وتتضمن دعما فنيًا فيما يتعلق برادارات الإنذار المبكر والصواريخ المضادة للإشعاع فائقة السرعة والطرابيد ومكونات الصواريخ. وقالت نويرت، إن الصفقات تظهر "دعم الولاياتالمتحدة لقدرة تايوان للحفاظ على إمكانات دفاع ذاتي كافية"، لكن ليس هناك أي تغير في سياسة "الصين الواحدة" التي تنتهجها الولاياتالمتحدة منذ فترة طويلة. أهداف أمريكية.. وانتقادات دولية الخليج.. رد فعل إيراني تنظر عدد من دول المنطقة الخليجية والعربية وعلى رأسهم السعودية، إلى إيران على أنها عدو يجب مواجهته، بخلاف الإرهاب المتنامي في المنطقة، وفي هذا السياق، تشكل تحالف جديد في المنطقة اشبه ب"ناتو عربي"، يضم بجانب الولاياتالمتحدة، دول الخليج ومصر والأردن. كما تسكن قطروالبحرين قواعد عسكرية أمريكية. يقول جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية الأمريكية، إن إيران تشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية والاستقرار الإقليمى، وذكر أن البحرين مثال لحليف له تعاون عسكرى قوى مع الولاياتالمتحدة، وأن القرار الأمريكي يعكس تصميم إدارة دونالد ترامب على تركيزها على مواجهة نفوذ إيران المتصاعد في المنطقة. وهاجم أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، محسن رضائي، صفقات الأسلحة الأمريكية الضخمة التي وقعها رئيس الولاياتالمتحدة، دونالد ترامب، مع السعودية، قائلًا عبر صفحته بموقع "انستجرام": "إن بيع الأسلحة الأمريكية للسعودية إشعال للنيران وزعزعة للأمن في المنطقة بأموال المسلمين ضدهم". تسليح تايوان.. الصين غاضبة من الواضح أن أمريكا تسعى لاستفزاز الصين وإلهائها في مناوشات وقلق مع تايوان، وهو ما وضح في رد فعل بكين، إذ حثت السفارة الصينية، في واشنطن، خلال بيان رسمي، الولاياتالمتحدة على وقف مبيعات الأسلحة المزمعة إلى تايوان، واصفة القرار ب"الخاطئ". وأضافت السفارة، أن الحكومة الصينية والشعب الصيني "لهما كل الحق في الغضب"، مضيفة أن المبيعات تبعث برسالة خاطئة للغاية لقوى "الاستقلال في تايوان". وتعتبر أمريكا، هي مورد الأسلحة الوحيد لتايوان التي تعتبرها الصين إقليمًا منشقًا، ولم تستبعد بكين استخدام القوة لإعادة الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي تحت سيطرتها. ألمانيا.. السير في الطريق الخاطئ اعتبرت ألمانيا، أن صفقات السلاح الأمريكية في الخليج وتحديدًا الصفقة الضخمة مع السعودية، لا تساهم بأي شكل من الأشكال في تخفيف التوتر بالشرق الأوسط. وقال وزير الخارجية الألماني يجمار جابرييل، في مؤتمر صحفي ببرلين، مايو الماضي، إن "عقد أمريكا لصفقة سلاح هائلة مع السعودية، يظهر أننا في طريق خاطئ للغاية، وإذا كان هناك شيء متوفر بكثرة في المنطقة، فهو السلاح"، بحسب روسيا اليوم. وشدد الوزير، على أن العالم بحاجة إلى مبادرات جديدة لنزع السلاح والرقابة على الأسلحة، مضيفًا أن "الشيء الوحيد الذي يعطي الأمل للشباب هو منحهم آفاقًا اقتصادية وليس سباق تسلح"، معتبرًا أن أمريكا تنطلق من اعتبارات قصيرة النظر فيما يخص ضمان الأمن. هل يشعل ترامب حرب عالمية ثالثة؟ رغم كل الانتقادات، ما زالت أمريكا تتوسع وتصر على عقد صفقات تسليح لعدد من الدول، وتحديدًا في الشرق الأوسط المشتعل، وفي مناطق محددة بشكل أقرب إلى زرع ألغام قد تتحول في لحظة لنقط انفجار يصعب احتوائها، وما في ذلك من خطوات استفزازية من جانب الولاياتالمتحدة تجاه دول كبرى منافسة في صراع النفوذ مثل روسياوالصينوإيران. ويفرض ما سبق تساؤلًا يتردد التطرق إليه بين الحين والآخر، حول اندلاع حرب كبرى في المنطقة، ترجحها بشدة هذه المرة تمركزات بيع الأسلحة لحلفاء واشنطن، وما إذا كان هذا تمهيدًا أو تجهيزًا مبكرًا على الأرض من الرئيس الأمريكي استعدادًا حرب عالمية ثالثة محتملة، أم أن الصفقات مجرد منافسة اقتصادية تقليدية في سوق السلاح بين الدول الكبرى؟!