يبدو أن منطقة الخليج على موعد جديد مع عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، ففي توافق تاريخي، أعلنت بعض الدول الخليجية أبرزها (السعودية - الإمارات - البحرين) بجانب مصر، في الخامس من يونيو الجاري، قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر في ذكرى النكسة؛ بسبب رعايتها لجماعات إرهابية في المنطقة. الأزمة الحالية مختلفة عن كل الأزمات الخليجية السابقة بما فيها أزمة سحب السفراء من الدوحة في مارس 2014، فالإجراءات التي اتخذتها الدول الخليجية الثلاث مع مصر، تضمنت قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق المنافذ البحرية والبرية والجوية مع قطر يعد حصار شبه تام، وأكبر بكثير من حصار دبلوماسي أو سياسي بل امتد ليكون حصار اقتصادي. بدون شك، ستتكبد الدولة الصغيرة، خسائر من جراء الحصار الخليجي المفروض عليها، ولكن ما تمتلكه قد يحول دون القدرة على تضييق الخناق حول رقبتها. - ملف الغاز وكالة «بلومبرج» الأمريكية المتخصصة في الاقتصاد، توقعت ارتفاع أسعار النفط مع تزايد حجم الأزمة بالخليج، لما لهذه المنطقة ثقل في سوق النفط العالمي، وفي ذات السياق لن تتضرر قطر من هذا الأمر لضخامة صادراتها التي بلغت نحو 77.2 مليون طن من الغاز الطبيعي عام 2016، أي أكثر من 30% من الإمدادات العالمية، المقدرة ب257.8 مليون طن، بل أن الأثر الأكبر في هذه الحالة يعود على الإمارات فحجم واردتها من الغاز القطري يمثل أكثر من 30% في المتوسط من حجم احتياجاتها الإجمالية من الغاز عبر «خط أنابيب دولفين». وبذلك توفر قطر نحو نصف احتياجات قطاع الكهرباء الإماراتي من الغاز الطبيعي، فبدون صادرات الغاز القطرية إلى الإمارات سيحل الظلام على ناطحات السحاب الإماراتية، وسيقع على عاتقها -حال قطع الإمداد- توفير مصدر ثان لوارداتها من الغاز الذي سيكون أكثر كلفة من الإمدادت القطرية التي تبلغ ملياري متر مكعب من الغاز يوميًا. ولن تتضرر كثيرًا قطر حال وقف صادراتها إلى الإمارات، إذ أن الأسواق البديلة ستكون جاهزة، فقطر قادرة على إيصال الغاز إلى دول العالم عن طريق مضيق هرمز أو عبر الموانئ العمانية، لذا فإن الإمدادات إلى الصين و الهندواليابان لن تتوقف، فاليابان تستورد 15% من احتياجاتها من الغاز من الدوحة، وتعد الصينوالهند أكبر مستورد منها في العالم -حسب تقرير وكالة «بلومبرج»-. - وفرة مالية تمتلك قطر سيولة مالية تتجاوز 370 مليار دولار، ولديها جهاز قطر للاستثمار المصنف التاسع عالميًا، وهو صندوق ثروة سيادي بأصول تبلغ 335 مليار دولار. هذا الصندوق الذي أسسته حكومة قطر عام 2005 لإدارة فوائض النفط والغاز الطبيعي كان من ضمن أهدافه التقليل من مخاطر اعتماد الدوحة على أسعار الطاقة، ويستثمر معظم أمواله في أسواق عالمية مثل أسواق الولاياتالمتحدة وأوروبا ودول آسيا والمحيط الهادي، وذلك وفقًا لتقرير (مناخ الاستثمار في الدول العربية 2016). كما تمتلك قطر قطاعًا مصرفيًا قويًا يتجاوز 1.3 تريليون ريال، ومصارفها قادرة على فتح اعتمادات موثوق بها لاستيراد كل السلع والخدمات من الخارج. ومن أهم عناصر الثبات التي تساعد الدوحة على تقليل آثار الحصار السلبية أن الوفرة المالية القطرية مستثمرة بالخارج ومستقرة، وبالتالي فإن تراجع سوق المال المحلي يمكن تعويضه مستقبلاً لأنه لا يمثل سوى جزء بسيط من الاقتصاد القطري. - استثمارات خارجية الشراكات البديلة، هو مقوم تعتمد عليه قطر، حيث تملك تنوع متزن في شراكاتها الاقتصادية في عدد من الدول، ويبدو أن الشراكة مع الدول الآسيوية هي أول بديل متاح، لا سيما اليابانوالصين، بالنظر إلى صادرات قطر للعالم الخارجي خلال العام 2016 -طبقاً لبيانات صندوق النقد الدولي- نجد أن اليابان تحتل المرتبة الأولى بحجم صادرات 10.89 مليار دولار، تليها كوريا الشمالية بحجم صادرات 8.46 مليار دولار، ثم الهند في المرتبة الثالثة بحجم صادرات 7.13 مليار دولار، ثم الصين في المرتبة الرابعة بحجم صادرات 4.47 مليار دولار، أما على قائمة واردات قطر من العالم الخارجي، فتأتي الصين في المرتبة الرابعة بحجم واردات بلغ 2.5 مليار دولار، واليابان في المرتبة الخامسة بحجم واردات بلغ 2.1 مليار دولار. - الاستثمارات الأجنبية في قطر تعد السعودية والإماراتوالولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا من أكبر 4 مستثمرين في قطر، إذ يمتلكون نحو 85% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في قطر. وفي حال استمرار مقاطعة الدول الخليجية للدولة الصغيرة، فإن من المتوقع أن تسحب السعودية والإمارات استثماراتها من قطر، وبهذا ستتمثل خسائرها في فقد عوائد متوقعة خاصة في قطاع البنية التحتية، لاستعداد قطر لاستضافة مونديال 2022، ويمكن تعويض هذه الاستثمارات من خلال التوجه لشركات المقاولات التركية، خاصة وأن شركات المقاولات التركية العاملة في قطر تستحوذ على ما قيمته 13.7 مليار دولار من مجموع المشروعات التي تقام هناك، إضافة إلى تصريح نائب رئيس الوزراء التركي، محمد شيمشك، خلال كلمته بمراسم توقيع مذكرة تفاهم للاجتماع السادس للجنة الاقتصادية المشتركة بين تركياوقطر، قال: «الشركات التركية على استعداد للمشاركة في كأس العالم 2022 التي تنظمها قطر». - حرية الانتقال والسياحة: تتبع قطر سياسة دخول مرنة لأبناء الخليج إلى أراضيها، لأغراض مختلفة؛ منها السياحة الترفيهية والعلاجية علاوة على تلقي العلم بالجامعات القطرية والانخراط في سوق العمل القطري. إذ أوضحت إحصاءات مجلس التعاون الخليجي، أن 1.3 مليون مواطن من دول مجلس التعاون تستقبلهم دولة قطر سنويًا، ارتفاعا من 526 ألفًا في العام 2006، إلى جانب وجود 40 إماراتيًا يعملون في القطاعين الحكومي والأهلي القطري، و548 بحرينيًا، و597 سعوديًا، و1130 عمانيًا، و26 كويتيًا، في حين يوجد 14 موظفًا قطريًا في القطاعين الحكومي والأهلي في الإمارات، و15 في البحرين، و74 في الكويت. ويتلقى 203 طلاب إماراتيين تعليمهم في قطر، بجانب 693 بحرينيًا، و1808 سعوديين و1608 عمانيين، و58 كويتيًا، في المقابل يوجد 11 طالبًا قطريًا في الإمارات و68 في البحرين و703 في السعودية و12 في عمان و55 في الكويت -وفقًا لإحصاءات مجلس التعاون الخليجي-.