سرادق واسع يتوافد عليه مدعوون من وزراء وأجانب ومصريين، في انتظار مرور موكب الملك لتكون سيارته الأولى في اجتياز الكوبري، لكن على بعد خطوات منهم يجلس حارس عقار مُسن يتقمص دور المهندس المعماري شارحا لأبناء بلدته الذين قدموا من أقصى الجنوب لحضور إعادة افتتاح كوبري "أبو السباع" والمعروف حاليا ب"قصر النيل". 84 عاما مرَّت على افتتاح الملك فؤاد الأول لأعمال تجديد كوبري قصر النيل، وإطلاق اسم جده عليه.. ونستعرض خلال السطور التالية أبرز مراحل إنشاء وتطوير الكوبري الأشهر في القاهرة وأحد أهم معالمها وملتقى الساهرين في ليلها. البداية شهدت مصر طفرة في مجال العمارة خلال فترة حكم خامس حكام المحروسة، إذ حلم الخديوي إسماعيل بتحويل مصر قطعة من أوروبا، فراح يفكر في إنشاء أول جسر يربط بين ميدان الإسماعيلية (التحرير حاليا) والضفة الغربية من النيل بمنطقة الجزيرة، والتخفيف من معاناة الأهالي في الانتقال بين الضفتين عبر المراكب الشراعية. في عام 1869، صدر مرسوما ملكيا بإنشاء الكوبري، وإسناد المشروع لشركة "فيف- ليل" الفرنسية بتكلفة مليوني و750 ألف فرنك بما يعادل 108 آلاف جنيه مصري آنذاك. التصميم الكوبري كان مكونا من 8 أجزاء منها متحرك من جهة ميدان الإسماعيلية "التحرير" بطول 64 مترا، يتم فتحه يدويا لعبور المراكب والسفن، وو5 أجزاء متوسطة بلغ طول كل منها 50 مترا، وجزئين نهائيين بطول 46 مترا. وبلغ طول الكوبري 406 أمتار، وعرضه 10 أمتار ونصف، شاملة الأرصفة الجانبية التي بلغ عرضها مترين ونصف، وارتفاع 10 أمتار. وصممت فتحات الكوبري لتحمل 40 طنا، والسماح بعبور عربات متتابعة وزن كل منها 6 أطنان أو تحمل أوزان ضخمة موزعة على جسم الكوبري. وتم تأسيس دعائم الكوبري من الدبش المحاط بطبقة من الحجر الجيري الصلب، وتنفيذ الأساسات بطريقة الهواء المضغوط. الأسود الأربعة بعد الانتهاء من بناء الكوبري، تم تشكيل لجنة برئاسة محمود باشا الفلكي، رئيس ديوان الأشغال، وبهجت باشا مفتش عموم قناطر وترع الوجه البحري؛ لاختبار متانة جسم الكوبري بالسماح بمرور دورية من المدفعية مكونة من 6 مدافع بكامل ذخيرتها، وذلك بالخطوة المعتادة ثم السريعة ثم المرور على قسمين. في أبريل عام 1871، كلف الخديوي إسماعيل شريف باشا ناظر الداخلية، بالاتصال بالخواجة جاكمار لعمل 4 تماثيل بتكلفة 198 ألف فرنك. وتم تصنيع التماثيل من البرونز في فرنسا، ونقلت إلى الإسكندرية ومنها إلى موضعها الحالي على مدخلي الكوبري، وبعدها التصق اسم "أبو السباع" بالخديوي إسماعيل، ليتم افتتاح الكوبري عقب مرور 3 سنوات، ويصبح أحد أبرز معالم القاهرة. ولم يكن العبور مجانيا، إذ وضِعت حواجز على مدخلي الكوبري لدفع رسوم عبور، نُشرت تفاصيلها في جريدة الوقائع المصرية بتاريخ 27 فبراير 1872 بعد مرور 17 يوما من افتتاح الكوبري؛ لتغطية تكاليف الصيانة. وساهم الكوبري في رواج حركة التجارة بين الوجه القبلي والقاهرة، وجعل الانتقال من الجيزة إلي القاهرة أكثر سهولة، إضافة إلى الحفاظ على الأرواح من مخاطر عديدة نتيجة الفيضان. الملك فؤاد في السادس من يونيو ١٩٣٣، افتتح الملك فؤاد الأول الكوبري بعد تجديده، وأقيم سرادق واسع من جهة الجزيرة، وكانت سيارته أول سيارة اجتازت الكوبري، حيث تصدرت صور الاحتفال غلاف مجلة المصور في عددها يوم ٩ يونيو، إذ تصدر "أبو السباع" واقفاًعلى منصته الحجرية، غلاف المجلة. وقد أعيدت تماثيل الأسود الأربعة إلى مدخلي الكوبري لكن بقواعد جديدة، وإنارة الكوبري الذي توافدت عليه طبقات الشعب المصري كافة (الارستقراط أو الدنيا)، الذين جاءوا للتمتع بمنظر النيل من أعلاه، يسيرون جنبًا إلى جنب في زمن اشتهر فيه الباشا والبيك والخادم. الإضاء الذكية في أبريل 2016، بدأت محافظة القاهرة مشروعا لتطوير وتجميل كوبري قصر النيل، وتغيير الفواصل المعدنية، وإدخال الإضاءة الذكية، ضمن خطة تشمل صيانة أسود قصر النيل على الجانبين بتكلفة 8 ملايين جنيه بتمويل من البنك الأهلي المصري. وتم وضع مادة عازلة على الأسود الأربعة؛ منعا للعبث بالكتابة الخارجة والإتلاف العمدي، خاصة بعد أحداث ثورة 25 يناير عام 2011. وافتتح محافظ القاهرة المهندس عاطف عبد الحميد، في 21 مارس الماضي، كوبري قصر النيل بعد الانتهاء من المرحلة الأولى من تطويره.