تمت تبرئه المخلوع مبارك وكل من كانوا حوله من تهمة قتل ما يزيد على 840 شابا ومواطنا مصريا في أحداث ثورة 25 يناير، بجانب المئات الآخرين من المصابين. هم شهداء فقدوا أرواحهم أملا في بناء وطن يحترم حقوق الإنسان، ويقر أن كرامة الموطن هي العمود الفقري لبناء الوطن. وكان الإفلات من العقوبة وعدم محاسبة أحد على قتل الشهداء أول معالم أن ثورة 25 يناير يتم إجهاضها، وذلك لأنه لو كانت قد تمت محاسبة القتلة، لما تم الاستمرار في سياسة الاستهانة بأرواح المصريين دون خشية من العقاب. وبالفعل، توالى بعد 25 يناير 2011 سقوط الشهداء وإزهاق أرواحهم دون محاسبة في مواجهات ماسبيرو ومحمد محمود الأولى والثانية وفي أحداث مجلس الوزراء وأحداث قصر الاتحادية وفي أحداث دموية أخرى كثيرة شهدناها على مدى السنوات الست الماضية. انخفضت اليد التي كانت قد وجهت تحية تعظيم لشهداء ومصابي ثورة يناير والتي مثلت بالنسبة لمصريين كثيرين علامة فارقة أنه ربما نكون على وشك التعامل مع نظام جديد يحترم بالفعل قدسية أرواح المصريين. ولكن للأسف، تم سحب هذه اليد، وعادت مرة أخرى يد العصا الغليظة التي واصلت سياسة قتل وقمع المعارضين دون خشية من الحساب. وشهدنا سقوط المزيد من الشهداء والمصابين الذين فقدوا أبصارهم أو أطرافهم أو بقوا قيد حالة من الغيبوبة على أمل العودة للحياة مجددا. توارت أخبار الصناديق التي كان من المفترض أن ترعى أسر الشهداء والمصابين وتساعد في علاجهم وتوفير الوظائف لهم. وفي ضوء الأجواء التي نعيشها على مدى السنوات الأربع الماضية، والعودة للاستعانة برموز مرحلة ما قبل 25 يناير سواء في الأجهزة الأمنية أو الوزارات، ومع الوضع في الاعتبار ما قاله الرئيس السيسي في مؤتمر الإسماعيلية للشباب عن ثورة يناير من أنها قامت بناء على انطباعات خاطئة، ربما نكون محظوظين أنه لم يتم اعتقال من تبقى من مصابي ثورة 25 يناير وتوجيه اتهامات لهم بأنهم شاركوا في مؤامرة على الوطن. وفي لندن وعلى بعد آلاف الكيلومترات، يرقد في أحد مستشفيات بريطانيا الشاب معوض عادل في حالة غيبوبة منذ أن تمت إصابته برصاصة في الرأس في أحداث محمد محمود قبل ما يزيد على أربع سنوات. رحلة علاج معوض لم تبدأ في لندن، لكن سبقتها مراحل علاج طويلة في النمسا وفي مصر. أنفقت أسرته عليه مئات الألوف من الجنيهات من أموالها في محاولات عديدة لإعادته للحياة، خاصة أنه في مقتبل العمر، ولم يتجاوز 24 عامًا. وبعد مسيرة معاناة طويلة مع البيروقراطية المصري، تمكنت أسرته من الحصول على حكم محكمة يقضي بعلاجه على نفقة الدولة في أحد المستشفيات المتخصصة الواقعة على أطراف العاصمة البريطانية، لندن. حدثت نقلة حقيقية في حالة معوض بعد ثلاثة شهور فقط من وصوله إلى بريطانيا. وبدأ للمرة الأولى في تحريك عينيه وتغيير ملامح وجهه ردا على الأسئلة التي يتم توجيهها له. كما نجحت في نفس المستشفى حالة شبيهة لحالته تناولتها وسائل الإعلام الإنجليزية على نطاق واسع، وهو ما منح أسرته بصيصًا من الأمل. ولكن للأسف الشديد، فإن الجهات البيروقراطية التي رفضت نقله للعلاج في لندن، واضطرت لذلك فقط بعد صدور حكم من المحكمة، هي نفس الجهات التي واصلت بعد ذلك محاولة وقف دفع تكاليف علاج معوض. واضطرت أسرة معوض إلى رفع قضية ثانية ضد المجلس الطبي التابع لمجلس الوزراء بعد أن تأخر وصول تكاليف المستشفى، وصدر للمرة الثانية حكم لصالحهم. ومرت الأسرة بمعاناة طويلة مع حلول موعد تسديد كل فاتورة للمستشفى الإنجليزي، وتأخر التحويل. ولكنهم تحملوا كل ذلك أملًا في شفاء معوض، حتى شهر يوليو الماضي عندما توقف مجلس الوزراء تماما عن دفع مصاريف العلاج. وتلقت الأسرة مكالمة من مسؤول في المجلس الطبي يدعى حسام المصري أبلغهم بأن الحكومة قررت أنها أنفقت ما يكفي، ولا بد من عودة معوض إلى مصر لكي يلقى مصيره، أي ببساطة أن يموت. وحاول ذلك المسؤول الضغط على عائلة معوض، وتحديدا شقيقه الذي يرافقه في رحلة العلاج، لكي يقوم بتوقيع طلب بخروجه من المستشفى. وعندما سأل شقيق معوض عن إذا ما كانت مستشفى في مصر قادرًا على الاستمرار في علاجه، تجنب السيد المسؤول الرد، واكتفى بالقول إن الدولة لن تستمر في دفع النفقات لكي يبقى الشهيد الحي في المستشفى الإنجليزي يتلقى علاجًا بالموسيقى! وفي مواجهة هذا التعنت والاستهتار بأرواح البشر، لم تجد أسرة معوض من بديل سوى رفع قضية ثالثة تطالب فيها مجلس الوزراء بالاستمرار في دفع نفقات علاج ابنهم. ستنظر محكمة القضاء الإداري في القضية يوم 21 مايو المقبل، بينما حدد السيد المسؤول في المجلس الطبي يوم 17 مايو كموعد نهائي لعودة معوض إلى مصر، وأبلغ المكتب الطبي التابع للسفارة المصرية في بريطانيا بذلك. أرجوكم تضامنوا مع معوض وأسرته، ومع حق معوض في أن يستكمل علاجه في المستشفى، الذي لديه سجل وخبرة في مجال التعامل مع حالات شبيهة مع حالته. عودة هذا الشاب إلى مصر ستعني نهايته، بينما كان لديه هو كامل الاستعداد لكي يضحي بحياته أملا في أن يرى جيله مستقبلا أفضل مما هو قائم الآن، ووطن يحترم حق مواطنيه في الحياة ولا يستهين بأرواحه.
معوض كان شابا كان مفعما بحب الحياة، وحب الوطن، وأقل ما يمكن أن نقدمه له هو استمرار علاجه أملاً في شفائه. وقتها فقط قد يقدر معوض أن نظامًا جديدًا قد نشأ في بلاده، يحترم حقوقه كإنسان، ويكفيه ظلما أن من أصابه في رأسه برصاصة لم يحاسبه أحد.