السيد رئيس الجمهورية.. تعلمون أن القضاء ولاية وليس وظيفة أو مرفقا.. ولن يكون. فالقاضي لا يلغي حكمه إلا قاض مثله، وللقضاء في بلاد العالم المتمدن شأنه وخطره، وقداسته وجلاله، لسهره على حماية الحريات وصون الحقوق وتطبيق القوانين، ومهما غلا ثمن الحصول على العدالة فإن الظلم أكثر فداحة وغلوا، وما لم يقم على شئون العدالة قضاة فوق الخوف.. وفوق كل ملامة، فإنه ينتهي إلى أن تسود قوة السلاح وشريعة الغاب فتتأخر الأمم بعد تقدم وتفتقر بعد غنى وتضعف من بعد قوة، ومن ثمَّ كان الحرص على استقلال القضاء كسلطة وتوقير القضاة كأفراد وإحاطتهم بكل الضمانات وتأكيد مبدأ الشرعية وسيادة القانون في ظل رقابة السلطة القضائية وحده وبحكم من القضاء العام وحده وبإجراءات متبعة أمامه وحده. السيد الرئيس.. وإذا كان قد حدث عند مناقشة مشروع أحد القوانين الذي صدر مؤخرًا في صورته الأولى... وإذا كان قد حدث ما أغضبك فلا تغضب إلا من نفسك، فأنت أنت الذي طالب بالمعارضة والنقد وألح على طلبهما، ولأن أخطاء الديمقراطية على كثرتها لا تعدل خطأً واحدًا من أخطاء الديكتاتورية. لا أعتز بأي قرار اتخذتموه قدر اعتزازي بسيادة القانون وتوفير الأمن والأمان لكل مواطن. اغضب من نفسك إذن إن استطعت، أو اغضب من مشروع القانون الذي ناقشناه، ذلك أنهم يعرقلون المسيرة نحو الديمقراطية.. ويفرون من الحرية.. ويلتفون حول مبدأ سيادة القانون. إن النقد إذا كان متصلا بالشئون العامة فلا بأس من الشطط فيه أحيانا يا سيادة الرئيس، وبالنسبة للرجل العام فيجب أن نسلم بأن التصدي للمسئولية الجسيمة معناها التعرض لأن يحكم عليه بعض الناس وهم في حدود حسن النية حكمًا مبناه إساءة الظن فيك نتيجة القلق الطبيعي على ما يعتقدون أنه حيوي بالنسبة لهم، ذلك القلق الذي هو مظهر لشدة شعور المواطن بواجبه العام في النظام الديمقراطي.. وبغير الحريات سوف تتعرى حقوق المواطنين.. والقضاة واستقلالهم من افتئات السلطتين الأخريين، وعلى أن يكون الفانون -أي قانون- ملتئمًا مع الدستور.. فإذا هم قابلوا محاولات الافتئات على سلطتهم بغضبهم.. فهو ذلك الاستقلال الذي كفله الدستور وأكده بأن لا يجوز لأي سلطة التدخل في شئون العدالة، وإذا كانت استغاثتهم جاءت حادة عالية النبرة فما ذلك إلا لتصل إليك قبل أن يستفحل المشروع إلى قانون وهم... وفي أحلك العصور وفي ظروف بالغة السوء مرت على هذا البلد.. طالما تحايلوا على نصوص جائرة حتى لا ينحرفوا عن رسالتهم السامية، فالضعيف في مواجهة سلطة قوى بحقه أمام قدس القضاء، والخائف من بطش خصمه آمن لنفسه في حمى القضاء، والمغلوب على أمره عزيز بمنطقه في ساحة القضاء. وإني أذكّر بالتنبيه بإلغاء القوانين التي تحول دون المواطن وقاضيه الطبيعي، ونرجو أن يمتد التنبيه لإعادة النظر في القوانين المعمول بها بما يتأتى به أن يضفي ولايته على المنازعات كافة لا يشاركه في ولايته تلك شريك، ومن باب أولى لا يستقل من دونه قضاء آخر، وبالعدل يتحقق مطلب السلام، وبالعدل تستقر دعائم الرخاء، وبالعدل يعز جانب الحرية. كانت هذه مقتطفات منقولة حرفيًّا من كلمة مستشارنا الجليل/ وجدي عبد الصمد، رئيس نادي قضاة مصر للرئيس أنور السادات- رحمهما الله- في سبعينيات القرن الماضي. وهي ممتلئة بعبارات قوية عن الديمقراطية والديكتاتورية والحريات، وعن حق كل مواطن مصري في التعبير عن رأيه في الشأن العام، ولو طوي ذلك على بعض الشطط، بل وألمحت كلماته إلى نوع من الاعتراض على إحالة المدنيين لأي قضاء غير القضاء الطبيعي (لعل سيادته كان يقصد -حاشا لله- القضاء العسكري) وكل هذا في رأينا معيب جدا، ونربأ بسيادته رحمه الله أن تنطوي كلماته على ما يعد بمعايير العصر الحالي "اشتغالا" بالسياسة، محظور لا مراء، ويستحق أشد المحاسبة، والله أعلم. لذلك ومن باب الاحتياط البعيد فها أنا أعلن أنها ليست كلماتي، وأني منها براء براء، وبأني شخصيًّا ليس لي أي كلمات -معاذ الله- في أي شأن سوى أن كل نفس بما أتت رهينة، وليفعل كل من يشاء بنفسه ما شاء، وما أعدت نشر كلمات شيخنا الجسور إلا لإثبات أني غير موافق عليها بتاتًا وغيرراض عنها ألبتة، وإن كان ذلك لا يمنعني وفي ظل ما يمر به القضاء في هذه اللحظات التي كانت متوقعة كل التوقع وما يعصف به وباستقلاله، أن أهدي كلماته كلمة بكلمة وحرفًا بحرف إليهما وحدهما حيث هما، الأسدان العظيمان، المستشار/ زكريا عبد العزيز رئيس محكمة الاستئناف رئيس نادي قضاة مصر، والمستشار/ محمود رضا الخضيري نائب رئيس محكمة النقض رئيس نادي قضاة الإسكندرية.