بعد نحو عام من إلقاء القبض على الصديق العزيز والمناضل النقي أحمد دومة بتهمة المشاركة في مظاهرة أمام محكمة عابدين، كنت في طريقي لمدينة الإنتاج الإعلامي للمشاركة في أحد البرامج الحوارية. وعند مدخل المدينة، حيث يقف عادة مواطنون من أصحاب الطلبات الخاصة على أمل لقاء أحد مشاهير المذيعين، استوقفني مواطن وبدأ في الصراخ: "أنا عارفك، إنت بتطلع في التليفزيون. أنا اللي حبست أحمد دومة وشهدت ضده. وعدوني بكشك وبعدين ماخدتش حاجة. ينفع كده يا بيه!!". توقف ذهني عن التفكير من فرط الغضب، وبدأت فورا في توجيه السباب للرجل، لأنه شهد زورا ضد دومة الذي عرفته بعد ثورة 25 يناير، ولموافقته على أن يبيع ضميره مقابل كشك وعده به ضباط الأمن الوطني. بالطبع كان التصرف العقلاني هو أن أتظاهر بالتعاطف مع شاهد الزور، وأن أقوم بكل هدوء بالإمساك بهاتفي وتسجيل شهادته بالفيديو. ولكن للأسف، يغيب العقل في أحيان كثيرة وتتحكم العواطف فقط. بالطبع تم الحكم على دومة بالحبس ثلاث سنوات في قضية التظاهر، ومعه أحمد ماهر ومحمد عادل. قضى الشاب المناضل السنوات الثلاث كاملة، وتم رفض الاستئناف والنقض في الحكم الصادر في هذه القضية، ولأن هناك ترصدا واضحا بدومة على وجه التحديد، فلقد تم فجأة، وفي أثناء سجنه، إحياء قضية ما يعرف ب"حرق المجمع العلمي"، التي تم اتهامه فيها مع 269 مواطنا آخرين. وأصدر القاضي الشهير بأحكامه المثيرة للجدل، ناجي شحاتة، حكمه غير المسبوق ضد دومة بسجنه مدى الحياة، بجانب غرامة بقيمة 17 مليون جنيه. ونتيجة لمجرد سؤال وجهه دومة لشحاتة بشأن امتلاكه من عدمه صفحة على موقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك"، تمتلئ بكل أنواع السباب والتهكم على ثورة 25 يناير، كان جزاؤه حكما آخر بالسجن لمدة ثلاثة أعوام بعد إدانته بتهمة إهانة هيئة المحكمة. وهكذا يكون من المفترض أن يقضي دومة ما يقترب من نحو ثلاثين عاما في السجن، ما لم تقض محكمة النقض بإلغاء الحكم الصادم الذي أصدره شحاتة وإعادة محاكمته أمام دائرة جديدة. وستبدأ محكمة النقض أولى جلسات النظر في القضية يوم الخميس 27 إبريل بعد طول انتظار. والقضية في حالة دومة لا تقتصر على التعاطف معه بسبب انتماء كلينا لمعسكر المدافعين عن ثورة 25 يناير، ولكن الأساس هو الكم الهائل الذي تعرض له من ظلم وأحكام قاسية أصدرها قاضي كسر الأرقام القياسية في عدد مرات رده من قبل المحاكم بسبب آرائه ومواقفه المنحازة تماما ضد المتهمين الذين يمثلون أمامه. طبعا شحاتة هو أحد نجوم دوائر المخصصة للنظر في قضايا الإرهاب، وربما يكون الأكثر شهرة على الإطلاق في أحكام الإعدام الجماعية التي يصدرها، ولا يفوقه في ذلك سوى قاضي المنيا الشهير الذي أصدر بمفرده أحكاما بالإعدام ضد ما يزيد على 1200 متهم دفعة واحدة في قضيتين منفصلتين تتعلقان بحوادث الاعتداء على الشرطة في أعقاب عزل محمد مرسي في 3 يوليو 2013. ولقد أنقذ قضاة الاستئناف سمعة القضاء المصري أمام العالم بأكمله عندما أمروا بإعادة محاكمة كل المتهمين في قضايا المنيا، وإلغاء أحكام الإعدام الجماعية. ولا أعتقد شخصيا أن كل أحكام القاضي ناجي شحاتة تختلف كثيرا عن أحكام قاضي المنيا الشهير الذي أشارت التقارير إلى أنه خرج إلى المعاش وتوقف عن اعتلاء منصة القضاء. ورغم قبول رد ناجي شحاتة ومنعه عن النظر في عدة قضايا، فإن القاضي بقي متمسكا بمنصبه، وواصل إصدار المزيد من الأحكام القاسية والتعبير صراحة عن آرائه الخاصة، التي تجعل أي متهم يمثل أمامه يتحسس رقبته انتظارا لحكم الإعدام. والمثير للأسى والحزن في قضية دومة، أنه فور بدء النظر فيها، تم تقسيمها إلى جزءين: الأول تضمن الاتهامات ضد ضباط الجيش والشرطة التي وجهها المشاركون في ما عرف باسم "مظاهرات مجلس الوزراء"، التي نجم عنها مقتل الشهداء الشيخ عماد عفت ورامي الشرقاوي وعصام كاريكا وعلاء عبد الهادي، وواقعة سحل ست البنات، وكذلك بلاغات ضد ضباط بالأسماء تتهمهم بتعذيب المتظاهرين في مجلس الشعب ومجلس الشورى. هذا الجزء من القضية تمت إحالته للقضاء العسكري ولم يعرف أحد ما حدث للضباط وغالبا تم حفظ التحقيقات. أما الجزء الثاني فتضمن اتهامات ضد 269 شابا وفتاة بالاعتداء على الشرطة وحرق المجمع العلمي والسعي لحرق مجلسي الشعب والشورى، وهو الجزء الذي فصل فيه ناجي شحاتة وأصدر أحكامه المسبوقة المذهلة. نطالب بالحرية لدومة لأنه لا توجد أية أدلة في الأوراق تتضمن تورطه في حرق أي مبنى رسمي، والأمر برمته يرتبط بتصريحات أدلى بها في أحد البرامج الحوارية رفض فيها انتقاد الشباب الذي شارك في التظاهرات في ذلك الوقت. وحتى مقدم ذلك البرنامج ذهب للمحكمة في محاولة للشهادة لصالح دومة ونفى أن تكون تصريحاته تعني تورطه بأي شكل في حرق المجمع العلمي أو أي مبان حكومية أخرى. دومة إنسان شديد الطيبة والنقاء والثورية، وكل من يعرفه يؤكد ذلك. عندما دخل السجن بتهمة التظاهر أمام محكمة عابدين، كان الكثيرون يظنون أنه سيقضي أياما قليلة فقط خلف القضبان، خاصة أن نفس وسائل الإعلام التي هاجمته بضراوة بعد 3 يوليو 2013، كانت تشيد به وتصفه أنه بطل قومي، عندما كان يتقدم الصفوف للمطالبة بسقوط حكم المرشد والإخوان.
دومة ورفاقه لم يكونوا يستحقون قضاء يوم واحد فقط خلف القضبان. أما وقد طال الظلم وتجاوز السنوات الثلاث بشهور، فنتمنى أن تضع محكمة النقض نهاية لمأساة دومة التي فاقت كل الحدود، خاصة مع تدهور حالته الصحية داخل السجن. حرية أحمد دومة حقه الذي تأخر كثيرا بكل أسف.