هذه خطوة مهمة على الطريق الصحيح.. أعلن محافظ البنك المركزى هشام رامز عن إنشاء صندوق سيادى تابع لرئاسة الحكومة لإعادة هيكلة شركات القطاع العام وإدارة الأصول المملوكة للدولة. القطاع العام كان يضم قلاع الصناعة العملاقة فى مصر، وهو الذى تحمل عبء التنمية، كما تحمل عبء الحروب التى فُرضت على مصر، فى سنوات الازدهار كانت أرباح هذا القطاع هى المورد الأساسى لميزانية الدولة، وكانت مصانعه هى المحرك الأول للاقتصاد، وكانت قصة نجاحه يتم تدريسها للدول النامية باعتبارها النموذج الأمثل لخطط النهوض فى ظل الاستقلال. مأساة القطاع العام بدأت مع الانقلاب على كل سياسات يوليو، وفى نهاية السبعينيات بدأ مخطط تصفية هذا القطاع الذى شهد صورًا من الفساد لا مثيل لها، حيث بيعت مصانع بتراب الفلوس، ونُهبت أراضى الدولة بلا ثمن، وتُركت المصانع على مدى خمسة وثلاثين عامًا بلا صيانة ولا تجديد، لتضطر إلى الإفلاس أو تتعرض إلى البيع ل«مافيا» نهب الدولة، بينما يتم تشريد العمال أو دفعهم إلى المعاش المبكر أو الجوع المتعمد! فى عز سنوات الحملة الظالمة على القطاع العام سألت مهندس الصناعة المصرية الدكتور عزيز صدقى، رحمه الله، عما يقال من أن شركات هذا القطاع محملة بالديون المتوارثة، وقال الرجل: إن هذا كذب رخيص، وإن آخر أقساط تكلفة بناء المصانع الكبرى التى أقيمت فى عهد عبد الناصر قد تم سدادها بعد نحو خمس سنوات من رحيله، حيث كانت الاتفاقات تقضى بفترة سماح ثم يبدأ السداد مع بدء الإنتاج الفعلى للمصانع.. ومن تصدير جزء من إنتاجها.. يعنى فى منتصف السبعينيات كانت كل مصانع القطاع العام بلا ديون بعد أن سددت ثمن المعدات من إنتاجها، وفتحت أسواقًا للتصدير، بالإضافة إلى ضمان حاجة الاستهلاك المحلى من منتجاتها. ما حدث بعد ذلك كان القرار هو تصفية هذا القطاع العام وضرب الصناعة الوطنية وإقامة دولة السمسرة والتوكيلات، بعض المصانع «مثل المراجل البخارية»، بيعت بالأمر الماشر من أمريكا لأسباب استراتيجية! وبعضها بيع لفتح أبواب الاحتكار أمام الأباطرة الجدد «مثل مصانع مصر للألبان»، وبعضها بيع، لأن الفساد كان يحكم ويتحكم فى صفقات تصلح وحدها لوضع كل أركان النظام السابق فى السجون! ورغم ذلك كله بقيت 146 شركة من شركات القطاع العام يكافح العاملون فيها للحفاظ عليها وإعادة الحياة إلى ماكينات يتم تعطيلها بفعل الإهمال الطويل أو الفساد المتجذر أو القرار السابق بتصفيتها. ومن هذه الشركات قلاع صناعية مثل شركات الغزل والنسيج الكبرى فى المحلة وكفر الدوار ومصانع الحديد والصلب وغيرها، بينما كانت الحكومة- فى أفضل الأحوال- تكتفى، كما أشرنا سابقًا، بدور عسكرى المطافى الذى يذهب متأخرًا بعد اندلاع الحريق، أو بدء الاعتصامات والإضرابات! الآن تبدو بارقة أمل فى أن يتغير ذلك والحديث الجديد يدور عن صندوق سيادى لإنقاذ هذه الشركات وإعادة هيكلتها وبث الحياة فيها، والمهمة ليست سهلة، لكن مع توفر الإرادة والتمويل من جانب الحكومة، والعزم والحماس من جانب العاملين يمكن تحقيق المطلوب. وأتصور أننا يمكن، وفى مرحلة لاحقة، أن نستعين بمساهمات صغار المساهمين المصريين فى دعم هذه الشركات بعد إصلاحها وتحويلها إلى طاقات إنتاجية رابحة، بحيث نعرض جزءًا من أسهمها للاكتتاب العام لنضاعف من قدرتها المالية، ولنسارع فى برنامج إعادة الهيكلة، ولكى نجتذب أموال صغار المدخرين لإنتاج حقيقى ورابح.. بدلًا من أن نذهب إلى شركات توظيف الأموال، أو للمضاربة على العقارات، وتتآكل قيمتها وهى راقدة فى خزائن البنوك!