لن يكون فى مقدور القوى السياسية الحديث عن هوية الدولة، دون أن يرى كل طرف مساحات مشتركة يوافق عليها المجتمع.. حديث مطول كان على مائدة النقاش، مساء أول من أمس، فى ندوة بعنوان «ماذا تعنى دولة مدنية بمرجعية إسلامية؟» حاضر فيها الدكتور جاسر العودة، عضو اللجنة العلمية للمعهد العالمى للفكر الإسلامى، رفض فيه فصل الدين عن المدنية أو تماهى الدين معها، مشيرا إلى أن هناك ثلاث مساحات تجمعنا بالآخر لا غنى عن واحدة منها، وهى: دينية، ومدنية، ومدنية دينية.. أستاذ مقاصد الشريعة والسياسة العامة بكلية الدراسات الإسلامية بقطر، قال إن المساحة الدينية متعلقة بتعاليم الدين، والكل فيها يعتقد ما يشاء ويمارس دينه بصرف النظر عن السياسة، بخلاف المدنية التى لا يؤخذ فيها الدين بمعناه التفصيلى ولكن بمجمل الأحكام من خلال استخلاص مقاصد الشريعة، أما المساحة المدنية الدينية فيتداخل فيها الدينى مع المدنى عبر التوافق المجتمعى، فيما قال عن تطبيق الحدود، «لا أرى هذا العصر للمناداة بها، ولكن إذا أراد أحد أن ينادى بتطبيقها فلا مشكلة ما دام سيخاطب المجتمع من داخل النظام المدنى، وليس من فوقه، ويترك الناس تختار ما تشاء»، داعيا الإسلاميين إلى عدم الالتفاف على ثورة وطنية بدعوى أنها إسلامية ويقومون غدا بتطبيق الحدود، موضحا أنه بدلا من ذلك يمكنهم تحريك المجتمع من خلال التربية والثقافة والإعلام، لأن ما دون ذلك يخالف الأصل النبوى الذى لم يجرم أحدا من الصحابة، ولكنه اعتمد منهج التربية. ورأى العودة أن الضمان الوحيد لطمأنة غير المسلمين هو ممارسة الدين وعدم اختزاله فى الشرف وتغيير العقيدة، والحرص على توصيل المقاصد والقيم العليا كحفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل. العودة قال ل«التحرير» إن لغة الخطاب عند الإسلاميين تختلف باختلاف أطيافها، فهناك من يقدم خطابا وسطيا معتدلا يراعى فيه حقوق المواطنة، وهناك من الأطياف من يمارس المغالاة بعدم اعترافه بحقوق الأقليات ويتحدى القيم والديمقراطية، مشيرا إلى أن الفزاعة من الإسلام لها مرجع عند النظام السابق، فضلا عن أن هناك أسبابا موضوعية منها تقديم بعض الرموز الدينية لخطاب غير متوازن يحض على أعمال العنف، فيما يرى تشكيل التيارات السلفية للأحزاب خطوة للأمام، فضلا عن أن خطاب قيادتها يتمدن أسبوعا بعد أسبوع، محذرا من الازدواج الذى يمارسه بعض السلفيين بين مخاطبة النخب ومخاطبة العامة فى المسجد أو ميدان التحرير. واعتبر وثيقة الأزهر دليلا على احتفاظ الأزهر بدور مرجعى لا يتدخل من خلاله فى السياسة، خصوصا أن الوثيقة تركز على مبادئ جامعة للمجتمع وليس فقط الإسلاميين. ورأى العودة خطاب رئيس الوزراء التركى رجب طيب أرودجان يصلح للاستهلاك المحلى والأوروبى، حيث يسعى أردوجان من خلاله إلى تأكيد جهوده فى الوصول بالعلمانية التركية إلى العلمانية الأمريكية بهدف الحصول على مكسب استراتيجى وهو دخول تركيا فى الاتحاد الأوروبى، فيما استنكر العودة مناداة البعض باستعارة التجربة التركية بالطريقة المصرية قائلا: «لسنا دولة علمانية.. ولن نكون».